الموضوع: السريان
عرض مشاركة واحدة
قديم 03/11/2007   #3
شب و شيخ الشباب Barleb
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Barleb
Barleb is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
مشاركات:
2,824

افتراضي


مواطن اللغة السريانية

إذا كانت السريانية والآرامية ،صفتين للغة واحدة ،فلا شك أن القارئ المتمعن قد اطلع من تضاعيف الفصل السابق ،على أكثر من شعب كانت السريانية لغته العادية،ولا شك أن الخطوط الأولى لجغرافية البلاد السريانية أخذت ترتسم أمامه .وها نحن نستكملها ونز يدها وضوحاً :
كان بنو آرام ،أول من سكنوا البلاد السورية ،منحدرين من الشمال إلى الجنوب ،حتى ملأوها بحضارتهم الجليلة مدة أجيال .وكانت حدودهم الطبيعية ممتدة من الرها والجزيرة شمالاً إلى فلسطين جنوباً ،ومن ضفاف الفرات وما بين النهرين شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً .فقد قال يعقوب السروجي في تقريظه لمار أفرام ،ابن الرها ما تعريبه :((هذا الذي أضحى إكليلا للأمة الآرامية جمعاء ،وبه نالت محاسن روحية)) ـ وقال عن العذارى الرهاويات تلميذات القديس أفرام ،مشبهاً إياهن بالعبرانيات ،ما تعريبه أيضاً (رتلت العبرانيات بدفوفهن ،وهنا تمجدت الآراميات بمقالاتهن )).وكذلك فإن بلاد ما بين النهرين ُعرفت دوماً ببلاد آرام .فقد ذكر في سفر التكوين (10:24 )إن اليعازر عبد إبراهيم سافر إلى آرام نهرين ،إلى مدينة ناحور ،ليخطب زوجة لاسحق .وفي الفصل الحادي والثلاثين ،ُيدعى لابان الحراني الجزري آرامياً.وإذا زدنا على هذا ما أوردناه أعلاه عن راصان ملك الشام (2 ملوك 6:16 )وعن أبجر ملك الرها (اوسابيوس13:1 )تثبتنا من صحة ما نقول!…
على أن هذه اللغة الجليلة الراقية ،الغنية بفنونها وآدابها،لم تكن لتحدها قوة طبيعية ؛وها نحن نرى أبناءها سكان السواحل الذين سموا فيما بعد بالفينيقيين يشقون عباب البحار فاتحين حاملين إلى العالم نور أبجديتها وعلومها الفريدة ،(وقد أثبتت الاكتشافات الأخيرة أن الأبجدية من اختراع السريان سكان الداخل،لا من أولادهم سكان الساحل )فتشع منارتهم تمدناً يسطع على الدنيا بأسرها .وتتلمذ اليونان لهم،فتستقي من نبعهم الغزير ومدينتهم الجليلة .ثم تتمخض بذلك كله ،فتلده سيلاً،بل بحراً طافياً من علم وفلسفة ،يجرف العالم بأسره،ويتغلغل في ثناياه إلى الأبد!

