عرض مشاركة واحدة
قديم 02/11/2008   #1
صبيّة و ست الصبايا sandra
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ sandra
sandra is offline
 
نورنا ب:
Dec 2007
مشاركات:
3,859

افتراضي أحلامنا... قراءة في سيكولوجية الشخصية


بقلم : هنادي الشوا
المصدر : نساء سورية
2008-09-20

لعل الخطأ الأكبر الذي ارتكبه علماء النفس والانتربولوجيا هو في تغييبهم القصدي لمدلولات الأحلام من دراساتهم، لتقع تلك المدلولات فريسة بين أيادي المرتزقة من مشعوذين وسحرة، فيتاجروا بها بعدة مسميات مثل:
اكشف طالعك، هل تبحث عن نصفك الآخر؟، والكثير من أشكال الاستخفاف بالعقل البشري والتي وصلت في بعض الأحيان إلى درجة لا ُتحتمل...

إن هذا التغييب القصدي لدراسة مدلولات الأحلام أدى إلى ضمور في دراسة العلاقة الحقيقية بين الأحلام وديناميات الشخصية، لكن ولكي نكون موضوعيين في طرحنا لهذه القراءة فإنه من الأمانة بمكان أن نلتمس لعلم النفس وبعض من مزاوليه العذر في ذلك فالناس حقيقةَ تتقبل فكرة سيكولوجية الذات أكثر من تقبلها لسيكولوجية اللاشعور.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى لايمكننا أن ننكر، بحال من الأحوال، الجدوى التي حققها ذاك التغييب القصدي للتفسير الحلمي على صعيد الحدَ من الفوضى التفسيرية لعالم الأحلام. فكم من شخص بلا عمل راح يؤلف الكتب في تفاسير الأحلام لتراها على أرصفة الشوارع؟ وترى النساء والرجال والشباب يقبلون بشغف على تفسير أحلامهم! فلماذا هذا الاهتمام؟ أهو من باب التسلية أم أن أحلام المواطن العربي باتت بحاجة إلى تفسير فعلاَ نظراَ لما يعانيه في يومياته على ارض الواقع؟ وهنا يصبح الحلم متنفسه الوحيد بأن غداَ أفضل ينتظره.

ولا نريد أن يفهم البعض أن تناول موضوع الأحلام في دراسة سيكولوجية الشخصية هو للمتعة أو لرفض أو مغالطة اتجاه ما، مايهمنا كباحثين في سيكولوجية الشخصية هو دراسة تأثير الأحلام على شخصية صاحبها.
على سبيل المثال يحق لنا أن نتساءل لماذا يصحو بعض الناس من النوم ويتوجهون توجهاً معيناً بوحي الحلم؟ كم من شخص استشعر السريرة والتوازن النفسي بعد حلم جميل؟ وهنا لا يخفى على أحد منا أن الكثير من الأساطير والشعر الملحمي والإنتاج الفكري القومي هو من وحي الأحلام ألم يكن تعيين النبي يوسف بناء على حلم؟ ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن تكون الأحلام برمتها قابلة للتصديق أو التحقيق وإلا كيف لنا أن نصدق أن الشمس والقمر كانا ساجدين له؟ إذاً القضية لا تكمن في تفسير الحلم وإنما كيف يبرمج بعض الناس حياتهم بعد الحلم؟ في حين لا يؤثر في الآخر مايرونه بل على العكس يفسرونه بالضد.

