عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #29
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


معجم ل... »عبادة الشيطان«



إذا صدقنا الأقاويل فإن لبنان يشهد نمواً مذهلاً ل... »حزب الشيطان«. إنه تنظيم سري، ينتشر كالنار في الهشيم، يخترق المناطق والطوائف، يقيم طقوساً غرائبية، ويترك بصماته على جثث يتكاثر اكتشافها.
وفي حين يكتشف الحقوقيون ثغرات قانونية في التعاطي مع الظاهرة، ويتولى التلفزيون تضخيمها بلا مسؤولية، يغيب المسؤولون الأمنيون ومعهم المعنيون، سياسياً، بمخاطبة المواطنين. ويكاد المرء يعتقد أن هناك من هو مرتاح للذعر الجماعي الذي قد يبرّر مبالغات في تدابير الأمن، ويوفر ذرائع لممارسة الهيبة في غير محلها.
إن الوقائع التي تسند الأقاويل هزيلة إلى أبعد حد. ولذلك فإن السؤال الأول هو عن سر تلقف اللبنانيين للشائعة قبل أن يكون عن سر انصراف شبان قلائل إلى ممارسات خارجة عن المألوف.
قبل العودة إلى هذا »السر« لا بد من القول إن الشبان المعنيين يعيشون مع أهلهم، ومنذ فترة، في عالم ملؤه صراعات الآلهة والشياطين. ويكفي لهم أن يمارسوا قليلاً من الاهتمام بالأخبار حتى يقادوا، رغماً عنهم، إلى »مانوية« يصعب الفكاك منها.
تكاثرت في التظاهرات والكاريكاتورات صورة الشيطان. مرة على شكل أسامة بن لادن. ومرة على شكل جورج بوش. ومرة على شكل صدام حسين. وتعددت عناوين الكتب عن »صدام الحضارات« (البُعد الديني مؤكد)، و»نهاية التاريخ«، و»نهاية الإنسان«، و»نهاية الإيديولوجيا« وذلك في ما لا نهاية له من كتابات ومساجلات عن أننا لا نعيش بل نستمر في البقاء.
إن في الإمكان وضع معجم مصغر بالمصطلحات والتعابير التي تشكل الزاد اليومي الذي ننهل منه. هذه بعضها:
؟ »الأحادية القطبية«. يحيل هذا التوصيف للعالم إلى واقع استراتيجي. ولكن ليس صعباً أن نرى فيه أيضاً الإحالة الدينية إلى التوحيد. وتتصرف الدولة المعنية بهذا التعريف وكأنها قدر إلهي. فهي تملك أن تكافئ أو تعاقب. وهي ترتد على »مخلوقاتها« فتدمرها. وتحدد مواعيد الأجل لخصومها. وتهزأ من القدرة البشرية على مقاومتها ولو تجسّدت في عشرات ملايين المتظاهرين. ثم أنها موجودة في كل مكان وفي كل لحظة. تراقب الكون وتفاصيله، وتستمع إلى الهمسات، وتتدخل حيث تريد. وتتحدث عن مهمة تنتدب نفسها لها ليست أقل من إعادة صياغة حياة البشر جميعاً وذلك في وقت يعيش الناس، في مجال آخر، مخاوف الاستنساخ البشري.
؟ »العدوان الثلاثي«. المصطلح تطبيق على العراق لما حصل ضد مصر عام 56. ولكن رائحة دينية تفوح منه بفعل وجود أب جبار وابن مدلل وناطق فصيح. وتتأكد هذه الرائحة من البُعد التوراتي الموجود وراء هذا العدوان عند الداعين إليه. فالهدف منه، حسب رأيهم، تمكين اليهود وحدهم من أرض الميعاد بما يسمح بالتعجيل بعودة (أو بمجيء، لا فرق) المسيح.
