عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #56
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


النقاش الإمبريالي



بسقوط بغداد (بعد كابول) دخلت العلاقات العربية الأميركية مرحلة نوعية جديدة: الاستعمار المباشر.
وإذا كان البعض في واشنطن يزعم أن الأمر غريب على تراثه فإننا، من موقعنا، نعيش صدمة العودة إلى وضع كنا نعتقد أننا غادرناه منذ عقود.
إن المشهد العراقي الراهن مشهد امبريالي بامتياز: الانفراد، إبعاد الأمم المتحدة، الوجود العسكري، تقسيم البلد مناطق وتعيين ولاة أجانب، حق التقرير في العقود، الإشراف على الثروات الطبيعية، إعداد مناهج مدرسية، التصرف بالأموال المجمدة، ضبط التوازنات بين أبناء البلد... إلخ.
وينعكس هذا المشهد الكولونيالي تحولاً في طبيعة السجالات في المتروبول. لم تعد عناوين التدخلية أو الانعزالية، الانفراد أو العمل الجماعي، الاهتمام بآسيا أو بالشرق الأوسط، نهاية التاريخ أو صدام الحضارات، الأحادية القطبية أو التعددية، لم تعد هذه العناوين تشكل عصب النقاش في المركز الامبراطوري. إن السؤال المهيمن، اليوم، هو السؤال الامبريالي. وتعكس هيمنته قدرة جناح محدد (في الإدارة، ومراكز البحث، والإعلام...) على فرض أجندته. ويتشكل هذا الجناح من المحافظين الجدد التدخليين ورافضي الانضباط بقواعد النظام الدولي والداعين إلى »ثورة دائمة« المتحالفين مع دعاة »الامبريالية الرؤوفة« التي لا يجوز لها أن تخجل من نفسها ولا أن تتردد أمام حمل »عبء الرجل الأبيض«.
لم يكن لهذا الجناح أن يمارس نفوذاً بهذا الحجم لولا انحياز القوميين المتعجرفين إليه ديك تشيني، دونالد رامسفيلد... ، ولولا اعتناق جورج بوش لبعض أطروحاته وتخليه، بالتالي، بعد 11 أيلول، عن رفض »بناء الأمم« ودعوته السالفة إلى »سياسة خارجية متواضعة«.
القاعدة التي ينهض فوقها هذا التحالف تؤكد أن البقاء في العراق مديد، وأن العراق مجرد بداية من أجل تغيير المنطقة طوعاً أو تهديداً أو عنفاً. ويعني ذلك، عملياً، انفتاح مرحلة تاريخية يصعب تقدير مداها.
لا مبالغة في القول إن مواضيع النقاش المستجدة ترث ما سبقها وتعيد إنتاجه وتكاد تحلّ محله. ولا مبالغة، أيضاً، في التأكيد أن أطياف المشهد الأميركي كلها تساهم فيها.
ف»اليساري« (المؤيد للحرب) توماس فريدمان يصنّف العراق ولاية أميركية جديدة تضم 23 مليون نسمة ويدعو مواطنيه إلى التنبّه إلى »أننا تبنينا طفلة اسمها بغداد« بما يعني أن المسؤولية كبيرة عن تنشئتها أولاً، وعن توفير البيئة الصالحة لها أيضاً. واليميني الليكودي كاره الإسلام كدين، والمعيَّن من قبل بوش في لجنة للسلام (!)، دانيال بايبس (صديق العماد ميشال عون، بالمناسبة) يقترح خطة مديدة للعراق قوامها الإتيان إلى الحكم برجل قوي ذي ميول ديموقراطية مع إبقاء القواعد العسكرية الأميركية للدعم والمساندة!
ليس صعباً تأصيل هذا النقاش في أميركا. فلقد شكّلت الويلسونية، على الدوام، خياراً من خيارات السياسة الخارجية ونجحت في صد أي نزعة انعزالية.
ومع أنها انتقلت، اليوم، لتصبح بنداً في نهج أقصى اليمين، فإن ذلك لا يعدو استعادة لنظرية في »الامبريالية التقدمية« كانت رائجة في الولايات المتحدة منذ... قرن! وهكذا، بعد مئة سنة، نجد من يعود إلى هذه الأفكار المؤسَّسة على »الاستثناء الأميركي« والداعية إلى سياسات »انفرادية«.
