الموضوع: هيفاء بيطار
عرض مشاركة واحدة
قديم 11/12/2007   #34
شب و شيخ الشباب Moonlights
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Moonlights
Moonlights is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
فوق جبل بعييييييد
مشاركات:
263

افتراضي حوار إنساني / هيفاء بيطار


-الأول, يتنهد بارتياح : الحمد لله أرضيت ضميري.
-الثاني, يتنهد بحرقة : يا إلهي كيف سأتدبر أموري؟
-الأول : أمّنت مستقبل أولادي الخمسة, كتبت باسم كل واحد منهم ثلاث شقق وأربعة مخازن.
-الثاني : أولادي الخمسة يطلون على هاوية الفقر يكادون يسقطون فيها ولا أملك وسيلة لإنقاذهم.
-الأول : تركتُ لي ولزوجتي ثروة كبيرة, كي نضمن لأنفسنا حياة كريمة, أتعرف يا أخي, أكبر خطأ أن تعطي كل شيء لأولادك, مهما أحبوك, هناك خطر الطمع, ابن الإنسان طمّاع, لو أعطيتهم ثروتي كلها لوضعتُ نفسي في خانة الشحاذين, سيشعرون أنهم يخدمونني من أموالهم, ناسين أو متناسين أن المال مالي, >> يضحك متأملاً الوجه المتغضن بتجاعيد الألم مقابله, لكنه لا يرى فيه سوى نفسه, يقول مقهقهاً<< : تصوّر أنهم يعاملونني الآن بقدسية, يقبّلون يدي أتعرف لماذا؟ لأنني أملك ثروة لم أوزعها عليهم بعد.
-الثاني : قلبي أعزل, جيوبي خاوية, لا أملك أن أقدم لهم شيئاً, لا أقدر حتى على مواساتهم, ثلاثة منهم يبحثون على وظيفة دون جدوى, رغم أنهم خريجو الجامعات, ابنتي الصغرى مطلّقة اضطرتها الظروف للعمل خادمة في البيوت كي تعيل صغيريها.
عادت إلينا مكسورة مُهانة, الكلب زوجها حلم أن يقفز فوق الفقر, تاجر في الممنوعات فزجّوه في السجن, والله كنتُ أقاوم أن أسقط في خرافات السعد والنحس, لكني الآن أحس أنني منحوس فعلاً, فابنتي الصغرى أحب أولادي..
-قاطعه الأول : عذراً على مقاطعتك, لكنك ذكرتني بابنتي الصغرى, فمنذ شهرين كان زفافها حيث المدينة كلها, استوردنا الفاكهة من إفريقيا والزهور من إسبانيا, يـاه! لو رأيت هذه الزهور تحس أنك لم ترَ أزهاراً من قبل, هل تتخيل زهوراً زرقاء لمّاعة؟
تصور كريستيان ديور صمم لها فستان العرس, لا تسأل عن الكلفة؟ يكفي أن تعرف أنه مرصع بألف حبة لؤلؤ! أما العريس – لعق شفتيه وبرقت عيناه كذئب يتحلب على فريسته – فكامل الأوصاف, عريس لقطة كما يقولون : جمال وعلم ونسب عريق وثروة لا تأكلها النيران, يـاه لو حضرت حفل الزفاف, صوّرته ثلاث مجلات, شهق الحضور حين قدّم العريس لزوجته هدية واحدة فقط, موضوعة في علبة من المخمل الأسود, أتعرف ما الهدية؟ شمس ساطعة, ألماسة بحجم حبة الخوخ, قال إن الذهب صار شعبياً, ولا يرضى أن يقدمه لزوجته فقيمتها الألماس.
-الثاني : يتنهد كأنه يشحذ الهواء كي يسعفه بحفنة أوكسجين : الذهب, لقد نسيته فقد بعت خاتم زفافي وخاتم زوجتي, حتى الأقراط الصغيرة لحفيدتي بعتها كي نشتري للصغيرين ثياب المدرسة هل تتخيل مقدار البؤس الذي أحسه حين يكون سعر حذاء الطفل يعادل راتبي التقاعدي! أتعرف كل ما أخشاه أن أمرض, الآن ورغم القهر والذل كليهما لم يصيبني المرض لشدة ما أخشى زيارة طبيب أو دخول مستشفى.
ماذا سيحل بي؟ يبتسم كاشفاً عن أسنان مهترئة ولثة متورمة تكفيني عاهة الفقر, أما الجسد فيقاوم ويتحمل كما يبدو.
-الأول : ذكّرتني بالصحة, كل سنة أسافر إلى لندن, وأدخل مشفى شهيراً يعمل فيه ألمع الأطباء أقضي فيه أسبوعاً يجرون لي التحاليل الطبية كلها لأطمئن على صحّتي, تصور أن أحد الأطباء اكتشف أو وحمة في كتفي الأيسر ازداد حجمها قليلاً عن السنة الماضية, فاستأصلها وأرسلها للتشريح المجهري, أتعرف أنها كانت بداية سرطان, قال لي بأنني لو أهملت الفحص الدوري لكان السرطان انتشر في جلدي, يضحك منتشياً ويتابع: أتعرف المال يتحدى السرطان لو كنت فقيراً لما تنبهت أصلاً لهذه الوحمة فالفقر يعمي, كنت سأموت دون أن أشعر كيف بدأ السرطان وانتشر.
