الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 31/08/2007   #503
شب و شيخ الشباب وائل 76
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ وائل 76
وائل 76 is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
Gaza Palestine
مشاركات:
2,210

افتراضي موعد .. " قصة قصيرة "


موعد ..



كجسد ذبيح يترنح من إثر طعنة عميقة .. تهاوى على سريره .. أحسّ بذلك الألم يتسرب في خلايا بدنه المتهالك .. وضع يده على قلبه الذي خال بأنه سيندفع من مكانه خارجا ..

حاول أن يغمض عينيه في محاولة يائسة للنسيان .. ما زال طيفها يلاحق نظراته حيثما استقرت .. رفع عينيه باتجاه سقف الغرفة الذي بدا له أكثر ارتفاعاً من ذي قبل ..
أرخى كفّه لتستقر فوق وجهه و أغمض بها عينيه عنوة .. حاول أن يزيل صورتها التي ارتسمت على جدار جفنيه في تقاطعات متداخلة أشعرته بدوار شديد ..

انتفض و نهض عن السرير .. لكن آثار الدوار كانت لا تزال تنهك قواه .. جلس و أطرق طويلا .. حاول أن يفكر بشيء يخرجه من حالة الهذيان التي باتت تلاحقه .. أراد أن يصرخ عاليا .. لكنه لم يستطع و كأن صخرة كبيرة كانت تسد حنجرته و تعيد صوته إلى أعماقه ..
اتكأ على حافة السرير .. ثم تنهد بعمق .. أحس فجأة بنسيم بارد يتغلغل في جسده .. نعم .. قال بصوت أقرب إلى الهمس .. منير هو الوحيد الذي سأجد لديه متنفساً من هذه الحال اللعينة ..

رفع سماعة الهاتف .. ضغط على أرقامه ببطء و لهفة لا تخلو من بعض الوجل .. شعر بدفء طفولي حميم عندما تهادى إليه صوت منير :
- ياه .. ما الذي ذكّرك بي يا عادل ..؟!
- أريد أن أراك في الحال .. أنا في حالة بالغة السوء ..
- حسناً و لكن ما الذي حدث لك .. ؟!
- لم يحدث لي شيء .. لكنها .. تزوَّجَت ..

* * *

سارا معاً صامتين .. ظلّ عادل واجماً يحدّق في الأفق الملبّد بالضباب والممتد أمامهما إلى ما لانهاية .. بينما كان منير شارداً مشغول الفكر لدرجة أحس معها عادل بأن منير لا يشعر بوجوده ..
حاول أن يكسر لحظات الصمت الرتيبة تلك .. قال بضيق :
- يبدو أن الضباب يلاحقني حيثما ذهبت .. أو أنه الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أجده في أي مكان ..
قال منير بهدوء :
- هو انعكاس لضباب عقولنا ليس إلا .. و حين فاضت به دواخلنا .. امتد ليطوقنا من الخارج أيضا ..

لم يعلّق عادل، فهو متعود على كلمات منير التي تصيب الهدف مباشرة و تنطلق دون عناء غير آبهة بما يعترض طريقها ..
التفت إليه منير أخيراً و قال :

- أما زلت تحبها ؟؟
- لم أكف عن حبها يوما ..
- هي لا تستحق ذلك .. فلماذا تجني على نفسك هكذا ؟!
- لا تكن قاسياً يا منير .. فهي كغيرها من الفتيات .. تحلم بحياة مستقرة هادئة .. حاول أن تلتمس لها عذرا ..
- أيّ عذر يجعلها ترفض رجلاً لمجرد أنه معرض للاعتقال أو الموت في أية لحظة ؟! .. ألسنا كلنا نعيش في سجون كبيرة و ننتظر آجالنا المكتوبة لنا منذ أن خُلقنا ..؟
- كن واقعياً يا منير .. لماذا أنت هكذا دائماً مغرق في مثاليتك التي لم يعد لها وجود على أرض الواقع ؟؟
- و هل الواقعية تقضي بأن تجعل من نفسك رهينة عاطفة كاذبة كهذه ؟!
- لم أكن أتوقع أنّ قلبك يحمل كل هذه القسوة ...
- ليست قسوة يا عادل .. لكنني أعطي قلبي من يستحقه .
- دعنا نغّير هذا الموضوع ..
- المهم أن تكون أنت قادراً على انتزاعه من تفكيرك ..
- لا أستطيع .. أنت لم تجرّب الحبّ ..
- من حسن حظي أني لم أجربه على طريقتك .. أتعلم يا عادل .. مشكلتنا جميعاً تكمن في أننا نقدس كلّ شيء نحبه حتى لو كان فيه هلاكنا ..
انظر أنت لنفسك مثلاً .. لقد تخليت لأجلها عن كل شيء .. مبادئك .. طبيعتك .. أصدقائك .. و كلّ الأمور التي عشت من أجلها .. قدمت كل ما من شأنه أن يقنعها بالزواج منك .. و ماذا كانت النتيجة ؟ تركتك و اختارت الرجل الذي تظن بأنه قادر على تحقيق حلمها بتلك الحياة التافهة التي تريدها ..

