11 تموز
الكمالية حال بشرية غير صحّية , و الفارق بين مَن يدّعي الكمالية و الإنسانية و السليم أنّ هذا الأخير يتحكّم في حياته . أمّا الذي يدّعي الكماليّة فهو يعيش أبداً و كأنّه فقد حريّته و هو يجدّ نفسه مرغماً على النجاح , على الكماليّة , فكأنّه مُقعد و كأنّ روحه في سجن .
الإنسان الذي يعيش في هاجس الكماليّة يقيس قيمته الخاصة بما يُنجز . فيصبح كلّ خطأ إشارة إلى نقص في قيمته الخاصّة ... فينتابه الخوف و الذعر ممّا سيقوله عنه الآخرون , و يشعر بأنّه قد فقد احترامهم , فينغلق على ذاته و يغرق في حال من العصابيّة و الوحشة المحزنة .
و بما أنّ للعواطف أبعادها الجسديّة فلا بدّ و أن يكون للكماليّة أعراضها الفيزيولوجيّة . و هي تختلف باختلاف الأشخاص و ما يصبو كلّ منهم إليه بالتحديد . لكن من المرجّح أن تظهر في الغالب تحت شكل ضغوط نفسيّة و خلل في النوم و المأكل . و نتيجة لهذا الشعور يضاعف الكمالي جهده في محاولة إرضاء الآخرين ليعوّض عن شعوره بالفشل , فيقطع وعوداً لا طاقة له على تحقيقها , قيزداد شعوره بالفشل . و هو يأبى أن يطلب مساعدة الآخرين مخافة أن يشكّل ذلك إقراراً بضعفه , إنّه إنسان عالق بين خوفه من إظهار ضعفه و عدم قدرته على تحقيق سلوك يُظهر قدرته .
يعتقد الكمالي أنّ قبول الآخرين له رهن بإنجازاته . فإذا ما فشل حقد حبّهم و فقد مع تقديرهم له تقديره لنفسه .
الكمالي لا يستطيع أن يقبل ذاته و الآخرين كماهم . من دون شروط , و لا يسمح لنفسه بأن يفشل , لذا تراه يعيش في قلقٍ مضنٍ كلّما أقدم على عمل ما . فالآخر في نظره لا يمكنه أن يساعد أو يشجّع , بل هو يراقب دائماً و يقوّم .