؟ »دمار شامل«. إنها الأسلحة التي يُقال عنها موضوعاً للحرب. ولكن هل قدّر أحد مفعول تكرار »دمار شامل« على العقول عشرات المرات في اليوم. ليس غريباً، والحالة هذه، أن يقفز البعض إلى الاستنتاج بأن يوم الحشر قريب وأننا نعيش عشية »أرماجدون«. يمكن للانتحار، بهذا المعنى، أن يصبح، طالما المفهوم دارج، »فعلاً استباقياً«، أو، لنقل، »فعلاً اختيارياً« يحدد فيه المرء مصيره بدل أن ينتظره وهو لا يملك رداً له.
؟ »محور الشر«. عشنا جميعاً منذ سنة ونيف نعلك الكلمتين. اكتشفنا، أخيراً، أن الذي صك المصطلح كان اقترح »محور الكراهية«. غير أن جورج بوش فضّل »محور الشر« ليس تيمناً ب»أمبراطورية الشر« الريغانية فحسب بل لأنه وجد العبارة »أكثر لاهوتية«. ويعلّق الكاتب البريطاني مارتين امبس على ذلك بقوله: »رفع بوش الصراع إلى المستوى اللاهوتي لأن ذلك يسمح له أن يكون غبياً«. ففي عالم اللاهوت لا يعود الذكاء مطلوباً لفهم ما يجري. الإيمان وحده يكفي. على أن الإيمان هنا يصطدم، تعريفاً، بإيمان آخر.
؟ »صراع الخير والشر«. بوش، إياه، هو صاحب النظرية. وهي تشبه، شبه النقطة للنقطة، نظرية بن لادن بانقسام العالم إلى »فسطاطين«. لعبة مرايا من الطراز الأول. وهي لعبة لسنا مدعوين إلى فهمها. إن الرئيس الأميركي غير مهتم بمن يفهم عليه لأن ما يقوم به يتضمن حكمة إلهية ستنكشف لاحقاً للجهلة. يؤكد مقربون منه أنه يتصرف »بإلهام رباني كما لو أن الله حدّد له الأجندة« (جيم كودي، أصولي مسيحي. في واشنطن بوست). إن الله، حسب كودي، »يختار القادة«. ويشرح أصولي آخر، ستيف كلارك، »إن الله يختار، في أوقات محددة شخصاً لإيداعه وصيته«. وبوش يصدق، كما سنرى لاحقاً، إنه »رجل الله المختار«. أسامة بن لادن يصدق، أيضاً، أن الله (نفسه؟) اختاره لمحاربة... بوش. والله أعلم.
؟ »لا نهائية الصراع«. هذا مفهوم ديني بامتياز. والقصد منه التذكير أن القيامة وحدها تضع حداً للنزاع. وظيفة الأنبياء، والحالة هذه، هي شحذ همم الخير في محطات تاريخية. يكاد بوش يعتبر نفسه واحداً منهم ففي رأيه: »إن الحرب مع القاعدة بدأت ولكنها لن تنتهي إلا بعد أن نكون وجدنا كل مجموعة إرهابية ذات بُعد عالمي وأوقفناها وهزمناها«. إنها حرب إلى الأبد إذاً. وينقل بوب وودوارد أن هناك من سأل بوش: »ماذا لو بقينا وحدنا أحياء؟«. أجاب: »لا بأس بالنسبة لي. نحن أميركا«. قال ذلك دون أن يشعر بالرعب الذي انتاب نورمان ميلر (العدد الأخير من نيويورك ريفيو أوف بوكس) من وراء فكرة الصراع اللامتناهي. كتب: »كل الحروب التي عرفناها سابقاً، ومهما كانت مريعة، تقدم، على الأقل، وعداً أنها ستنتهي«. إلا حروب بوش.؟ »العدو الهلامي«. أسامة بن لادن شخص شبه ميتافيزيقي. حاضر غائب. يدير شبكة غير منظورة. الصورة الأبقى عنه هي صورة الدمار القادم من السماء. غير أن الولايات المتحدة »كائن« حقيقي، مادي، ملموس. إنها تحتاج، في معاركها، إلى دمج مستمر بين التجسيد الهلامي للخطر وبين »كائن« آخر. ولذا يمرّغ مسؤولو أميركا أخلاقهم بالوحل وهم يؤكدون صلة الوصل بين بن لادن والعراق. بين بن لادن وإيران. ولمَ لا... بين بن لادن وكوريا؟
