عرض مشاركة واحدة
قديم 02/11/2008   #5
صبيّة و ست الصبايا sandra
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ sandra
sandra is offline
 
نورنا ب:
Dec 2007
مشاركات:
3,859

افتراضي


هل الأحلام صور عقلية لأفكار اليقظة؟

إن الأحلام مثل اللغة فاللغة تُجسَد الأفكار في حالة اليقظة، بينما الصور تُجسَدها بالأحلام، والدليل يكمن في التساؤل التالي: لماذا تظهر أفكارنا في النهار صورٌ حلمية ألا يعني ذلك أن لغة الفكر المرئية قد تكون صورة في الحلم؟

مما لاشك فيه أن الهلوسة في اليقظة تشبه إلى حد كبير الهلوسة في الحلم، فنحن نستيقظ أحياناً ولدينا شعور بانزعاج عضوي كأن نحسً مثلاَ بثقل في الرأس، أو باختناق وكل ذلك لكوننا متأثرين بصورةٍ حلمية استدعت تلك الاستجابة الفيزيولوجية التي تحدث نفسها أثناء اليقظة. فكم من شخص رأى أنه يقع فيصاب ويتألم في نومه ويُخيَل إليه أنه يحس بآلام في نفس المناطق التي تأذت في الحلم.

عندما نفكر في اليقظة فنحن نبحث عن تصوَر، وإن تصَور شيء ما أصله فكرة، فأنا لم أكن لأتصور أن أكتب هذا الموضوع لو لم أفكر فيه، وبالمقابل وأنا أفكر فيه كنت قد كونت تصوراً ذهنياً لما سأكتبه، وكيف سيتقبلَه القارئ، والكثير من التصورات التي كانت تجسيد لأفكار لم أكن لأتصورها لولا تفكيري فيها،
وعلى الرغم من كون المُدركات الحسية تشكَل مادتها الخام الأولى فأنا أفكر بتقبل الآخرين بكل حواسي، وكذلك يمكن أن تكون الأفكار على مستوى الذهن فقط، ومثال ذلك ما يحدث عندما نطلب من طفل ما أن يرسم لنا طبيعة وهو من سكان البادية مما لاشك في أن عناصر الفكرة التي طبعها على الورق هي ناتجة من أحد احتمالين الأول: في كون الطفل قد رأى منظراً للطبيعة فصَوره وحفظ الصورة البصرية في ذهنه فاستحضرها أو بضعاً منها حينما كان أبعد ما يكون عن الطبيعة.
والاحتمال الثاني: أن هذه الصورة التي رسمها الطفل ليس لها نسخة مطبوعة في منظومته الحسية والإدراكية وإنما صورة ذهنية خالصة بالضرورة. وعليه فإن عملية طبع الصور البصرية واستحضارها إلى ساحة الشعور هي عملية ذات وجهين الأول إدراكي حسي والثاني إدراكي ذهني وأن هذا الأخير هو ما يحدد بدقة دور العقل في تشكل الصور الُحلمية من حيث مادة الحلم والتي هي عبارة عن تصوَر لفكرة كما تُطرح الفكرة في اليقظة في هيئة كلمات تفيد التواصل بين الناس.

وربما تتضح الصورة أكثر إذا حللنا معنى "التصعيد" وهو ميكانيزم دفاعي كأن نطلب مثلاً من شاب لم يمارس الجنس ولكنه يعي حكماً التغيرات الفيزيولوجية التي أثرت بدورها على جهازه النفسي وجعلته يشعر بجملة من الحاجات الملحة والتي وفي كثير من الأحيان لا يكترث لها وأحيانا أخرى لشدة إلحاحها تبدو مخيفة وذلك حسب قدرته على التصعيد أو بالأحرى حسب الأنا الأعلى وقدرته على التعامل مع التطورات الجديدة بواقعية لا بمثالية كما هي عادتها.

ما يحدث في التصعيد أن نطلب من هذا الشاب أن ينظم الشعر الغزلي الذي يتغنى بالمرأة ومفاتنها فهل سألنا أنفسنا لماذا لم نطلب منه أن يقرأ الشعر الملحمي، أو يؤلف الرواية، أو يقرأ في السياسة؟
الجواب ببساطة لأن الشعر الغزلي يمثَل تنفيس لصور ذهنية تتابع في لاشعوره تكون مادتها الخام المرأة وبالتالي التغني بجمال جسد المرأة يبقى أسمى من ارتكاب الفاحشة." وجهة نظر شخصية قد لا تكون مقبولة اجتماعياً، أو دينياً، ولكن إن جاز لنا أن نقيم وهذه ليست مهمتنا بطبيعة الحال فيبقى الشعر الذي يتغنى بمفاتن المرأة أسلم على الأقل من سلوك آخر يُعدً هو الآخر مرفوض حكماً "

لنعد إلى آلية أحلام اليقظة ولنفترض أن هذا الشاب لا يقرض الشعر أفلا تعتبر أحلام اليقظة سجلات مذكراته التي يسطَر عليها أخيلة عشقه وصور غرائزه المدفونة؟
وهذا هو صلب هذه النظرية فكل منا قد حباه الله بقدرات مختلفة منها الموسيقية ومنها الرياضية ومنها اللغوية الخ...
ومما لاشك فيه أن تنوع هذه القدرات هو الذي يُغني الحياة الإنسانية فكل منا ينفَس عن مكنوناته بطريقته الخاصة فعالم النفس مثلاً لا يوصل أفكاره عن طريق الرياضة ولا الرقص ولكن فحسب من خلال مخاطبة العقل، وتُقاس حسب هذا المعيار القدرات الفردية الموروثة أو المكتسبة محولة الأفكار في صعيد الذهن بما يشبه الإحيائية إلى أشياء واقعية محسوسة وما يبدو هو أننا نحمل في لاشعورنا الاستجابة برد فعل معين حيال مثير معين.
ويبقى السؤال الجوهري في هذا كله أين يكون العقل في صورنا الحُلمية؟

مما تقدم نجد أن الحلم شأنه شأن الإبداعات التي يقوم بها كل منَا في مجاله وتعتبر الفردية لدى كل واحد فينا هي مايُناط بها ترجمة تلك الأحلام وتجسيدها على هيئة محسوسات، من خلال آلية تحول أفكارنا الذهنية حول مواضيع معينة إلى مواد حسية، و عليه فإن الحلم في ذلك يشبه واقع هؤلاء المبدعين.


ففي الحلم نتصور، وتُصاغ تصوراتنا في شكل صور حقيقية، ومن هنا تأتي خصوصية الحلم لدى كل منا والدليل الأكبر في ذلك أن أحلامنا لا تتشابه، حتى وإن تشابهت إبداعاتنا وطرق تنميتها، فأحلامنا لن تتشابه ولو كان الواقع غير ذلك لرأينا للرسامين ذات الأحلام ولافترضنا أن كل المجرمين لم يروا يوما وروداً في أحلامهم، ومن ذلك كله يمكننا القول بان كل حلم من أحلامنا لا يخلو من إبداعاتنا وتفردًنا، وهو في ذلك يتقاطع إلى حد كبير مع اليقظة من حيث كينونة الرغبات في مادته الفكرية، هنا فقط يمكننا أن ندرك سبب تأويل الأحلام وكيف أنها بفعل التأويل تتحول من رمزية إلى حرفية في الوقت الذي تُعد فيه أصلاَ رمزية لا حرفية.



// وأنّ حضورك في دمي مسكُ الختام //

آخر تعديل sandra يوم 02/11/2008 في 18:31.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05112 seconds with 11 queries