قال عادل متبرما :
- منير .. أردت رؤيتك لتخفف عني .. فلماذا تصرّ على تعذيبي .. ألا يكفي ..
قاطعه منير:
- تعرف جيداً بأنني لا أجيد المجاملة .. و الأهم من هذا أنك تعرف مقدار حبي لك و حرصي على مصلحتك .. و لهذا لا أحب أن أراك ضعيفاً .. معذباً و تائها .. يجب أن أفتح عينيك على الحقيقة التي تحاول أن تتجاهلها و تهرب منها متذرعاً بتلك المبررات السخيفة ..

أحس عادل بتلك الكلمات تتناثر في أنحاء روحه كقطرات حارقة .. لكنها مع ذلك كانت تزيل شيئاً فشيئاً جزءاً من ذلك الركام الذي طالما استوطن زوايا قلبه ..
كان دائماً يتساءل عن سرّ تلك العذوبة التي تقطر من نصل كلمات منير الجارحة و التي يجدها كالبلسم كلما خلا إلى نفسه ..

وجد نفسه يقول :
- ليتني أستطيع أن أكون مثلك يا منير ..
لم يعلّق منير .. كانت عيناه تبرقان بومضة غضب هادئة رسمت حول عينيه هالة جميلة من السكون الثائر فغدت جزءاً من ملامحه و نظراته ..

تابع عادل :
- انس الأمر يا صديقي .. لكن قل لي .. ما هي أخبارك أنت ؟؟
التفت إليه منير و قال :
- و هل تهمك أخباري كثيراً ؟؟
أجاب عادل بأسى :
- أنت تعلم بأنني لم أبتعد عنكم إلا بسبب ما تعرفه من وضع نفسي سيء كان يلم بي .. و على كل حال .. لا أريد أن أتذكر ذلك الماضي .. قل لي أنت .. ألا تفكر في الزواج ؟؟

ابتسم منير و أجاب بعفوية :
- بلى .. و لكن حين أظفر بمن يمكن أن تحتمل قسوتي ..
قال عادل معترضاً .
- لا .. ليس لهذه الدرجة .. صحيح أنك رجل صعب لكنني أكثر من يعلم أيّ إنسان رقيق يعيش في داخلك .. لكنك لا تحب أن تفسح له المجال ليعبر عن نفسه بحرية ..

لم يجب منير .. و اكتفى بابتسامة ارتسمت تلقائياً على محيّاه ..
فقال عادل :
- لم تتغير يا منير .. لا زلت منير ذاته الذي عرفته منذ أن كنا سوياً على مقاعد الدراسة ..
- و هل تغيّرت الظروف حولي حتى أتغيّر ..؟ صحيح أن كلّ الأمور أصبحت متأرجحة .. فخلنا أنها تقدمت إلى الأمام أو رجعت إلى الخلف .. لكن المحصلة هي أن كل شيء لا زال على حاله ..
- أحتاج أن أراك دائماً يا منير .. لا تعرف كم هذا مهم بالنسبة لي ..

تنهد منير قبل أن يقول :
- قد لا تمهلني الأيام لذلك ..
- كلماتك تشعرني بالقلق .. و تخيفني أيضا ..
- لكنها الحقيقة على أية حال .. و إذا أردت نصيحتي فلا تحاول رؤيتي مرة أخرى .. عيونهم تلاحقني في كلّ مكان .. ربما يريدون تأجيل قتلي لأمر في نفوسهم .. و وجودك معي سيضرّ بك كثيرا ..
انتفض عادل و قال بحزم :
- لا تتكلم هكذا يا منير .. أنا لست نذلاً أو جبانا لهذه الدرجة .. تعرف أنني كنت على استعداد دائم لكي أفديك بنفسي ..
- حسناً .. و لكن عليّ أن أذهب الآن .. لديّ موعد هامّ بعد قليل .. و .. أريد أن أودعك أيضاً .. فقد لا نلتقي مجددا ..
مدّ منير يده ليصافح عادل .. لكن كفّ عادل تسمّرت في مكانها .. أمسكها منير و ضغط عليها بحرارة .. و قبل أن يدير ظهره ليمضي .. قال عادل :
- انتظر قليلاً .. كنت أريد أن أسألك سؤالا ..
- تفضّل ..
- هل .. هل بإمكاني أن أذهب معك إلى ذلك الموعد ؟ .. أعني .. هل لا زال لي مكان بينكم ..؟؟
- الأماكن الثابتة لا تتغيّر يا عادل .. نحن الذين نهجرها و نستبدل بها غيرها .. لكنها تظلّ في مكانها ..
- هذا ليس وقت كلماتك الفلسفية .. أجبني بصراحة ..
ابتسم منير و قال :
- بكل تأكيد يا عزيزي ..

تقدم عادل و ألقى برأسه على صدر منير .. عانقه بحرارة كمن وجد ضالته بعد ضياع طويل ..
أمسك منير بكتفي عادل و قال بصرامة لا تخلو من الدعابة :
- هذا ليس وقت المشاعر .. يجب أن نذهب .. لم يبق غير عشر دقائق على موعدنا .. اسبقني أنت إلى الباحة الخلفية للمسجد القديم .. و سألحق بك بعد قليل ..

رفع عادل يده إلى رأسه مؤدياً تحية الانضباط .. و قال :
- أمرك أيها الجنرال ...
* لمى خاطر

إن تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن!

19 / 6 / 2007
 
 
Page generated in 0.06523 seconds with 11 queries