عرض مشاركة واحدة
قديم 21/04/2005   #1
baathy
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ baathy
baathy is offline
 
نورنا ب:
Apr 2005
مشاركات:
68

افتراضي البعث و الحريات


تبدو مسألة الحريات، عندنا وفي العالم بوجه عام، واحدة من مسائل التطور الهامة. وتنقسم الآراء هنا إلى قسمين، الأول وظيفي يعتقد أتباعه بأن الحريات ضرورية من أجل التقدم، والثاني مبدئي يقر أتباعه بالحريات باعتبارها حقاً مبدئياً للإنسان..
وعلى ما يبدو، يقتصر الخلاف بين التيارين على الزاوية المنهجية التي ينظر منها إلى الموضوع، لا على الموضوع ذاته. إذ يبدو التكامل واضحاً.. فالحريات ضرورية.. ومبدئية في آنٍ.
الفكر البعثي الأصيل، لا فكر الستينات "الثوري"، ركز على موضوع الحريات بجانبيه.. الوظيفي والمبدئي.
1
يقول المبدأ الثاني من دستور البعث (1947): "الأمة العربية تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة، وتتسم بخصب الحيوية والإبداع، وقابلية التجدد والانبعاث. ويتناسب انبعاثها دوماً مع نمو حرية الفرد ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية".
يبدو البعد الوظيفي لحرية الفرد هنا واضحاً، فهذه الحرية ضرورية من أجل انبعاث الأمة وتجددها.

2
لكن الوظيفية هنا تقترب من المبدئية اقتراباً مدهشاً. فعلى الرغم من أن الهدف هو نهضة الأمة وليس الحرية بعينها، إلا أن الجبرية هنا تجعل من الوسيلة "شرطاً لا بد منه" للهدف، بمعنى أن الوسيلة هي الحامل والنهضة هي المحمول. وعليه، إذا كان المحمول مبدءاً فبالأحرى أن يكون الحامل مبدءاً أيضاً لأنه لا يمكن للمشتق (المحمول) أن يكون أقوى من الأصل (الحامل).
3

مبدئية الحرية عند البعث تظهر عبر مظاهر أخرى متعددة. فالحديث عن حرية الفرد في الدستور جاء ضمن المبادئ الأساسية للحزب، أي تلك التي تحدد هوية الحزب وعقيدته (المبدأ الأساسي الثاني).
ثم تأتي بنود هذا المبدأ لتوضح مسألة مبدئية الحرية الفردية. البند الأول يقول حرفياً: "حرية الكلام (أي التعبير) والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لأية سلطة أن تنتقصها"..
البند الثاني في المبدأ ذاته يمنع التمييز ويعتبر قيمة الناس بحسب العمل من أجل تقدم الأمة وازدهارها.
من الواضح أن البند الثاني "يوجه" البند الأول ويقيده. فالحرية ليست مطلقة، وإنما هي محددة "بالعمل من أجل التقدم".
وهذا لا يُنقص من مبدئية الحرية وإنما يعززها، لأن تحديد المطلق يجعله أكثر واقعية، أي يعزز إمكانات تحقيقه على أرض الواقع.
4

البند الأول، ذاته،يصف حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن بالحرية المقدسة..
بهذا الوصف يتخطى البعث، في تعامله مع حرية الفرد، مجال المبدئية الوضعية إلى المبدئية المعطاة (الطبيعية). فالقداسة تعني أنه لا يحق لأحد، حتى للفرد ذاته، أن يلغي حريته لأنها سمة إنسانية مقدسة.
هذه مسألة هامة، فحرية التعبير...... الخ، ليست نتاجاً لعقد اجتماعي أو لاتفاق وضعي، وإنما هي حق طبيعي للإنسان باعتباره إنساناً. العقد الاجتماعي مهمته فقط تنظيم هذه الحرية ووضع الظروف الأفضل لتحقيقها..
5

الانتقال بالحرية من مجال "القانون الوضعي" إلى مجال "القانون الطبيعي" أي الفطرة، يجعل البعث يتقدم خطوة واسعة أمام نظريات الحقوق المعاصرة، سواء في الفكر الرأسمالي (المدني) أو في الفكر الاشتراكي..
إذا كانت حريات التعبير والاعتقاد... الخ، حسب فلسفة الثورة الفرنسية التي يبنى عليها الفكر السياسي المعاصر، تدخل في إطار حقوق المواطن، فإنها عند البعث تدخل ضمن حقوق الإنسان. والفرق بين الكينونة الإنسانية للإنسان وكينونته السياسية Homo politicus معروفة، ولا حاجة لتكرارها. نكتفي بالقول إن إنسانية الإنسان مكون جوهري في وجوده الخَلقي، أما كينونته السياسية فنتاج لعقد وضعي..
6
الحريات عند البعث مقدسة. هكذا يقول دستورنا. وإذا كنا بحاجة ماسة إلى صياغة نظرية سياسية بعثية، وقد آن الأوان لذلك، فيجب ألا تبتعد كثيراً عن مبادئنا التي تقدس الحرية... حرية الفرد بالذات.
وإذا كان هدف السياسة وضع نظام قانوني وحقوقي يراعي الواقع ودرجة التطور، فإنه على هذا النظام أن يضبط مسار الحرية وإيقاعها بما يعزز تحقيقها ويحدد إطلاقيتها، لا أن يحصرها أو يعيد صياغتها براغماتياً...
كثيرون ممن ألتقيهم من البعثيين يقولون: لا نريد من حزب البعث سوى أن يكون بعثياً. وأعتقد أنهم لا يطلبون الكثير.



أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06245 seconds with 11 queries