عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #36
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


لعله من المناسب التوقف قليلا أمام آخر ما كتبه محفوظ «أصداء السيرة الذاتية».. تري هل عمد «محفوظ» إلي إسقاط نظرية «فيليب لوجون» التي تقول بأن مرجعية الأنا في السيرة الذاتية معصومة من الوقوع في دائرة التخييل متي تحقق التطابق بين الهويات الثلاث: هوية المؤلف والراوي والشخصية؟
ربما عمدا خلط «محفوظ» بين المرجعي والمتخيل، وتنصل من مسئولية السير الذاتية التي يلزمها قدر غير قليل من الجرأة والصراحة والوضوح ربما إلي حد التعري!
يتذكر المتابع لأحاديث الكاتب الصحفية مقولته في صحيفة «أخبار الأدب» إن سبب الإقبال علي جنس «السيرة الذاتية» أن أصبح الأدب معقدا غير مفهوم للقارئ، بينما السيرة كلام واضح عن حياة الناس.
فيما يقول «محفوظ» مرارا إن شخصية «كمال» في «زقازق المدق» هي شخصيته وآراؤه، وأن ما كتبه من رواياته حول بعض الأماكن والشخصيات، هي في الحقيقة جزء من سيرته، ورجم لحيرة وقلق يثقلان الكاتب من خلال علاقته بتلك الأماكن والشخصيات فتبدو لك الروايات بما تتضمنها من شخصيات هي سيرة ذاتية بمعني ما.
أما وقد هم الكاتب لكتابة «السيرة»، الطريف أن بدت أكثر غموضا ولم يفصل بين الذاتي والمرجعي والتخيلي والوهمي.. بدا وكأنه عمدا لا يريد أن يكون هكذا صريحا وواضحا، وكأنه بدا جريئا في قوله أثناء الكتابة الروائية أكثر منها وهو يكتب السيرة، خصوصا أنه يعلم أن قارئ السيرة لا يضع احتمالات الصدق أو الكذب فيما يستنتجه أو يقرؤه.
لقد أبدع الكاتب شخصية «عبدربه التائه» لتلعب دور الرابط والروائي في العمل/ الأعمال. كان أول ظهور بالرقم أو الحكاية رقم 5:
«ولد تايه يا ولاد الحلال
ولما سئل عن أوصاف الولد المفقود قال:
فقدته منذ أكثر من سبعين عاما فغابت عني جميع أوصافه»
ثم نتوقف أمام الحكاية رقم 9 التي تعطي مؤشرات كثيرة لكل السيرة وهي بعنوان «الخلود».
«قال الشيخ عبدربه التايه:
وقفت أمام المقام الشريف اسأل الله الصحة وطول العمر. دنا مني متسول عجوز مهلهل الثياب وسألني: هل تتمني طول العمر حقا؟ فقلت في إيجاز من لا يود الحديث معه:
ـ من ذا الذي لا يتمني ذلك؟
ـ فقدم لي حقا صغيرا مغلقا وقال:
إليك طعم الخلود لن يكابد الموت من يذوقه.
فابتسمت باستهانة فقال:
ـ لقد تناولته منذ آلاف السنين ومازلت أنوء بحمل أعباء الحياة جيلا بعد جيل.
فغمغمت هازئا.
ـ يالك من رجل سعيد.
فقال بوجوم:
ـ هذا قول من لم يعان كر العصور وتعاقب الأحوال ونمو المعارف ورحيل الأحبة ودفن الأحفاد.
فتساءلت مجاريا خياله الغريب.
ـ تري من تكون في رجال الدهر؟
فأجاب بأسي:
ـ كنت سيد الوجود ألم تر تمثالي العظيم؟ ومع كل شروق أبكي أيامي الضائعة وبلداني الذاهبة وآلهتي الغائبة.
تبدو الحكاية وكأنها حلم يكابد التلاشي، وتحمل في مضامينها مفاهيم «الخلود»، «نمو المعارف»، «أعباء الحياء»، في مقابل «دفن الأحفاء» إنها المكابدة بين طريقين يعيشهما الإنسان علي الأرض، معهما وبهما يكون الصراع والمقاومة.
وإذا أضفنا بعض المقولات المبعثرة هنا وهناك.. أمثال أقواله:
«لقد فتح باب اللانهاية عندما قال «أفلا تعقلون» من رقم 10
«إن مسك الشك فانظر في المرآة نفسك مليا» من رقم 12
«جوهران موكلان بالباب الذهبي يقولان للطارق تقدم فلا مفر هما الحب والموت» رقم 15
«عندما يلم الموت بالآخر يذكرنا بأننا مازلنا نمرح في نعمة الحياة» رقم 16
ثم إذا ما تأملنا عناوين الحكايات بالأرقام: دعاء ـ رثاء ـ دين قديم ـ السعادة ـ الطرب ـ الفتنة ـ الأشباح ـ المرح ـ التحدي ـ المطر ـ التوبة ـ التسبيح ـ ليلة القدر ـ الحياة ـ الفتنة ـ الندم ـ الذكري ـ الندم ـ السؤال..


