عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #40
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


خيارات صوفي



خيارات صوفي
الجندي الواقف عند مدخل معسكر الإبادة يسأل صوفي (في مشهد من فيلم شهير) عما إذا كانت تختار الإبقاء على حياة ابنها أو ابنتها؟ وهو لا يفعل سوى نقل المسؤولية إليها بدعوتها إلى قتل ابنها أو ابنتها.
لو حولت صوفي سؤال الجندي النازي إلى بعض المثقفين العرب لكانوا اقترحوا عليها جوابا من شقين: »تختار«، أولا، تدمير المعسكر، و»تختار«، ثانيا، تأمين رفاهية مؤبدة للقاطنين بجوار غرف الغاز، رفاهية يتوارثونها جيلا بعد جيل.
لقد كان على صوفي أن تعيش التناقض حتى الموت. أن تعيشه بنبل لا تنتقص منه سذاجة الاعتقاد أنه كان في وسعها »التعالي« فوق لحظتها المأساوية ولكنها، لأنها لم تفعل، باتت شريكة في الجريمة.
إن العراقيين والعرب اليوم أمام نسخة جديدة من »خيارات صوفي«.
المعارضة العراقية الكردية لا تستطيع ممارسة رغبتها الأصلية في قيام وطن يضم شتات هذا الشعب الموزع على غير دولة. ولو كان الرأي رأيها لفضلت الوضع القائم اليوم في كردستان. ولقد بدت لفترة، وبعد تجارب مريرة، كمن اقتنع بأن الولايات المتحدة، فضلا عن الجبال، صديق وفيّ. إن هذه المعارضة مضطرة، الآن، إلى »المشاركة« في حرب ضد العراق وهي تدرك، كما يقول قادة فيها، أن الحرب الفعلية قد تكون، غداً، ضد الجيش التركي. هل كان سيزيف كرديا؟
المعارضة العراقية الشيعية المتحالفة مع إيران لا تملك سببا أصليا للود مع الولايات المتحدة. ولكنها قد تجد نفسها، رغما عنها، جزءا من آلة الحرب الأميركية، حتى إذا نجحت هذه الحرب بات العراق كله موطئا للانقضاض على النظام في طهران. عداء هذه المعارضة لصدام حسين قوي، ولكن يمكن الافتراض أن قشعريرة تصيبها وهي تدرك أنها طرف في لعبة تتجاوزها وتهدف إلى إخضاع بلدها لاحتلال أجنبي مديد، ولإعادة إنتاج صيغة للسلطة لا فضيلة لها إلا الطاعة وتسهيل النهب.
وضمن الثنائي أحمد الجلبي كنعان مكية الذي يعبّر، كتابةً، عن مأزقه، فإن الأول قابل للتأقلم أما الثاني فيبدو ملتاعا: يخشى أن تخذل أميركا ما غرسته فيه من قيم فتنصر أعداءها عليه وتسقط من قيمة ما فعله في ربع القرن الأخير. السياسة
الأميركية، بالنسبة إليه، تكاد تكون قضية شخصية.
نحن أمام معارضين مأزومين. منهم من يتردد في الانحياز إلى واشنطن (ولكنه يفعل) ومنهم من يخاف عدم انحياز واشنطن إليه.
تبدو الحرب المحتملة من دون بطل. قد يكون جورج بوش بطل الغلاة. غير أنهم، عالميا وعربيا، أقلية. وفي المقابل، ليس الرئيس العراقي بطلا عند أحد ولو أن صورا له تُرفع في بعض التظاهرات. فعلى ضفة العراق تبدو »القضية« أكبر من أي شيء آخر، لا بل متباينة عن الرمز المفروض عليها.