والأغرب من هذا أن الآرامية السريانية تطغى على الممالك القريبة جاراتها ،وهي ممالك معظمة بملوكها وحضارتها .وها هي في مدة وجيزة ،تصبح اللغة الرسمية في مملكتي آثور وبابل،وتضمحل أمامها لغتهما الاكادية الأصلية .فقد جاء في سفر دانيال:((إن الكلدانيين (يريد بهم المنجمين ) تكلموا أمام الملك بالآرامية ))(4:2 ).وقد قرر الكتبة الإعلام أن دانيال النبي كتب سفره بالآرامية السريانية حتى الإصحاح السابع .وبهذه اللغة ،أثبتت العبارة التي كتبتها يد خفية على جدار قصر بلطشسر وهي(منا،تقل،وفرسين))ومعنا ا بالسريانية((عددت،ووزنت،وقسمت))مما يدل على أن السريانية كانت لغة الملك العادية ،بل الطبيعية في قصره … وفيما يخص مملكة آثور،فقد جاء في سفر الملوك الثاني أن وزراء حزقيا الملك،طلبوا إلى قائد سنحاريب ملك آثور،أن يخاطبهم بلغته الآرامية قائلين (خاطب عبيدك بالآرامية لأننا نفهم))(راجع4 ملوك26:18 ).ولم تكتف الآرامية السريانية بهذا الفتح،بل إن بحرها الطامي ما زال يطغى حتى انقلب على الجبال الفارسية وارواها .وقد جاء في كتاب عزرا (7:3 )ما مفاده إن سكان السامرة قدموا إلى ارتحششت ملك الفرس عريضة يشتكون فيها على اليهود وكانت بالآرامية .فهل يعقل أن يرفع شعب عريضة تظلم بلغة يجهلها الملك المرفوعة إليه؟…
ولم يكن وراء البلاد الفارسية سوى صحاري قاحلة وشعوب لم يلقَ العالم بعد منها خيراً.ولذا نجد السريانية تحول وجهتها شطر فتوحات جديدة نافعة.وما هي إلا قرون قليلة،وإذا بنا أمام سبي بابل… وإذا باليهود يتركون لهجتهم العبرية،ليتعلموا لغة أسيادهم الدارجة… وتمضي عليهم سبعون سنة،وإذا بهم يعودون إلى موطنهم حاملين معهم لغتهم السريانية المكتسبة،التي تصبح اللغة الدارجة في فلسطين(عزرا11:7 )بعد الجلاء البابلي،أعني منذ القرن السادس قبل التاريخ المسيحي.من أجل هذا كتب لهم دانيال سفره بالآرامية كما نوهنا.ومن أجل هذا،نهج نهجه عزرا الكاتب اليهودي،فكتب بالآرامية سفره منذ الآية الثامنة من الإصحاح الرابع حتى السابع.(وقد رأينا كيف أن المؤرخ اليهودي يوسفوس الشهير كتب بالسريانية)وبعد عشرة قرون من هذا قامت الرحالة الإسبانية ايتيريا برحلة أوصلتها إلى فلسطين فأثبتت في مؤلفها((حج الأراضي المقدسة))ما تعريبه:((إن في فلسطين قوماً يحسنون اليونانية والسريانية… وقوماً يحسنون السريانية فقط… ))
كانت السريانية إذاً لغة العالم المتمدن كله في الأجيال السابقة للمسيح.وكانت مصر قد أخذت في نشوء طريف ومدنية جليلة تستقي الشيء الكثير من الحضارة السريانية جارتها،والشيء الأكثر من تربتها الفريدة بالغنى،وموقعها الجغرافي الخطير،حتى أصبحت يوماً ذات قولٍ وحول … وكان عليها أن تتعامل مع جارتها التي تعتبرها أوسع حضارة،وأكثر مالاً وأعظم جاهاً،وأغزر علماً،بل أشد بطشاً وأسبق في كل شيء،وكان عليها إذاً أن تتعلم لغتها لتستفيد منها… فتعلمتها،وتعاملت معها تجارياً وعلمياً وسياسياً،واستفادت منها الشيء الكثير.وليس اثبت على هذا كله من المدارج الآرامية السريانية الكثيرة،التي اكتشفت في أسوان،والتي كان للمشرق الغراء عام1907 صفحة 673 كلام طويل فيها وشرح جميل،نُحيل القارئ إليه ليجد بأسلوب مسهب كيف أن الآرامية السريانية،كانت لغة الديوان في الدولة المصرية!…


التجار السوريون كما تمثلهم النقوش الفرعونية
منذ ثلاثة آلاف سنة لدى وصولهم إلى حراس الحدود المصرية