ففي الفقرات أو الجمل المنتقاة عفوا والعناوين قدر واضح من التأمل، الوعي بالمخاطب وثقافته، النزعة الصوفية والتي هي غالبة علي كل النزعات فكرا وسردا، الألف ولام التعريف التي تعني التحديد والقصيدة لعناوين أغلب بل معظم العناوين، وغيرها من الملامح والشواهد، والتي نري معها أن «نجيب محفوظ» كان مدركا لعنوانه «أصداء السيرة الذاتية»، فلم يكتب «السيرة الذاتية» وهو المدرك تماما لخصائصها ولكنه لم يشأ أن يكتبها بل يكتب يحول الخبرة العمرية وأصداء التجارب التي عاشها، فلم يكن «التخييل» الذي قالت به الناقدة «جليلة طريطر» محاولة واعية من الكاتب للتجاوز، بقدر أن منهجية الكاتب أصلا لم تكن «كتابة السيرة الذاتية»!! وما حكاية «الخلود» إلا نموذجا مختارا لتأكيد ذلك، بل واختيار تلك الشخصية الدرامية الرامزة «عبدربه التايه» كرابط درامي وإطار تتحرك حوله وبه الأفكار التي تبناها الكاتب للتعبير عنها من وحي حكمة الأيام وخبرة السنين، والتي تحمل في ثناياها حكمة الأيام وخبرة السنين التي تري وتفعل للمقاومة وإن علت روح الإيقاع الصوفي، أليست الصوفية في مرحلة ما وبفهم ما، هي طريقا ما للمقاومة الفردية وشكلا من أشكال «المقاومة السلبية»؟ (فكم من المجموعات الصوفية ترفض العزلة وتدعو للعمل بين الناس)


أخيرا..


لقد تساءل البعض ذات مرة «الأدب المقاوم» أدب فاعل أم أدب منفعل؟ إذا كان «أدب المقاومة» هو الأدب المعبر عن الذات الجمعية، الواعية بهويتها، المتطلعة إلي حريتها في مواجهة الآخر العدواني.. أي أن المقاومة هي تعضيد الذات الجمعية والبحث عن عناصر قوتها، ثم البحث عن عناصر ضعفها لتلافيها، وبالتالي الاستعداد لمواجهة الآخر المعتدي. أدب المقاومة يبدأ قبل ممارسة العنف أو الصراع مع الآخر العدواني.. يبدأ بالذات، لذا كان أدب المقاومة معنيا بقضايا: الهوية والحرية والأرض والانتماء، وبقضايا الحياة الكريمة للإنسان وفي جانب منه الاهتمام بالتجربة الحربية (التي توافرت في عدد من روايات محفوظ من خلال معايشتها مع المدنيين، وأثرها علي الناس العادية، وهو جانب مهم في التعبير عن التجربة الحربية، كما في رواية «خان الخليلي»).
إذا كان الأمر كذلك فتعد روايات «نجيب محفوظ» كاشفة عن البعد المقاوم في الأدب، وفاعلة من أجل تقوية الذات الجمعية بكشف الخفي والمسكوت عنه والسلبي، وبالتالي رصد الأحداث وإبراز أكثرها تأثيرا علي الناس، هي دعوة للانتباه، والانتماء، والحرية، والخلاص.. أليس من صفات أدب المقاومة أنه ذاكرة للأمم والشعوب.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05167 seconds with 11 queries