عرض مشاركة واحدة
قديم 07/04/2009   #2
صبيّة و ست الصبايا Nay
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nay
Nay is offline
 
نورنا ب:
Sep 2007
المطرح:
هون مو بعيد كتير
مشاركات:
1,334

افتراضي


وهكذا فلم يبق أمام المفكرين الأحرار، إلا الفرار بجلودهم والنجاة بأرواحهم إلى بلاد ريتشارد قلب الأسد، فـ(غسان الأمام) و(صبحي حديدي) و(هاشم صالح) و(برهان غليون) يكتبون من باريس، و(الغنوشي) يمشي في الظل في ضباب لندن، و(رائق النقري) صاحب (المدرسة الحيوية) يكتب من واشنطن. و(تركي الحمد) يعلن المتشددون أنه مرتد حلال الدم ، و(مشاري الذايدي) يكتشف أن رأسه مطلوب في قوائم الإرهابيين التي ضبطت في مكة. وأنا شخصيا أصبحت (شيخ العصرانيين)، وهو مصطلح جديد يضاف إلى مصطلحات قديمة من (العلمانيين) و(الحداثيين)، الذين يدعون عليهم في خطب الجمع أن يقتلوا بددا ولا يبقوا منهم أحدا. وأي كاتب إن وجد قتيلا فهو موت قطة، وأفضل المجلات والجرائد تصدر من مكان لا ينطق فيه أحد بحرف عربي. وحين لا يبقى دماغ عربي على جسد عربي فهو قصة السندباد البحري.
إنها نكبة بكل المقاييس وأزمة ثقافية ليس لها من دون الله كاشفة.
قد يفرح بعض المتشددين أن الحاوي مسيحي وشيوعي فجمع الكفر مرتين، ولكن الاستبداد يقتل الصالح والمسلم، وقد يستبشر البعض بقتل الصدر لأنه رافضي شيعي، ولكن صدام قتل السنة الأكراد قبل الشيعة.
وحين تنتشر الكوليرا في منطقة فهي لا تفرق بين الناس حسب عقائدهم، بل حسب استعدادهم البيولوجي. وحين تحدث القرآن عن شرعة القتل في ولدي آدم، ظهر أن هناك مذهبين في الوجود: من يؤمن بالقتل حلاً للنزاعات، والثاني الذي انسحب من هذا المذهب ولو بعدم الدفاع عن نفسه فقال: «لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك». والمستبدون هم من الفريق الأول والمفكرون من الثاني. ومن قصة ولدي آدم خرج القرآن بالقاعدة النفسية الاجتماعية التي تقول، إن من قتل نفسا «فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» فهذا قانون اجتماعي.

وحين يقتل شيوعي ظلما; فسيلحقه إسلامي في اليوم الثاني; وقومي في اليوم الثالث، فالمستبدون لا يفرقون، ومن الفكر هم خائفون، فلا يفرح أحد بقتل المفكرين، فهم الجهاز العصبي في الأمة. وفرعون أراد قتل موسى لأنه يريد أن يظهر في الأرض الفساد؟ فقال لمن حوله «ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد». وهكذا فموسى مفسد فاسد وفرعون صالح مصلح!
و(ابن المقفع) قصته أدعى للحزن، فقد أوقد الحاكم تنورا وقال لأقتلنك قتلة لم يسمع بها أحد؟ فقطعه وألقاه في التنور قطعا، ثم يمم به التنور فسجره وقال إنه زنديق فلا حرج في قتله على أي صورة؟ وهو الذي كتب (رسالة الصحابة) في الإصلاح السياسي ، ثم كتاب (كليلة ودمنة) على لسان الحيوانات، كي يوصل رسالته لكل أحد، فلما خرست الألسن لم يبق للنطق إلا القرود والغيلم والببر والسنور؟ وقد خلدت قصته فعلا مع أنه مات شابا بعمر الـ 36 عاما قبل أكثر من ألف عام.
وحسب (برتراند راسل)، فإن كل النهضة الغربية يعود فضلها لمائة دماغ لو اغتيلت أو قضي عليها لأجهضت النهضة وانطفأ عصر التنوير، وفي البيولوجيا، فإن الدماغ هو النسيج النبيل، والمفكرون في الأمة مثل الخلايا العصبية في الدماغ يتقدون ويقودون، فإذا حل السرطان بالجسم انتقلت. وحسب قانون (الكواكبي) أن الناس ثلاث: عوام ومستبدون وعلماء، والعوام يتأرجحون بين قطبي العلماء والمستبدين، فإن جهلوا خافوا، وإن خافوا استسلموا، والعلماء يعلمون، والعلم نور، والخوف جهالة وظلام، فإذا انتشر النور انقشع الظلام وانزاح الخوف، وما يبدئ الباطل وما يعيد، وجاء الأنبياء والفلاسفة يعلمون الناس، فمنهم من أوذي ومنهم من قتل وما بدلوا تبديلا. وسقراط كان يدور في المجامع والأسواق فلا يدعو لقتل أحد، ولا للقيام بانقلاب عسكري في البلدة، بل إلى إعادة النظر في المسلمات العقلية

واليوم مع رياح التغيير احتار الناس هل يجب أن تأتي أمريكا حتى يحصل التغيير؟ كما فعلت الممثلة الألمانية (مارلينه ديتريش Marlene Dietrich) فلم تدخل ألمانيا، إلا بعد الإطاحة بالنظام النازي وبعربة وخوذة أمريكية، وزارت برلين بعد دفن النازية، وقالت إن مشكلتي ليست مع شعبي، بل مع النظام النازي، وغنت أغنية تعصر القلب، وقابلت (أيجون بار) المخضرم السياسي و(ويلي براندت) مهندس السياسية الألمانية بعد الحرب فقالت: إن ما هدم كان أكثر من البيوت لقد تهدمت الآمال؟ وبقيت تمثل على المسرح الأمريكي حتى سن الـ 75 سنة، وعمرت حتى التسعين، وبقيت في سنواتها الـ15 الأخيرة في غرفة في باريس، ولم ترجع إلى برلين إلا كفنا، حيث دفنت في قبر متواضع نقش عليه: الآن تموت هنا بين أهلها في سلام.
ونحن العرب ليس لنا إلا الدموع هذه الأيام كما كانت أيام النازية الأخيرة.

طائر واحد يكفي لكي لا تسقط السماء
فرج بيرقدار
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05908 seconds with 11 queries