الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 23/07/2007   #359
صبيّة و ست الصبايا elinde
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ elinde
elinde is offline
 
نورنا ب:
Jul 2007
مشاركات:
526

افتراضي


وعلى اثرها نشر في "سوريا-نيوز قصة
بقيت يومين وتم حذفها بعد طوفان كامل
من النقد والانتقاد وكاد الموقع يحجب اثر ذلك

حكاية غير مختَلَقة

قصة بقلم
غيورغي فاسيلييف

عزمتني بنت سورية، تعرفت عليها بالصدفة، حينما تهت في احد شوارع الشام، وكنت عندها ابحث عن المركز الثقافي الفرنسي. وصدف ان سألت شابا، وكما تبين لي فيما بعد انه دلني خطأ قصدا وعمدا. وصلت الى المكان الذي دلني عليه الشاب، ولكني لم اجد المركز الثقافي، بل وجدت نفسي في حي من احياء دمشق القديمة المعتمة الضيقة، وكأنها ترعة عميقة جدا لساقية ماء جف مجراها. بيوت مرصوفة على حافتي ترعة، على خط و نسق واحدين، لاتزورها الشمس.
سابقا كنت اظنها شوارع جميلة، اما الآن ... ربما لست محقة، وفيما بعد فهمت اني محقة، وغير محقة في نفس الوقت.
وتهت هناك ايضا، وبدأ بعض الشباب بالتحرش بي، ولكنني طلبت من امرأة عجوز، وجهها بدا لي كقشرة شجرة صنوبر هرمة في ضواحي باريس، عرفت كل الأوقات، والأزمان والفصول، وكل الأنواء والأجواء. وكل هذا ترك على وجهها بصماته تعبيرا ان هذا أوذاك كان هنا، كما يفعل كل المحبين، اذ يتركون ذكرى يحفرونها على جذع شجرة. طلبت منها وبلغة عربية مقبولة مساعدتي في الخروج من ذلك الحي، وان كانت تعرف عنوان المركز الثقافي، واعطيتها ورقة مكتوب عليها عنوان المركز، لكنها اجابتني بأنها لا تقرأ ولا تكتب، وطلبت مني ان اقرأ لها العنوان، فقرأته لها، وقالت ان العنوان المطلوب في حي آخر وفي الجهة المقابله، وقالت انها ستساعدني بكل سرور ودعتني للذهاب معها، وما ان مشينا بضع خطوات حتى رأيت ذلك الشاب الذي دلني خطأ، ونظر الي بعنين جائعتين واستقرت عيناه على صدري، وفيما بعد على ساقي والمنطقة الواقعة عند انفراج الساقين؛ على فكرة، انا فتاة فرنسية شقراء، عيوني زرقاء، وممتلئة قليلا، لست نحيفة ولست سمينة، أقرب الى النحافة منها الى السمنة، حتى في فرنسا كل زملائي واولاد حارتنا كانوا يتوددون الي، وكانوا ويطلبون صحبتي وحبي و... وبالنسبة للناطقين بالعربية هنا في فرنسا فقد كنت مثل كنيسة لايجوز المرور من امامها الا وترسم علامة الصليب، والفرق هنا انهم كانوا بنهم يصلوبني انا على صليب رغباتهم المكبوتة!
وهنا في الشام احس عيون الناس تلاحقني مثل ظلي، حتى بدا لي ان لعيون الناس ايدي، ولهذه الأيدي اظافر تنغرز بإحكام في تلك المناطق المقدسة المحرمة من جسدي، ولااعرف لماذا لايستطيع احد من الرجال ان يتكلم معي بهدوء. وحين استفسر عن شيء يبلع الرجال ريقهم وكأنهم على شفا الاختناق وتبدأ تفاحة آدم بالصعود والهبوط كما طيارات الورق التي كنت العب بها في طفولتي.