؟ »تنفيذ الإرادة الإلهية«. يتبارى كل من بن لادن وجورج بوش في تقديم نفسه، كأنه مجرد »عميل« ينفذ، كالماشي في نومه، رغبات تتجاوزه كثيراً. إنه نوع من مندوب سام لعناية إلهية. خاطب بوش، قبل أشهر، وفداً من »المولودين ثانية«. قال لهم: »لقد كان حرياً بي أن أكون، الآن، في بار تكساسي لا في المكتب البيضاوي. ثمة سبب واحد لوجودي في المكتب البيضاوي وليس في بار: لقد صادفت الإيمان. لقد صادفت الله. أنا هنا بقوة الصلاة« (من كتاب »الرجل المناسب«، سيرة حياة جورج بوش بقلم ديفيد فروم، الكاتب السابق لخطابات الرئيس). طبعاً إنه موجود في البيت الأبيض لأنه ابن سلالة حاكمة ولأن التزوير ساعد العناية الإلهية ولأن أرباب عمل أرادوا ذلك، غير أنه مقتنع أن هذه »الصدف« خدمت وضع »الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب«. وبما أن الله، حسب بوش، هو »وراء الحرية الممنوحة للعالم« فإنه، كرئيس، لن يقدم كشف حساب في هذه الدنيا لا لمواطنيه ولا، من باب أولى، لغيرهم. إنه لا يقرّر بل ينفذ، مثل النبي موسى، تعليمات هبطت عليه من علياء. ليس غريباً، والحالة هذه، القول إن »معجزة« فقط تستطيع رده عمّا يعتزمه. إن الله، في اعتقاده، هو من »كتب لي حياتي«. وهكذا فإن على من يريد مساءلته أن يتوجه إلى عنوان آخر غير البيت الأبيض.
؟ »من ليس معنا فهو ضدنا«. تكتسب هذه الجملة معنى بحسب أن قائلها بوش أو بن لادن. لكنها، في الحالين، تعدم التمايز وتحيله إلى شبهة وتهمة. من يختلف مع الأول يصبح »لا وطنياً«، ومع الثاني »كافراً« (مثل الحكم الاشتراكي في بغداد و... عدن!). المعارض مكانه في الغولاغ أو في غوانتامو. والمحتج مريض نفسي. ويصل الأمر في أميركا حد اضطهاد شخص لأنه تجرأ على لبس قميص تحمل عبارات رافضة للحرب.
* * *
لنتخيّل جيلاً يدخل الحياة سابحاً في هذه المفاهيم. لنتخيّل رغبة عند فتى أو فتاة في قدر من غير المألوف. لنتخيّل شرطة أخلاقية تبحث عن دور. لنتخيّل رجال دين في أدوار »نازعي الأرواح الشريرة«. لنتخيّل مجتمعاً مأزوماً لا يجد لغة التعبير عن مآزقه ولا سبل حلها. لنتخيّل مشهد الموت اليومي في فلسطين. لنتخيّل التوزع بين اشتهاء الحياة الأميركية وبين التشفي بالصدمة العدمية للبرجين... لنضف إلى ذلك أزمات شخصية، ونزعات تمرد مقموعة، وميلا إلى تطلّب التماثل والانضواء...
إذا فعلنا ذلك ربما فهمنا وجود أفراد غير أسوياء. ولكننا بالتأكيد سنفهم سر الصدى الذي يحدثونه في مجتمع يتلقف كل شائعة ويحولها إلى تجسيد لخطر داهم يحدق به هو في الواقع »ظل« للخطر الفعلي.

11/3/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04668 seconds with 11 queries