عرض مشاركة واحدة
قديم 18/08/2008   #21
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


العبودية، المحرقة، الصهيونية



قد لا تكون دوربان واحدة من »بوابات اللاعودة«. فهذا الاسم يطلق على المدن الافريقية التي خرج منها الملايين، أُخرجوا بالأحرى، وعلى امتداد قرون ثلاثة، نحو عذابات لا تُحتمل. لا بل إن عذابات »العبيد« كانت أفضل ما يمكن ان يحصل لهم لأن البديل الوحيد عنها كان الموت غرقا في الاطلسي.
غير ان دوربان قد تكون واحدة من بوابات الدخول التي قرر »الرجل الابيض« استخدامها من اجل إعادة ارتكاب الجريمة فوق مسرحها الاصلي. ولقد فعل ذلك في حمأة سياسات استعمارية استيطانية شهدت، في ما شهدت، بدء التسرب الصهيوني الى فلسطين، والشروع في بناء نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا.
تستضيف دوربان، هذه الأيام، مؤتمر مناهضة العنصرية والتمييز، وهي احق من غيرها بذلك بعد سنوات على إلغاء نظام الابارتهايد وتضافر المعطيات المؤكدة ان المرحلة الانتقالية تمر بأقل الأضرار الممكنة. وإذا كان هذا ما يحصل فإن القامة التاريخية لنلسون مانديلا ليست مسؤولة وحدها. لم يكن ذلك ممكنا لولا فحص الضمير، والاعتراف بالأخطاء، ولجنة التقصي برئاسة القس ديسموند توتو وغيرها من المراحل. ان هذه العملية التاريخية هي التي تسمح لسود افريقيا الجنوبية تحمُّل سيطرة البيض، وهم أقلية ضئيلة جدا، على معظم ثروات البلاد.
إن قضية العبودية هي، من حيث المبدأ، في صلب نقاشات دوربان. لقد استُعبد من استُعبد، ومات من مات. ولكن، فوق ذلك، أُفرغت أفريقيا من نسغها بما أسس لحالة التخلف، وأمكن لأوروبيي الحملة الاميركية الاستغناء، بالإبادة، عن هنود القارة الجديدة وسكانها الاصليين.
هل من تعويض عن ذلك؟
لم تكن الفكرة واردة من قبل. غير أنها تبلورت وتطورت مع تجدد النقاش في السنوات الأخيرة في شأن الأموال اليهودية في مصارف سويسرا وغيرها، ثم مع مطالبة شركات بدفع بدائل عن عمل السخرة في فترة الحرب العالمية الثانية. وبما أن الولايات المتحدة كانت، في الحالين، القوة الدافعة فإن المحاكاة فرضت نفسها وارتفعت مطالب تطرح التعويض، واستندت هذه المطالب الى استمرار الوضع الدوني لسود أميركا والى المصير البائس الذي تتخبّط فيه أفريقيا منذ عقود من دون أن تقدم »العولمة السعيدة« اي حل له.
وإذا كان السجال عن التعويض متشعب ويطرح قضايا شائكة وخلافية فما لا شك فيه ان طلب الاعتذار هو القاسم المشترك لمن يرفعون الظلامات. ولكن الدول الغربية ضنينة بذلك مخافة أن يكون الاعتذار مدخلا الى المزيد.
إن الاعتذار هو أقل ما يمكن، طالما ان الحل الجذري هو في نظام اقتصادي عالمي جديد، ولكن الاعتذار، ليس مطلوبا من الدول الغربية فقط، ان الجرأة الاخلاقية كانت تقتضي ان يرتفع صوت عربي يعتذر من الأخوة الأفارقة لأنه، في مرحلة من المراحل، لم يكن العرب بعيدين عن تجارة الرق وإن كان دورهم، في هذا المجال، دون مستوى الآخرين.
لو لم يكن هذا الصوت ناقصاً لكان الموقف العربي أقوى في دوربان.
* * *
ليسمح لنا الأمين العام للامم المتحدة كوفي أنان ان نخالفه الرأي. خاطب المؤتمرين ليقول لهم ما معناه ان هول المحرقة ضد اليهود لا يجوز ان يحجب الاضطهاد الذي يتعرّض له الفلسطينيون. هذا كلام غير موفّق. وهو يقوم على افتراض الفصل بين العرب وسائر البشر في الموقف من المحرقة بحيث يصبح من حقنا ألا نأخذها في الاعتبار.
كان الحري بأنان أن يقول إن هول المحرقة يجب أن يضيء ما يتعرض له الفلسطينيون. وفي هذا القول، المفترض، ما يكشف مسؤولية الغربيين إياهم عن المحرقة، وما يحدد المسؤولية الاسرائيلية الراهنة من منظار تاريخي، وما يجعل عذابات الفلسطينيين المستودع الانساني الراهن لكل الثقافة (والسياسة) الرافضة اي شكل من أشكال التمييز ضد الشعوب والأفراد.
لم يقل أنان ما كان يجب عليه قوله لأنه، ببساطة، ضحية »صناعة الهولوكوست« في جانبها الايديولوجي. أي ضحية فكرة »فرادة المحرقة« التي تقود، في ترجمتها الصهيونية، الى تبخيس عذابات الآخرين وإلى تحصين الممارسات الاسرائيلية وجعلها فوق الشبهات والإدانات.
* * *
إن هذا التحصين هو الذي يتداعى في دوربان. فالرأي الاسرائيلي يقول »بما أننا كنا ضحية المحرقة لا يعود جائزا اتهام الصهيونية بمساواة العنصرية«. وتكشف هذه الأطروحة معنى الاستخدام الذرائعي المديد الذي وظّف مآسي الحرب العالمية الثانية في تقديم التبرير الأخلاقي اللاحق للمشروع الصهيوني، وفي توفير التغطية لممارسات وسياسات نابعة، في الأصل، من أفكار عنصرية.
لنضع اليمين الاسرائيلي جانبا. ولنضع معه الحاخام عوفاديا يوسف، وحركة »كاخ«، وافيغدور ليبرمان. ولننسَ حتى اسحق رابين، وايهود باراك، وبنيامين اليعازر. لنكتف بمثال واحد يمثل عصارة اليسار الثقافي العمالي: ا.ب. يهو شواع.
الرجل روائي كبير. غير أن ذلك لا يمنعه من القول (»لوفيغارو« الفرنسية، 28 آب) بمناسبة مؤتمر دوربان: »الفلسطينيون أغبياء. لو استحصل المئتا ألف فلسطيني في القدس على الجنسية الاسرائيلية لنالوا نصف عدد المقاعد في البلدية ولنجحوا في وقف التمييز ضدهم«. هذا الكلام هو، ببساطة، عنصري. لا يجد يهو شواع حلا ل»وقف التمييز« إلا بإيصال الفلسطيني إلى إعادة تشكيل نفسه إسرائيليا من أجل نيل »حقوق بلدية«. ولكن الكاتب نفسه يحذر من »الخطر الديمغرافي« ويدافع عن حل سياسي يستعيد، حرفيا، ما هو منسوب الى... ارييل شارون!
إذا كانت هذه هي النسخة »المتنوّرة« عن الصهيونية فما على مؤتمر دوربان، بمنظماته غير الحكومية أساساً، إلا

09/03/2001

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03355 seconds with 11 queries