وهنا قلت للعجوز ان ذلك الشاب هو الذي دلني على هذا الحي، عندما رجوته ان يدلني على المركز الثقافي. نظرت العجوز اليه وقالت: "أللا (الله) يلعن اولاد الحرام!، يلا يا بنتي مشي ولا تتطلعي فيه، من وين انت، بيخطرلي انك غريبي (غريبة)، مو هيك؟" فقلت لها أني فرنسية، واني ادرس اللغة العربية في المعهد، وانني جئت الى الشام فقط منذ اسبوع، وان اسمي ماري. فقالت: " اهلين و سهلين يا بنتي ببلدنا، تأدس (تقدس) اسمك يابنتي، وسامحيني يا بنتي، وسامحي هالشباب الضايعين، اللا (الله) يهديون"!
ومشينا بضع دقائق، ولاحظت انها تمشي بصعوبة، وطلبت منها ان تدلني كيف اذهب الى هناك، واني استطيع الذهاب ولا داعي لتغليبها معي. قالت :" يا بنتي انا رح وصّْلِكْ ل راس الشارع، وبعدين من هنيكي بْدِلِّك"! وما ان وصلنا الى رأس الشارع حتى اوقفت العجوز فتاة لا تعرفها – كانت محجبة، وجهها مفتوح، وجميلة ولها ابتسامة جذابة تجعل المرء يعتقد انه يعرف هذا الفتاة منذ قرون وقرون. انتقتها من عدة فتيات كن ماشيات هناك وقالت لها:"مرحبا يا بنتي، اللا يرضى عليك و يخليك ل أهلك، هالبنت غريبي، وَصْلِيَّا للمركز الافرنسي، إي يا بنتي؟ اللا يخليك!" وأجابت الفتاة بعد ان نظرت الي وبعد ذلك الى العجوز : "ولو ياستي من عيني وراسي، شو اسمك – توجهت الي بالسؤال، فقلت ماري-، اهلا ماري! اسمي ياسمين، انت فرنسية؟ – فقلت نعم، وتبادلنا نظرات قصيرة، لكن معبرة، وفهمت اننا تفاهمنا، ولأول مرة، فكرت، هنا في سورية اجد تطابقا بين اسم ودلالته، وفعلا كانت كانت تشبه الياسمين!". قالت العجوز: "روحي يابنتي، اللا يخليكِ لَأَهلك، ويبعتلك ابن الحلال!"
شكرت العجوز على كل شيء، واردت الذهاب برفقة ياسمين، لكن المرأة استوقفتني وقالت لي :"يابنتي انت غريبي، واولاد الحرام كتار، والبنت متل الوردة، بْتِطَلَّعي فِيَّا حلوي، بْتِلْمسيَّا بتدْبُل وبتموت، ديري بالك على حالك، بجاه النبي يحيا ويعقوب ومحمد! اللا يحميك، ويرجعك لأهلك سالمي (سالمه)"! مرة اخرى شكرتها وذهبت مع ياسمين، التي ودعت رفيقاتها واتفقن على اللقاء غدا في الجامعة.
مشت ماري وياسمين عدة خطوات صامتتين، وقطعت ماري هذا الصمت وسألت: "في اي كلية انت تدرسين"؟
"في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، اجابت ياسمين، في السنة الثالثة، وانت"؟ سألت ياسمين.
"انا في السنة الرابعة في السوربون، قسم اللغة العربية"، قالت ماري.
ياسمين: "لغتك العربية جيدة جدا، وماذا تفعلين هنا في دمشق؟"
ماري: "ارسلتني الجامعة في دورة تدريبية وتعليمية لمدة سنة".
ياسمين: "جامعاتكم مدهشة والتعليم عندكم مدهش، يرسلون الطلاب في دورات لغوية، الى بلدان اللغات التي يدرسوها، هذا شيء لايصدق، كالحلم، وهل ابوك او اخوك او اقرباؤك ساعدوك في الحصول على امكانية السفر الى هنا؟"
ماري: "انا لاافهم، وما دخل اقاربي بسفري؟"
ياسمين: "انا عنيت ان المرء عندنا لكي يحصل حتى على جواز سفر، فكيف بالسفر اذن؟ يحتاج الى معارف وفيتامين (و)، وحتى فيتامين (م، أو، ف)!