لقد كان رونالد ريغان صاحب رأي في دور بلاده ضد »امبراطورية الشر«. ولطالما اعتبرت مادلين أولبرايت، بعد سقوط جدار برلين، أن »أميركا أمة لا غنى عنها، وأنها ترى أبعد لأنها أطول قامة«. وتحدث ريتشارد هاس عن »الشرطي المتردد« قبل أن يكتشف ونكتشف أن هذا الشرطي تحرّر قليلاً بعد انتهاء الثنائية القطبية وغادر تردّده نهائياً بعد 11 أيلول. ولقد كانت هذه التفجيرات مناسبة شجعت ماكس بوت (أحد مفكّري المحافظين الجدد) على الدعوة إلى وضع »الفضائل البربرية الحربية في خدمة المُثُل الأميركية العليا«.
لم يحصل أن تخلت الولايات المتحدة عن وعي نفسها بصفتها استثناء: سواء كان ذلك بصفتها »أرض ميعاد« أو بصفتها »صاحبة رسالة«. وها هي، في أفغانستان ثم العراق، تمارس هذه الرسالة حيال »خير أمة أُخرجت للناس«، ثم حيال دعاة »الرسالة الخالدة« المنسوبة إلى الأمة العربية.
لقد أكثر المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم بوش، في الأشهر الأخيرة، الحديث عن »المهمة التمدينية« التي ستحملها بوارجهم إلى العالمين العربي والإسلامي. وأفاض كتّاب وخبراء ومؤرخون وصحافيون في استعراض »النماذج« واستحضار اليابان أو ألمانيا أو أوروبا الشرقية، وفتحوا سجلات التدخلات العسكرية حتى الأخيرة منها ونتائجها.
مال الرسميون إلى ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية من أجل تأكيد أن لا تناقض بين »الدبابات« و»الديموقراطية«. إلا أنهم جوبهوا باعتراضات عن التفاوت بين ألمانيا واليابان من جهة، والعراق من جهة ثانية (فضلاً عن التجانس أو التعدد العرقي والمذهبي). ويُعتبر ستانلي كورتز أحد أبرز المعترضين. وهو يعتبر أن على واشنطن الاتعاظ، في تجربتها الامبريالية العراقية، بتجربة بريطانيا في الهند التي دامت قرنين ونيفاً!
كتب كورتز عن »الامبريالية الديموقراطية« ملاحظاً أن خطين بريطانيين تواجها في الهند: خط احترام المؤسسات المحلية والتقاليد والدين، وخط كسر المحرّمات واستيلاد سند محلي واعتبار السكان الأصليين »لوحاً أبيض« يكتب المستعمِر فوقه ما يشاء. ونصح الإدارة باعتماد سياسة لا تقوم على السلطة المباشرة ولكن لا تعتمد كثيراً على العراقيين مع ضرورة التمييز بينهم وبين »العائدين« الذين يمكنهم لعب دور. وخلص إلى أن الانتخابات خطرة الآن لأن الجو غير مؤات ولذا لا بد من تقطيع الوقت ب»حكومة تمثيلية« على امتداد »مرحلة امبريالية غير ديموقراطية« في انتظار مساعدة العراقيين على بلوغ سن الرشد. واستعرض السجال الأميركي بين من يدعو إلى الاعتماد على النخب العربية التقليدية ومن يريد »دمقرطة« سريعة مع ميل من جانبه إلى المواءمة بين النهجين وعدم الخشية من إشهار المشروع الاستعماري الذي سيجد في ديكتاتورية النظام السابق تبريراً أخلاقياً لنفسه. يفاخر كورتز ب»أن لا ديموقراطية من دون حضورنا«. وبما »أننا أصحاب مصلحة فلنأخذ وقتنا«.
قد لا يكون روبرت كوبر أميركياً ولكنه ملهِم المحافظين الجدد. فلقد عبر هؤلاء خط التمايز الأيديولوجي معه من أجل تبني أطروحته عن »الامبريالية الليبرالية«. الرجل دبلوماسي بريطاني مقرّب جداً من طوني بلير و»الطريق الثالث«. ويقدم نموذجاً عمّا يمكن أن تصل إليه »الاشتراكية الديموقراطية« في تعاملها المنحطّ مع العالم الثالث.