وها نحن،ختاماً لهذا الفصل،نثبت بسرور لسوريا وللغتها الأصلية السريانية.إن العرب أنفسهم،ولا غرابة،لم يجهلوها بل تعلموها واستفادوا منها…
وإننا نسأل القارئ العزيز أن يطلب العدد السادس عشر من هذه السلسلة التي نصدرها تحت عنوان عام((استفد))،وعنوان العدد((دليلي في الإملاء))فإنه يجد في تضاعيف الكتاب،وفي الفصل الأخير منه خاصة،كيف أن العرب تعلموا الكتابة من السريان وبنوا على قواعدها قواعد الإملاء.ونذكر هنا على سبيل المثال،ما جاء في العقد الفريد(25:2 )لابن عبد ربه:((إن ثلاثة من طئ،اجتمعوا ببقعة وهم مرار بن مرة،واسلم بن سعدة،وعامر بن جدرة،فوضعوا الخط،وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية.فتعلمه قوم من الأنبار.وجاء الإسلام وليس أحد يكتب بالعربية غير بضعة عشر إنساناً))،وقال مثله السيوطي في المزهر(390:1 )وكذلك صاحب الفهرست(ص40 )نقلاً عن ابن عباس.وروى البلاذري في فتوح البلدان(ص471 )كلاماً مطولاً على هذا النحو… وقد قال الأثري الشهير فيليب برجه،في كتابه عن أصول الكتابة ص287 ما تعريبه:((إن الكتابة العربية وُجدت… كانت نصرانية قبل أن تتحول إلى إسلامية))وإذا قلنا نصرانية فنقول بذات الفعل سريانية كما يُستبان مما سبق…

فالفضل الكبير إذاً،في تعليم الكتابة للعرب،يرجع لنصارى السريان،الذين علموه لنصارى العرب حيث كانوا وحيث بشروا-ونحن إذا قلنا عرب لا نقصد إلا سكان شبه جزيرة العرب،ولا نعني مطلقاً سكان سورية من الذين يتكلمون بما يريدون تسميته اليوم بالعربية.لأن هؤلاء هم مسيحيون سريان اقحاح،منهم من أسلم عند الفتح الإسلامي ومنهم من بقي على دينه،وتعلموا من ثم لغة الفاتحين العرب مع حفظ الصيغة السريانية،أي بعد أن((سرينوها))إذ صح هذا التعبير!… بل نزيد على ما قدمنا،وعلى سبيل المثال،أن هناك في قضاء القلمون التحتاني،قرى كثيرة لا يزال أهلها يتكلمون بالسريانية القديمة إلى اليوم رغم أن معظمهم يدينون بالإسلام.نذكر منها:معلولا،جبعدين،قلدون،عين التينة،القسطل…
أما بخصوص اللغة العربية وكتاباتها،فلما كان الإسهاب فيه يُخرجنا عن موضوعنا،فإننا نحيل القارئ للإطلاع إلى كتاب فيليب برجه المذكور أعلاه؛وإلى كتاب ((تاريخ الأدب العربي))للعنداري ص10-14 … أما بخصوص تأثير التمدن والثقافة السريانية في العرب،فقد كان للبحاثة الجليل العلامة الأب لامنس اليسوعي حول هذا الموضوع،مقالة ضافية في البحث والتقدير،في المشرق سنة 1932 صفحة 184 وما يتبع… على أن نعود إلى ما يهمنا من بعض هذا الموضوع في الفصل الثاني من الباب الثاني من هذا الكتاب… وقد يسرك أيها القارئ أن تعلم أن بعض الأثريين المستشرقين قد اكتشفوا في بدء هذا الجيل آثاراً تاريخية نُقشت باللغة السريانية على حجارة في بلاد منشوريا الواقعة في أقاصي الصين… وإن اللغة السريانية هي اللغة الطقسية الرسمية لبعض الملايين من سكان الهند هم السريان الملبار والسريان الملنكار.

أن خدعونا مرة .. تباً لهم , أن خدعونا مرتين .. تباً لنا

Amarta <3

ܒܪܠܝܒ
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05814 seconds with 11 queries