باختصار ما يهمنا في أبحاث الشخصية لم يكن على الإطلاق حرفية الحلم وإنما رمزية الحلم ومحتواه الباطن وآلية التعامل معه أي ردود فعل الشخص صبيحة اليوم التالي لحلم مزعج أو ُمفرح...
لنأخذ أحلام اليقظة على سبيل المثال أليست وسائل دفاع أولية يمكننا من خلالها أن نحقق في الحلم ما عجزنا عنه في الواقع؟ فكم من طفل يتعرض للتقريع من أحد فيتخيل نفسه في أحلام اليقظة بطلاً ينهال على خصمه بالضرب.
فكيف نأخذ هذه الوسيلة الدفاعية بالتفسير رغم أنها لا تعدو عن كونها تخيلاً حلماً في حين أننا نرفض الأخذ بحرفية الحلم؟

السبب وببساطة لأن "الأنا" هنا قد تدخلت في أحلام اليقظة وبالتالي فهناك جانباً واقعياً من الحلم كما أننا قد نلاحظ ردود فعل من جانب المنظومة الحسية والحركية كأن يركل الطفل أو يعرَق من شدة التوتر أو قد يضحك أو يصرخ ولكن ما الذي سيحصل لو كان هذا الطفل شديد الحساسية وغير ناضج انفعالياً أو لم تتح له فرصة التخيل؟ إنه بلا شك سيهرع إلى غرفته باكياً ولنفرض جدلاَ أن هذا الطفل ومن إثر بكائه تمكن منه النوم فحلم ذات الحلم الذي افترضناه في حالة اليقظة فماذا يمكننا أن نسمي هذا الحلم؟ وهل ساهم حلمه ذاك الحلم في التنفيس عن رغبة الطفل؟ وهل يعبر عن رغبة لديه برد اعتباره لذاته أو هل يعكس تقديره لذاته أم سنقول أنه ضغث حلم؟ والكثير من التساؤلات التي قد تخطر ببالنا كمحاولات منطقية لفهم آلية تجُسد الحلم.

إن القضية تُقاس بهذه البساطة فشحوب الطفل أئناء نومه أو توَرد وجنتيه أو تعرقه هي بلا شك ردود فعل فيزيولوجية ما كان لها أن تكون لو لم تتلقى أوامرها من الجهاز العصبي.
إذاً ليست أحلام ن هذا الحلم اليقظة فقط وسائل دفاعية بل الأحلام برمتها قد تكون وسائل دفاعية وذلك حسب تكوين الشخصية ونمط التربية والدليل على ذلك سؤالنا حول طبيعة أحلام بعض المشاهير سيكشف بما لا يرقى إليه الشك أن واقعهم كان ربما جزءاَ من تخيلاتهم وطموحاتهن.
ألم تكن توجهات موسوليني للسياسة لأنه نشأ يسمع لأبيه ولتفسيره للحلم الذي رآه؟
وما يؤكد أن الأحلام رمزية ولست حرفية هو حلم سيدنا إبراهيم وكيف هم بقتل ابنه إسماعيل لأنه حاول تنفيذ الحلم حرفياً فجاء عيد الأضحى تفسيراً رمزياً لحلم سيدنا إبراهيم.
في الأحلام عادة ما نكون على سجيتنا ونعبر عن أنفسنا بتلقائية فالحلم لا يراعي الأصول الاجتماعية، وهو وسيلة إسقاطيه نمارس فيه الخيال خيالاً ليس فيه إعمال كما في ممارسة الكتابة، والحالم في حلم النوم ليس كالحالم في حلم اليقظة لأن حلم اليقظة يتجه إلى الحاضر ويقدم مشاهد خيالية لأجواء مستقبلية أما حلم النوم ففيه التوجهات للماضي والمستقبل.

يمكننا القول أن الحلم يعطي روحاً جديدة لرغباتنا التي لم تتحقق في الماضي، أو التي ننشدها في الحاضر، كما وقد يشكل تصورات جديدة لمستقبلنا، وأخيراً يقوم الحلم بمهمة تنظيمها في بناء درامي فريد فتصبح أحلام كل منا جزءاً لاينفصل بحال من الأحوال عن شخصيته وكأن الأحلام هي تابلوهات متتابعة لدراما واحدة.

يتبع ........

// وأنّ حضورك في دمي مسكُ الختام //
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04082 seconds with 11 queries