عرض مشاركة واحدة
قديم 03/10/2008   #8
شب و شيخ الشباب مأمون التلب
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ مأمون التلب
مأمون التلب is offline
 
نورنا ب:
Jul 2008
مشاركات:
8

افتراضي


العزيزة اسبيرانزا
تحية طيبة، مرة أخرى، وشكراً على الكتاب، سأطالعه وربما أتقدم بأفكار حول هذا الكتاب.
هنا ورقة قدّمتها بمركز الدراسات السودانية خلال هذا الشهر، حول الكتابة الحالية في السودان. أرجو أن تكون مُفيدة.

ما بعد المادّة
مراجعات لدراسات حول الكتابة الحالية في السودان
مأمون التّلب

مُقدّمة:
مالذي أعنيه بـ(ما بعد المادّة) في هذه الكتابة القاصرة؟، هل أعني (ميتافيزيكس)، الخرافي، اللامرئيّ؟، بالتأكيد لا، ولكنه اشتقاقٌ للمعنى من كل ما ذكرت، كما تُشتقُّ أفعالٌ من كلماتٍ بغرضٍ خبيثٍ هو تحوير معناها بوضعها بجانب مشتقاتٍ أخرى ربما تنسف قيمة المعنى في الكلمة المُستَغلّة، هذا هو، باختصار، الوجه العام للكتابة الحالية في السودان، والذي يمكن أن يُذكر.
أبتعد عن مصطلحات (جيل، جديد، شباب...إلخ) بسبب العداء الذي أُكنّه لهذه الكلمات الزمانية، _رغماً عن التناقض الواضح لوجودي هنا في هذه الندوة، واستخدامي لكلمة "الحالي"_ العداء الذي طرحته في العديد من الكتابات المنشورة في الصحف، وفي أماكن أخرى بالطبع، كاللسان!. وهذه الكتابة ستكون عن قضايا عامّة تواجه الكاتب اليوم، إضافةً لتجميعات من بعض ما كتبت في الفترة السابقة حول هذه الكتابات، والذي أجده قاصراً حتّى بعد فزلكته هنا في هذه الورقة، كما أنني تخلّيت عن بعض الآراء السابقة نسبةً للتطورات التي تحدث، يومياً، في ما أقرأ من كتاباتٍ لم ولن تُنشر في الصحف والملاحق الثقافية، هذه التطورات اليومية هي التي تنسف (اليوم)، أي الزمان، وتُخرج هؤلاء الكتاب من عباءة الشباب والجدّة؛ وحتى التجديد. وبمناسبة التجديد، دعوني أفتتح هذه الورقة بمقطعٍ محببٍّ إلى نفسي للكاتب الفرنسي جان جنيه، يقول:
(لا أفهم جيداً ما يدعى، في الفن، بِمُجَدِّد. هل يعني ذلك أن عملاً فنياً يتحتم أن تفهمه الأجيال المقبلة؟ لكن لماذا؟ وعلام سيدلُّ ذلك؟ هل يعني أن تلك الأجيال ستستطيع أن تستعمله؟ في أيّ شيء؟، لا أتبين من ذلك.. إلا أنني أتبين بوضوح أفضل _وإن كان ما يزال جد غامض_ أن كل عمل فني، إذا أراد أن يدرك التناسب الأكثر فخامة، فإن عليه، من خلال صبر ومثابرة لا محدودين ومنذ لحظات تشييده، أن ينزل إلى آلاف السنين، وأن يلتحق، إذا كان ممكناً، بالليلة العريقة في القدم الممتلئة بالموتى الذين سيتعرَّفون على أنفسهم في هذا العمل الفنيّ) (1).

غامض
أن (ينزل!) إلى آلاف السنين، يعني أن لا يكون شاباً، جيلاً، أن لا يمثّل "نحنٌ" ما، يعني أن يصغر بسنّه ويتجاوز ولادته ويسقط في كهولةٍ ما ليصغر منها ويكون شابّاً ويعود طفلاً ويسقط من رحمٍ... وهكذا دواليك. كل هذه المراحل ليست إلا لحظات؛ لحظات تأملٍ يوميٍّ مثابرٍ وصابرٍ، قراءةٍ ومراقبة ما يتفوّه به الأصدقاء والانتباه للشعرية الكامنة في عناوين الأخبار الفجّة واستخلاصها بعملياتٍ جراحيّةٍ لا محدودة لأجل المتعة فقط. المتعة هي خلاص الكاتب من مضايقات الواقع، المعروف باسم الحياة، ستمنحه القدرة على تجاهل التجريح المتعمّد من قبل البشر وغير المتعمّد؛ كظروف نشر، نهب حقوق، سخرية سياسيين أو شلّة شبابٍ يجلسون القرفصاء في "الجنّة"، أعني جنة النيل القريبة من أسوار جامعة الخرطوم بالتأكيد. قال جينيه: (أن يلتحق)، إنه يلتحق بالماضي وليس بالمستقبل. وكلمة "غامض"، التي تخفّت داخل مقطع جان جنيه كجملة اعتراضية، هي الكلمة المحورية في ما قاله، على حسب اعتقادي، وللأسف هي ذات الكلمة التي يعتقد بعض النقاد، هنا في السودان، أنها الأمثل للتمثيل بأجساد الشعر الحية (المنشورة) في الصحف والكتب، ولا أزيد. لأنني أودّ أن أتحدث عن قضايا حول الشعر الحالي الذي لا أعتقد أنه، باستطاعتي، أن أتحدث عن محتواه بشكلٍ عام، لأنهم يتفلّتون من يدي كلما فكرت في كتابةِ أحدهم وتناقضها، صراعها وتجريحها لكتابة الآخر؛ رفضها بالأحرى لما يكوَّن كتابة آخرين، لأنهم انتبهو لبعض النقاط الجوهرية، أهمها زيف القاموس اللغوي السياسي المطروح على الساحة كسفينةٍ على يابسة، لقد لاحظوا، تحديداً، أن لا بحر أسفل هذه السفينة!، ما دفعهم إلى الضحك والسخرية من هذا القاموس الذي يُصاب رُكاب سفينته بدوار البحر، على اليابسة.

