عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2008   #63
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


وداعاً ريتشارد



استقال ريتشارد بيرل. خرج متسربلاً بالفضيحة. ربما يكون غادر قبل أن تتم المساءلة الفعلية. حصل معه ما حصل لعدد من المبشّرين الأصوليين الأميركيين الذين كانوا يتظاهرون بالهذيان لحظة اتصالهم بالرب، ويرتجفون، ويتصبّبون عرقاً، في حين تمتد أيديهم إلى جيوب المشدوهين بأدائهم بهدف... السرقة. لقد قدّم الرجل نفسه بصفته إيديولوجياً لا تحرّكه سوى الأفكار والمعتقدات. وأمضى حياته ينظّم الحملات ويقودها، ويقيم الشبكات ويفعّلها، ويتظاهر أنه يفعل ذلك عن غيرية لا مثيل لها.
لم يتردد في تسليط الأضواء على نفسه. كان يدلي، يومياً، بتصريح أو موقف يسقط فيه بلداً باسم تحريره. اعتبر نفسه، لسبب ما، محمياً. غير أن قدراً بسيطاً من التنقيب في حياته كشف عن انتهازية استثنائية. ليس بيرل سوى سمسار صغير يستغل موقعه الاستشاري في وزارة الدفاع الأميركية من أجل تدبير صفقات والحصول على عمولات وذلك في سياق الولاء الأعمى لليمين الإسرائيلي والإصرار على تماهي المصالح بينه وبين الولايات المتحدة.
ادعى في بداية »غلوبال غيت« أنه لم يقرأ تفاصيل الالتزامات الواقعة عليه في موقعه المسؤول. ولكنه تصرف على طريقة »المريب الذي يقول خذوني« عندما تبرْع بأموال لصالح عائلات الضحايا من الجنود الأميركيين في حرب العراق. الجنود الذين شجع على إرسالهم للموت هناك.
يمكن، لما تقدم، أن يكون قراءة في دواعي استقالة بيرل التي سبّبت حزناً شديداً لدونالد رامسفيلد. فلقد نشأ تعارض مصالح، وشرعت الصحافة تهتم، وبدأ نواب يطرحون أسئلة فكان لا بد من تطويق الهجوم المحتمل بهروب سريع. غير أن هذه القراءة تتناول مستوى واحداً من مستويات الحدث. ففي المجلس الاستشاري الذي يترأسه بيرل عشرة من أصل ثلاثين لهم
(تتمة المنشور ص 1)
علاقات خاصة بشركات السلاح التي تعقد صفقات بعشرات مليارات الدولارات مع البنتاغون. واللافت أن هؤلاء يشتركون جميعاً في »ميزة« أخرى.
إن هذا هو المستوى الثاني للحدث.
الضجة حول بيرل مثارة منذ أسابيع. دفع بها الصحافي سيمور هيرش إلى الأمام في تحقيق في »نيويوركر« نشرته »السفير«. وقد رد المتهم قائلاً إن هيرش »إرهابي«. فما الذي تغيّر اليوم؟
إن ما تغيّر اليوم هو الإطار العام للحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العرب والعالم في العراق. فالملاحظ أن أصواتاً كثيرة بدأت ترتفع تكشف الأوهام التي جرى ترويجها لتسويق الحرب. لقد قيل إنها ستكون سهلة، سريعة، حاسمة، نظيفة، مثمرة. وإذا بها صعبة، بطيئة، مفتوحة، وسخة، وغير مثمرة.
إن بيرل هو أحد أبرز دعاة »الحرب الاختيارية«... لأنها حرب سهلة. لقد روّج لنظرية أن العراقيين كلهم سيرقصون في الشوارع احتفاءً بقدوم الغزاة. وساجل ضد الذهاب إلى الأمم المتحدة داعياً إلى التعويض عن المجموعة الدولية بأحمد الجلبي وكنعان مكية. وسخر، حتى، من فكرة تحالف »لا ندري من داخله، ومن خارجه، ومن أين الحصول على بطاقة عضوية فيه«.
لم يكن وحده مصراً على هذه الفرضية (تحرير العراق وإعادة هيكلة الشرق الأوسط والعالم بقليل من الجهد وبمعاونة معارضة عراقية متأمركة متأسرلة ذات نفوذ »هائل« في بلادها). إنه، في هذا المجال، جزء من تيار له ممثلون أقوياء في الإدارة (ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، بول وولفويتز، جون بولتون، الخ...). ولقد صاغ صديقه كينيث ادلمان، وزميله في المجلس الاستشاري، هذه الفرضية بكلمات بسيطة: »ستكون الحرب لطرد صدام حسين نزهة. لماذا؟ 1) لأنها كانت نزهة في السابق، 2) لأنهم باتوا أضعف. 3) لأننا بتنا أقوى، 4) لأننا نعمل للسيطرة إلى الأبد«. ويكرّر ادلمان قبل أيام أن »حساب الأرباح والخسائر« لا يزال ميالاً لصالح الحرب.
