عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2009   #2
شب و شيخ الشباب فسحة أمل
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ فسحة أمل
فسحة أمل is offline
 
نورنا ب:
Sep 2007
المطرح:
فسحة أمل
مشاركات:
1,372

افتراضي



وقد تبنى ماركس موقف فوورباخ واعتبر ان الدين هو الشكل الجذري لما دعاه ( تغرب الانسان عن ذاته ) إذ أن الانسان يفقد سلطانه ليفيد به فكرة الله وبخضوعه لسلطان الهي مزعوم يخضع بالواقع لصورة مثاليه عن نفسه. ولكن ماركس اعتبرأن تحليل فوورباخ ناقص , مبتور لان هذا الاخير اعتبر أن الانسان كائن مجرد ولم ينظر اليه في واقعه الاجتماعي . فقد قال ماركس في هذا المعنى : ( لم يرى فوورباخ أن الشعور الديني نفسه هو من نتاج المجتمع , وأن الفرد المجرد الذي يحلله ينتمي إلى شكل اجتماعي معين ) وأيضاً : ( ان أساس النقد الديني هو هذا : يصنع الانسان الدين ولا يصنع الدين الانسان . الدين هو بالحقيقة شعور الانسان الذي اما لم يجد نفسه بعد اما فقد نفسه . ولكن الانسان ليس كائناً مجرد , خارج عن العالم الواقعي. الانسان هو عالم الانسان , الدولة , المجتمع . هذه الدولة , هذا المجتمع ينتجان الدين , الذي هو وعي زائف للكون , لانهما يشكلان عالماً زائفاً ) ولم يكتفي ماركس بترداد نقد فوورباخ للدين وانما اجتهد في أن يظهر أن اغتراب الانسان عن ذاته أو فقده لذاته على الصعيد الديني إنما له جذور في فقده لذاته على الصعيد الاقتصادي .
فقد بين أن العامل في المجتمع الرأسمالي ليس حر في التصرف بعمله لانه مرغم , كي يعيش , أن يبيعه للرأسمالي الذي يتصرف به كما يشاء فيعين على هواه مدة العمل وشروطه الآليه والصحية وأجرته . وكذلك ليس العامل في مجتمع كهذا حر التصرف بنتاج عمله لان كل ملكية لهذا النتاج تنزع منه , فيحرم هو من ثمرة جهوده فيما يستفيد منها أو يغتني صاحب العمل . هكذا يصبح العامل عبداً وإن لم تكن عبوديته مفضوحة كما كانت في المراحل السابقة . إنه سلعة يتاجر بها . إنه يفقد ميزاته الانسانية ويتحول إلى شيئ . هذا الوضع , وضع العبودية الذي يكرسه قيام مجتمع طبقي مبني على الاستغلال , وقيام دوله تساعد المستغلين وتحافظ على امتيازاتهم , هذا الوضع يعبر عن ذاته , بنظر ماركس في الدين .
ذلك أن الانسان الذي أضاع ذاته اقتصادياً واجتماعياً , سواء أكان عبداً أو رقيقاً أرضياً , كما كان في الماضي أو كادحاً مستغلاً كما هي في الحال الحاضر , هذا الانسان الشقي كيف يمكنه أن ينجو من شقائه ؟ لن ينجو الا باضاعة ذاته على صعيد آخر , على صعيد الدين , ( هذا المظلوم الشقي سوف يحلم بكائن مثالي يتحلى بكل الصفات التي يملكها , هو الانسان ولكنه لا يستطيع أن يحققها بسبب عبوديه , كل ذلك الغنى الذي يحسه في ذاته من عدل وحنان وحب وحكمة وحرية وابداع , كل تلك الكنوز التي لا يستطيع أن يحققها لانه مظلوم ومستعبد لآخر , كل تلك الكنوز يقذفها الانسان في كائن يسميه الله . ويتمنى أن يشركه هذا الكائن يوماً في هذه الصفات فيتضرع اليه . وبما أنه شقي في هذه الحياة يحلم بحياة اخرى حيث سيكون سعيد اً لانه أخيراً سيحقق ملئ ذاته ....) فهكذا فالاديان كلها , بنظر ماركس , أوهام .... لانها تقدم لاعجاب الانسان كائناً يتحلى بصفات هي بالفعل خاصة الانسان .... إنها فقدان الانسان لذاته إذ أن الانسان يجعل نفسه طائعاً وخادماً لاله ليس الا كائن من صنع خياله .... إنه يجعل نفسه عبداً لشيئ غير موجود ....يتعبد لاله هو عدل وحنان وحب والواقع أنه هو الانسان عدل وحنان وحب . بتعبده لله يتعبد الانسان لذاته دون أن يدري , لأنه أفرغ ذاته من جوهره الخاص لصالح اله خيالي . إنه يتألم في سعيه إلى السماء ليحاول ان ينال بعد الموت , قيماً هي فيه . هذا السعي لا جدوى له بل هو مضر لانه يمنع الانسان أن يحقق ذاته . على الانسان أن يجد هذه الكنوز فيه وليس خارجاً عنه .

هكذا يفهم نص ماركس الشهير : ( إن الشقاء الديني هو من جهة تعبير عن الشقاء الواقعي ومن جهة اخرى الاحتجاج ضد الشقاء الواقعي . الدين هو تنهد المخلوق الرازح , هو قلب عالم لا قلب له كما أنه فكر زمان لا فكر له .انه أفيون الشعوب )
الدين إذاً بالنسبة لماركس ملجأ للانسان يحتمي به من ظلم المجتمع " قلب مجتمع لا قلب له " إنه احتجاج ضد الشقاء وعلى نوع ما , دواء له . ولكن هذا الدواء أسوأ من الداء لانه يخدر الانسان " أفيون الشعب " , يغرقه في الوهم , يبقيه في العبودية , يحول دون خروجه من واقع مؤلم , ولكن الدين أيضاً " فكر زمن لا فكر له " أي أنه تفسير للكون والحياة والتاريخ يخترعه زمن لم يتعرف بعد على التفسير العلمي للاشياء , أما التقدم العلمي فانه يلغي هذا الفكر الزائف لانه يكفي لتفسير الكون وتحقيق الفردوس على الارض . هذا الدين الذي اعتبره ماركس مخدراً للمظلومين يمارسه السادة الظالمون . ولكن معناه يتحول بين أيديهم إذ يصبح الدين عندهم وسيلة للحيلولة دون ثورة العبد , لابقائه في حالة الرضوخ لواقعه . وهكذا فالدين الذي اخترعه المظلوم ليخرج من شقائه يصبح بين يدي الظالم وسيله لاستعباده . لذا اعتاد الماركسيون أن يربطوا الدين بالطبقة الحاكمة وأن يظهروه أداة للظلم والاستعباد .


سلاماً ... سلاماً يا وطن الخمر والعواهر والاسنان المسوسة ......
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04144 seconds with 11 queries