وبهذا المعنى، فإن رافضي الحرب، والاحتلال بالتالي، هم، أيضا، في مأزق. لنأخذ الرئيس الفرنسي جاك شيراك مثلا. قال ذات مرة إنه يتمنى لو أن صدام يختفي. غير أنه مضى في تجنيد بلاده وعلاقاتها لإعطاء الحل السياسي فرصة. وهو يرتكب، بتصديه للولايات المتحدة، مغامرة قد تكلف فرنسا موقعها في أوروبا والعالم ومصالحها في الشرق الأوسط. فعل ذلك لأنه أدرك أن اللحظة السياسية الحرجة لا تحتمل إلا الموقف »التحليلي« من طبيعة النظام والموقف العملي ضد الحرب الانفرادية.
ويمكن الذهاب أبعد من ذلك.
ففي تحقيق صحافي عن »الدروع البشرية« في العراق، أي عن المواطنين الغربيين القادمين لمحاولة تفادي الحرب، يتبين أن نقاشا جديا يدور. يقول عالم اجتماع نروجي: »نحن هنا لندافع عن الشعب لا عن النظام. وهذا هو تناقضنا«. يضيف أنه يدرك فائدته للنظام ميتاً تحت قصف أميركي أكثر منه حياً. ومع ذلك فإن قراره هو البقاء. لقد أدرك الرجل أن المهمة غير القابلة للتأجيل هي منع حصول الحرب، أو، على الأقل، السعي إلى ذلك. ارتضى ألا يشرط دفاعه عن شعب العراق بالخلاص من النظام لأنه إن مارس هذا الترف، فسيبقى حيث هو ويزيح عقبة، ولو متواضعة، من أمام العدوان والاحتلال.
يقدم هذا السلوك مدخلا إلى تقييم مواقف صادرة عن بيئات عربية تبحث، في الوحل الذي نحن فيه، عن مخاوف لمآزقها وليس عن طرف خيط يقود إلى تصور للمخرج من المأزق العام.
إن الموقف الداعي إلى تنحية رجالات السلطة في العراق كمدخل لمنع الحرب هو، في أحس الأحوال، تهرّب من المواجهة حيث تدور وإغماض العينين عن العنصر الأساسي في المعادلة: ثمة حرب استعمارية على نظام قمعي لأسباب لا علاقة لها بطبيعته بل بمصالح الدول المحاربة. العنصر الأساسي، هنا، هو الحرب والاحتلال ومن غير الجائز إضاعة جهد، الآن، في ما سوى ذلك.
والموقف القائل: »لا للحرب، لا للديكتاتورية« هو نوع من إراحة الضمير لأن هذه الحرب، بالضبط، قائمة ضد هذه الديكتاتورية بالضبط. إن هذا السلوك طفولي بمعنى ما لأنه يرفض وضعيته الدونية من أجل الهرب نحو شعار يتجاهل، في العمق، البؤس الذي يتخبط به العرب والذي يجعل خياراتهم، الواقعية، مشابهة لتلك المعروضة على صوفي.
إن دعوة »التنحية« لا تحرف الجهد فحسب بل تكاد تذهب به نحو التوظيف في سياق مواز للحرب والاحتلال. أما الدعوة إلى رفض الحرب والديكتاتورية معا، وفي اللحظة نفسها، فهي، على عكس ما يعتقد أصحابها، خروج مَرَضي من الحدث لا دخول صحي إليه.
تبقى قضية يُفترض بها أن تقلق ضمائر الذين يعطون لمنع الحرب أولوية: ماذا عن العراقيين الذين عانوا ويعانون؟ لا يمكن لأي نزيه أن يقفز من فوق هذا الموضوع. ولكن، بالمقابل، لا يمكن لهذا الموضوع أن يصادر النقاش لأنه يمنعه، حينئذ، أن يكون مبنيا على تحليل بارد يقول إن أهوال ما بعد الحرب، على الجميع، أقسى من الوضع الراهن.
هل يحل الإشكالات أن يستمر معارضو الحرب والاحتلال في موقفهم العملي معترفين، نظريا، بطبيعة السلطة في العراق، ومعتذرين من ضحاياها؟ ليسوا هم من اختار هذا السلوك. إنه الجندي الواقف عند مدخل معسكر الإبادة.

27/3/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04487 seconds with 11 queries