يكتشف الأميركيون والبريطانيون هذه الأيام أن الأمور ليست كما قيل لهم. ويطفو إلى السطح سؤال مقموع عن »اختطاف السياسة الخارجية الأميركية«. والواضح أن »حزب الحرب« يخوض معركة صعبة حتى يتهرّب من الاتهامات الموجهة إليه بأنه استعجلها واستسهلها.
فوليام كريستول، مثلاً، شرع يروّج لضرورة »التسامح مع طول الحرب« لا »التسامح مع الهزيمة« مضيفاً أن المطلوب زيادة العنف »حتى لا يصدق أحد أن أميركا ضعيفة«. وزاد عليه مايكل ليدين بأن »حجم الأضرار أمر ثانوي. فالأميركيون، حسب الدراسات الأكاديمية، شعب يحب الحرب ويكره الخسارة«. ولقد ارتاح هذا »الحزب« إلى التحول في لهجة جورج بوش وطوني بلير وكبار القادة العسكريين. لقد بات في وسع المعارك أن تستمر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة: الانتصار.
لقد دفع ريتشارد بيرل ثمن هذا التحول في اللهجة. إنه أول رأس سياسي يسقط لأنه نظّر لغير ما وقع فعلاً. وليس من المستبعد أن تكون تمت التضحية به أمام ضغط العسكريين المحترفين الذين يتهمون »عقائديين« بالتدخل الفظ في صياغة الخطة القتالية. فلقد انبنت هذه كلها على أساس أن الشعب العراقي أولاً، والشعوب العربية تالياً، تنظر إلى الأميركيين كقوة تحرير لا قوة احتلال، وأنها، »تحب شارون وتكره عمرو موسى« خلافاً لأغنية راجت تجمع بين الابتذال والتقاط الحس الشعبي.
المستوى الثاني المتحكّم بأي قراءة لاستقالة بيرل هو، إذاً، الإعلان عن فشل التقدير السياسي الكامن وراء الخطة العسكرية.
غير أن هناك مستوى ثالثاً.
لقد نُظر إلى معركة العراق بصفتها جزءاً من حملة أوسع تطال الشرق الأوسط كله والعالم.
قبل أيام التقى في »معهد أنتربرايز« المحافظ ثلاثة محاضرين: ريتشارد بيرل، مايكل ليدين، وجيمس وولسي (المدير السابق للمخابرات المركزية وأحد أبرز الصقور في واشنطن). تبارى الثلاثة في وصف الشرق الأوسط الجديد، وفي وصف العلاقات الدولية الجديدة، وفي تحديد مصير أوروبا، ومجلس الأمن، الخ... ولقد نهض البناء كله على أن الحرب ستكون منتهية في أيام، وعلى أن واجب الولايات المتحدة هو تحديد الوعاء الذي سيعيد تشكيل الميوعة العالمية. وتميّز ليدين، بين الثلاثة، بأنه دعا، استناداً إلى التجربة العراقية، إلى ضرورة الإسراع في مواجهة سوريا، وإيران، والسعودية، وغيرها. ففي رأيه أن العراق هو موقعة في حملة تتجاوزه كثيراً...
إن في استقالة أحد الثلاثة، بيرل، ما يؤشر أيضاً إلى أن الارتطام بالواقع يفترض به أن يقود إلى قدر من التواضع. فهذه الاستقالة، وبغض النظر عن سببها المباشر، الانتفاع الشخصي، تؤشر إلى أن المقاومة تؤتي ثماراً. لقد أدت، حتى الآن، إلى إدخال تعديلات على الخطة العسكرية ولكنها، في الوقت نفسه، ألمحت إلى إمكان إحباط الخطة السياسية.
* * *
ملاحظة: ليست هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها ريتشارد بيرل من دوائر صنع القرار في واشنطن. إن »أمير الظلمات« قادر، باستمرار، على العودة والإيذاء ثم إن الباقين في مواقع السلطة ليسوا أفضل منه. هل نقول له »وداعاً« أم »إلى اللقاء«؟

29/3/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04580 seconds with 11 queries