يقسّم كوبر الدول إلى ما قبل حديثة (متعثرة) وحديثة (مكتملة ولكنها تعترف بالصراعات الجيواستراتيجية) وما بعد حديثة (أوروبا التي ألغت الحروب البينية من قاموسها). يعتبر الصنف الأول خطراً على الثالث. يفلسف المعايير المزدوجة إذ إن قواعد السلوك الممكنة بين الدول ما بعد الحديثة لا تنفع مع دول تعيش شريعة الغاب والواجب معاملتها وفق أسس لا تلغي الحرب ولا الخداع ولا الكذب. يستنتج أن الحل المنطقي هو العودة إلى الكولونيالية كما في القرن التاسع عشر. يؤكد أن شروط الحل الامبريالي متوفرة وأن الطلب موجود في الدول المتخلفة، ولكن العرض ضعيف من جانب الامبرياليين المحتملين. وينتهي داعياً إلى »امبريالية ما بعد حديثة«، أي »امبريالية ليبرالية« تقيم وزناً ما لحقوق الإنسان والقيم الكونية.
تحيلنا هذه الكتابات إلى ما نقرأه يومياً عن خلافات بين وزارتي الدفاع والخارجية في الولايات المتحدة: ارتباك في إدارة العراق، تباين في التعيينات، عدم الحسم في الانتخابات، صلات بعراقيي الداخل والخارج، أيّ نوع من العلاقة مع الإسلام والتقاليد المحلية، دور الأجانب في الإدارة، تفضيل العملاء الخالصين أم شخصيات ذات صلة بالبيئة الإقليمية... ليست هذه الخلافات تكتيكية، ولا هي نابعة من اختلاف مزاج كولن باول عن مزاج دونالد رامسفيلد، ولا عن صراعات نفوذ شخصية. نحن أمام نقاشات استراتيجية حول نوع الامبريالية التي ستمارَس... علينا. وهي نقاشات ينتمي أصحابها إلى مدارس فكرية، وإلى مراجعات حصلت للحقبة الاستعمارية، وإلى تقديرات لمآل الحركات الاستقلالية. ويمكن أن نزيد، في ما يخصنا، أنها تنتمي، أيضاً، إلى الموقع المراد للاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي أن يشغله وإلى دروس ذلك.
والملاحَظ أن الأميركي أو البريطاني المعترض على سياسة بلاده شرع يحاور، هو الآخر، من موقع الاعتراف بأن السؤال الامبريالي هو المطروح. فأناتولي ليفين لا يفعل شيئاً آخر حين يحذر من »استنساخ« ما حصل في القرن التاسع عشر، ويميّز بين »امبريالية وديعة« قد تمارسها أميركا وأخرى »استيطانية فظة« تعيشها إسرائيل. وهو إذ يطرح تساؤلات عن رد الفعل الشعبي الأميركي، وعن موقع بريطانيا في المنظومة الجديدة، فإنه يبقى ميالاً إلى توقع رد فعل محلي ضد »المهمة التمدينية« المزعومة.
* * *
يتضح من هذا الاستعراض السريع للمحطة الراهنة للنقاشات الأميركية (والبريطانية)، أن العرب هم الموضوع. وليس صعباً اكتشاف كم أن العرب هم، أيضاً، أبرز الغائبين. نحن لا زلنا في »أين صدام« و»من أسقط بغداد«، في حين أن التجاهل كامل لصخب يبحث عن أفضل صياغة، من وجهة نظر المتروبول، لأدق تفاصيل حياتنا. هل يصدق علينا تقدير كوبر من أننا فشلنا إلى حد أننا بتنا نشكّل حالة »تطلُّب استعماري«؟ سواء كان الجواب نعم أو لا، فإن الاستعمار موجود معلناً افتتاح حقبة، ومن دون أن يستثير، حتى الآن، ولو الفضول في التعرّف إلى خياراته المتفاوتة في تقرير مصائرنا.

6/5/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05269 seconds with 11 queries