سياسة
سخر العديد من الأشخاص عندما أوضحت سبب استقالتي من تنظيمٍ سياسيٍّ في الماضي، إذ كتبت أنني (أريد أن أكون كاتباً)؛ البعض الآخر وجد في الأمر لامنطقية مهولة إذ، وببداهة: يمكنك أن تكون كاتباً، ومنظّماً في ذات الوقت!. أعتقد أن في هذه الجملة بالذات تكمن الدونية البديهية، للأسف، التي ينظر بها السياسي للكاتب، والتي يخضع لها الكتاب أيضاً دون تدقيقٍ في محتوياتها، فالسياسي هنا يُحس بمركزيته التي تستطيع أن تستوعب الكل كفكرٍ يُمكن أن ينتمي إليه الفرد، وليس بإمكانه أن يفكّر بأن (الكتابة) ربما تكون انتماءاً كافياً وحياتياً للفرد. إنها ازدواجية، في رأيي، أن ينتمي فردٌ ما إلى منظومتين تختلفان في أساسهما عن بعضهما البعض، الكتابة تحوّلات واختلافات متواصلة مع الذات والعالم والآخرين والأفكار الأخرى، بينما الانتماء السياسي.. تعرفون.
كان ذلك في الماضي، الآن تغيّر كل شيء، العديد من كتاب اليوم كانوا محظوظين بوجود بعض الكتاب النّشطين في مجالات العمل الثقافي، والذين لم ينتموا سوى للكتابة كليّةً، فأخذت المشاريع الفاشلة تتوالى، وبالتأكيد، تنجح في لملمة شتات الكتاب. وأقول أنهم فشلوا في أن يصنعوا كياناً ما، بصورةٍ (طبيعية) لما ذكرته من اختلافاتٍ جذريةٍ بين كلّ فردٍ وآخر منهم، ولكنهم نجحوا في التخلّص، بتجمّعهم، من كوابيسٍ عديدةٍ وواهيةٍ وفجّة: القاموس السياسيّ الذي يهاجمهم بأشكالٍ عديدة، منذ (النكتة) والسخرية السطحية، مروراً بالونسة، النقاشات والحوارات، وصولاً للمقالات المنشورة، والتي تدور حول محورين، أو وصمتي عارٍ، أساسيَّتين: الأولى هي ابتعاد الكتابة عن الواقع وقضايا السياسة والمجتمع، والثانية هي الغموض. لن أناقش المحاور، لكن أشيرُ إلى تجاوز هؤلاء الكتاب لهذه القضايا الهامشيّة، وانشغالهم التّام بالانتاج والكتابة المستمرة والتفكير الخالص في الكتابة وقضاياها الداخلية، والتي لا شأن لها بأحد سوى بالكاتب نفسه.
بهذا انتبه الكتاب، أخيراً، إلى "خفّة" الرصيد الرمزي الممنوح لهم مقابل أن يضعوا أنفسهم كمعبّرين عن مجتمعٍ بأكلمه، أو تنظيمٍ سياسيّ، أو فكر؛ ناطقين باسمه، ومستعدّين أن يصمدوا (بالأصح يتجمّدوا) داخل منظوماته الأخلاقيّة والقيميّة التي تشبه، لحدٍّ بعيد، منظومات المجتمع بصورةٍ كبيرة. فالآن، نشهد (نشمت؟) في ساحة النقاش السيوف الموضوعة على أعناق شعراء كبار، رموز، لأنهم تراجعوا وتنازلوا عن مواقفهم السياسية والأخلاقية، حتّى وإن كانوا غير منظّمين سياسياً، لأن (أشكال المواقف، وأنواعها) وُضعت بتحالفٍ سريٍّ بين كافة تنظيمات المجتمع فيما بينها _وإن اختلفت وتناحرت_ والمجتمع نفسه.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04329 seconds with 11 queries