ماري: "انا ايضا لا افهم، ما علاقة الفيتامينات بالسفر وبجواز السفر؟"
ياسمين: "فيتامين (و) يعني الواسطه أو الوساطة، يعني يجب ان يكون هناك شخص نافذ في الحكومة لكي يساعدك في الحصول على ماتريدين، وفيتامين (م او ف)، يعني ان يكون معك او ان تدبري مصاري او فلوس، وبها يمكنك حتى ان تفعلي كل كل شيء".
ماري: "حقا، عش قرنا ، ادرسْ قرنا"، هذه اول مرة اسمع فيها بحياتي عن مثل هذه الفيتامينات، والبروتينات، ... وليس عندي اطلاقا معارف او نافذون في الحكومة، لقد كتبت طلبا، درسته الجامعة في فترة شهر، وقررت ارسالي لمدة سنة الى جامعة دمشق، الى معهد تدريس اللغة العربية للأجانب، وهذا كل شيء".
ياسمين: "انتم متخلفون جدا في اوربا، كل شيء عندكم يجري ببساطة، أما عندنا فالأمور امتع، وابهى، ولكي تحقق شيئا، يجب ان تدفع الغالي والرخيص من أجله، واحيانا تموت ولا تحقق أي شيء، فمثلا، ينهي الطالب عندنا الدراسة، فلكي يجد عملا، يجب ان يكون لديه مال، ليدفع رشاوى لهذا او ذاك، ولكي يكون عنده مال، يجب ان يكون لديه عمل، ويجب ان يكون لديه دخل. والعمل عندنا لايعطي دخلا، ولايسمح للناس حتى بحفظ ماء الوجه! عندنا يدرس المرء 12 سنة في المدرسة، واربع او خمس سنوات في الجامعة، ليجد نفسه عاطلا عن العمل. وحتى من هو موظف هو ايضا عاطل، لكن براتب! في العمل عندنا يشتغلون ببعضهم البعض، يغتابون هذا او تلك، يشربون الشاي ، ويأكلون الفول بالزيت، او المْسَبَّحا (المسبحة) بالزيت؛ حتى ان سورية اصبحت تعطل يومين في الأسبوع، بدلا من يوم واحد، هل تعلمين كم وفرت الدولة من النقود؟ ملايين، فقط من توفير الطاقة الكهربائية التي كانت تصرف لغلي الشاي والقهوه والمته!! لو كنت مكان الدولة لدفعت للموظفين رواتبهم، وليغلوا ويطبخوا وينفخوا في بيوتهم، لوفرت الدولة المليارات"!
ماري فهمت الكثير مما قيل ولكن كان هناك كثرة الاستعمال كلمة "شيء" وكلمات اخرى لم تفهمها. اما ياسمين فهي طيبة جدا ومثلها مثل كل السوريين يفتحون قلوبهم لكل اوربي او امريكي شاكين تعاسة الحياة ومن كل شيء! سيما وان السوريون يخافون من الحيطان، لانه يمكن ان يكون لها آذان تسمع وتنقل ما يقال ومايسمع الى من يعنيه الأمر، الى المخابرات التي اصبحت ثاني اثنين، تدخل كشريك بين القشرة والبصلة، وبين الفراش واللحاف، وبين الجورب ولحم الساق. حتى ان عزرائيل استقال من عمله بعد ان اخذت المخابرات السورية دوره على عاتقها.
وسرعان ما وصلتا الى المركز الثقافي، حتى انهما وقفتا بعض الشيء امامه لاكمال ذلك الحديث، وطلبت ياسمين من ماري زيارتها في المدينة الجامعية في منطقة المزة، بعد ان اعطتها العنوان وبعد ان وعدتها بمساعدتها في فهم وامتلاك ناصية اللغة العربية، وشكرت كل منهما الأخرى وافترقتا على امل اللقاء بعد يومين في المدينة الجامعية عند ياسمين في الوحدة (n)، الطابق (b)، الغرفة رقم (d)، أي يوم الأربعاء.
 
 
Page generated in 0.08797 seconds with 11 queries