-الثاني : يطرق كما يقاوم ألماً كاوياً في صدره : زوجتي المسكينة بتروا لها ثديها لأنها أصيبت بسرطان الثدي, اعترفت لي بأنها أحست بكتلة في ثديها الأيمن, لكنها خشيت أن تصارحني لأنها تعرف أنها ستكلفني مالاً فنحن لا نملك أكثر من ثمن رغيف الخبز ونحس أن مراجعة الطبيب ترف لا نستحقه, طبيبنا الوحيد هو الله هذا ما قالته لي قبل أن ترتاح من عذاب هذه الدنيا وتسلم الروح.
-الأول : رحمها الله ماذا أحدثك عن زوجتي إنها تستدعي عشرة أطباء إذا اكتشفت أن شعرها يتساقط أكثر من معدله الطبيعي, صدقني يا أخي إنها امرأة مصابة بالوسواس تصور أنني كثيراً ما استيقظ على صوت بكائها اسألها : ما بك يا امرأة؟ تقول لي وفرائصها تتقصف رعباً بأنها تخشى الموت, لا أخفيك سراً عرضتها على أشهر الاختصاصيين النفسانيين قالوا لي إن الأثرياء جداً معرضون للإصابة بمرض اسمه الخوف من الموت, ‘ذ يشعرون أن أموالهم كلها لن تحميهم من الموت, هذا ما يقض مضجعها ويعذبها عذاباً شرساً لا يرحمها لكني عوّضت لنفسي بعشيقات رائعات, أنسى معهن مأساة زوجتي التي تعاني رهاب الموت يضحك فيرتج كرشه ويتابع قائلاً: عشيقتي هذه الأيام أجمل فتاة في المدينة عمرها خمسة وعشرون عاماً محامية ناشئة, بيننا تواطؤ رائع, أهديت لها مكتباً فخماً مقابل أن تقدم جسدها.
عجز الثاني عن تخيل فتاة جميلة في حضن هذا العجوز المقرف الذي ينثر لعابه وهو يتكلم والذي تساقطت أشعار أهدابه وحاجبيه حاول تخيل هذا الفم الكريه برائحته المقززة يقبل فم الشابة؟ عجباً كيف تستطيع؟ أجابه عقله بكلمة واحدة: المال. سأله: وأولادك هل يعرفون أن لديك عشيقات؟
ضحك الأول طويلاً قائلاً: فرخ البط عوام, وهم أيضاً لديهم عشيقات, ابني البكر يصرف الملايين على عشيقاته.
فكر الثاني أن الفقر كان سبباُ في موت زوجته, وسبباُ في منعه من الزواج ثانية, فالفقر نفاه عن عالم المرأة, لسعته صورة أحسها كحرق, تذكر أن ابنته الصغرى تعمل خادمة في البيوت وبأنها أخذت في الفترة الأخيرة تبالغ بالعناية بشكلها وأنها تحضر أغراضاً لطفليها غالية الثمن, حدّق في جليسه وسأله بعينيه: أيعقل أن تكون ابنتي عشيقتك؟ أحس أن الآخر فهم سؤاله ورد عليه بنظرة متحدية واثقة: النساء كلهن قابلات للشراء.
استمر حوار العيون قال الثاني بصوت أخرس وعينين حزينتين: لكن ابنتي شريفة, لوى الأول شفتيه متشككاً: خادمة شابة وجميلة مطلقة ومحرومة ما معنى الشرف هنا؟
-اخرس إنها شريفة لأنها ابنة ناس شرفاء, لأنها تشبعت بالمثل والأخلاق.
يسأله الثاني بصوت مرتعش: هل سبق أن كان لديك عشيقة خادمة؟
يحك الأول صلعته متذكراً: الخادمات إنهن شريحة بائسة يكتفين بالطعام والثياب لقد عرفت الكثير من الخادمات.
أخذ قلب الثاني يخفق بعنف, سأل وهو يشعر أن لسانه يلتصق سقف حلقه: هل كن متزوجات؟
أجاب الأول : البعض منهن متزوجات لكن أغلبهن مطلقات ولديهن أطفال جياع تصور يا أخي إحداهن كانت تهبني جسدها مقابل ثمن ثلاث فراريج سميتها في سري أم ثلاثة فراريج.
تيبس الثاني في مقعده وقد أحرقته صورة ابنته تحمل كيساً فيه ثلاثة فراريج, أحس أن الهواء لم يعد يصل إلى رئتيه ثمة عائق ما, كان يختنق لم يعد قادراً على الكلام, قام مترنحاً يستأذن ببرطمة غير مفهومة, سأله الأول: ما بك يا أخي, ابق لنتابع حديثنا المسلي, بجهد قال الثاني : آسف أنا متعب.
ضحك الأول قائلاً : طوال عمرك تنسحب متعللاً بالتعب مذ كنا صغاراً في الابتدائية ترى ما سر تعبك؟
الثاني منصرفاً: لا اعرف.
كانت صور ابنته تحرقه وخياله يسوطه بصورها عارية في حضن الكهل وعلى الطاولة ثلاثة فراريج مذبوحة ما تزال ساخنة والدم يسيل من عنقها, تحسس عنقه لزجاً كدم أبيض تناهى لسمعه صوت زنخ اقشعر جسده حين سمعه: ابق تعال تعال من وقت لآخر لنتساير ونتحدث حديثاً إنسانياُ.
هيفاء بيطار

We ask the Syrian government to stop banning Akhawia and all Syrian sites

القمر بيضوّي عالناس
والناس بيتقاتلوا .
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.22090 seconds with 11 queries