عرض مشاركة واحدة
قديم 08/09/2007   #11
شب و شيخ الشباب فوضى الحواس
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ فوضى الحواس
فوضى الحواس is offline
 
نورنا ب:
Aug 2007
مشاركات:
99

افتراضي انشودة المطر ..لبدر شاكر السياب


عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،

أو شُرفتانراح ينأى عنهما القمر .

عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ

وترقصالأضواء ... كالأقمار في نهَرْ

يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر

كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ ...

وتغرقان في ضبابٍ من أسىًشفيفْ

كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،

دفء الشتاء فيه وارتعاشةالخريف ،

والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛

فتستفيق ملءروحي ، رعشة البكاء

ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء

كنشوة الطفل إِذاخاف من القمر !

كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ

وقطرةً فقطرةً تذوبفي المطر ...

وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم ،

ودغدغت صمتالعصافير على الشجر

أنشودةُ المطر ...

مطر ...

مطر ...

مطر ...

تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ

تسحُّ ما تسحّمن دموعها الثقالْ .

كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :

بأنَّأمّه – التي أفاق منذ عامْ

فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال

قالوا له : "بعد غدٍ تعودْ .. "

لا بدَّ أن تعودْ

وإِنْتهامس الرفاق أنهَّا هناكْ

في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ

تسفّمن ترابها وتشرب المطر ؛

كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك

ويلعنالمياه والقَدَر

وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ .

مطر ..

مطر ..

أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟

وكيف تنشجالمزاريب إِذا انهمر ؟

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟

بلا انتهاءكالدَّم المراق ، كالجياع ،

كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !

ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ

سواحلَ العراق بالنجوم والمحار ،

كأنها تهمّ بالشروق

فيسحبالليل عليها من دمٍ دثارْ .

أَصيح بالخليج : " يا خليجْ

يا واهباللؤلؤ ، والمحار ، والرّدى ! "

فيرجعُ الصّدى

كأنّه النشيجْ :

" يا خليج

يا واهب المحار والردى .. "

أكاد أسمع العراقيذْخرُ الرعودْ

ويخزن البروق في السّهول والجبالْ ،

حتى إِذا مافضَّ عنها ختمها الرّجالْ

لم تترك الرياح من ثمودْ

في الوادِ منأثرْ .

أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر

وأسمع القرى تئنّ ،والمهاجرين

يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع ،

عواصف الخليج ، والرعود ،منشدين :

" مطر ...

مطر ...

مطر ...

وفي العراقجوعْ

وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ

لتشبع الغربان والجراد

وتطحن الشّوان والحجر

رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ

مطر ...

مطر ...

مطر ...

وكم ذرفنا ليلة الرحيل ،من دموعْ

ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر ...

مطر ...

مطر ...

ومنذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء

تغيمُ فيالشتاء

ويهطل المطر ،

وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ

ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .

مطر ...

مطر ...

مطر ...

في كل قطرة من المطر

حمراءُ أو صفراء من أجنَّةالزَّهَرْ .

وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة

وكلّ قطرة تراق من دمالعبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد

أو حُلمةٌ تورَّدتْ علىفم الوليدْ

في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة !

مطر ...

مطر ...

مطر ...

سيُعشبُ العراق بالمطر ... "

أصيحبالخليج : " يا خليج ..

يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "

فيرجع الصدى

كأنَّه النشيج :

" يا خليج

يا واهبالمحار والردى . "

وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ،

على الرمال ، : رغوه الأُجاجَ ، والمحار

وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق

منالمهاجرين ظلّ يشرب الردى

من لجَّة الخليج والقرار ،

وفي العراقألف أفعى تشرب الرَّحيقْ

من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى .

وأسمعالصدى

يرنّ في الخليج

" مطر ..

مطر ..

مطر ..

في كلّ قطرة من المطرْ

حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ .

وكلّ دمعة من الجياع والعراة

وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد

أو حُلمةٌ تورَّدت على فمالوليدْ

في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة . "

ويهطل المطرْ
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.09809 seconds with 11 queries