الموضوع: هيفاء بيطار
عرض مشاركة واحدة
قديم 07/12/2007   #24
شب و شيخ الشباب Moonlights
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Moonlights
Moonlights is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
فوق جبل بعييييييد
مشاركات:
263

افتراضي صعقة حب د. هيفاء بيطار


التقته في نيويورك, أثناء زيارتها لأختها, كنت وحدي أعرف سبب سفرها وأشجعها عليه, شفاء من حب عشش في روحها طويلاً وانتهى بالغدر, حاولت أن أقنعها دوماً بأن الحب الذي ينتهي بالغدر ر يصح أن يسمى حباً على الإطلاق, وكانت تجيبني وسط دموعها: كيف سأتخلص من مخزون سنتين ونصف من الذكريات الرائعة؟ فأقول لها باستخفاف أحاول جاهدة توصيله كاملاً إليها: أنت تبالغين, بالتأكيد ليست ذكريات رائعة, لأنها زائفة, فحبيبك لم يستحق حبك وإخلاصك بل تخلى عنك في أول فرصة ليبيع نفسه لفتاة ثرية تختصر أمامه سنوات من الكفاح.
ما كانت تخجل أن تبوح أمامي بكل شيء, فأنا صديقة الطفولة والشباب والدراسة, كانت تتمنى لو يترك خطيبته الثرية ويعود إليها, ستغفر له, وكان ضعفها يغضبني, خلافنا الحاد كان حول مفهوم الكرامة في الحب, كنت أثور عليها وأصرخ قائلة: كيف تقبلين الرجوع إليه إذا ترك خطيبته؟ فترد بانكسار, كل واحد معرض للغواية, المحب هو الذي يغفر, واحتد قائلة: هناك أخطاء غير قابلة للغفران, لأنها تكشف معدن الشخص, واختياره وقيمه, خطيبك لم يخطئ بحقك من غير قصد بل اختار المال, تركك من أجل فتاة ثرية.
تقول باستسلام : معك حق, ولكن, يختنق صوتها وتهمس: أنا أحبه.
طوال حياتي لم استطع فهم الحب كمرض, الحب يجب ألا يكسر فينا الكرامة والمشاعر الجميلة يجب ألا يحني رقابنا ويحرق عيوننا بالدموع, وحين اقترحت عليها أن تتخلص من صورهما ورسائلهما لتساعد نفسها على النسيان, رفضت, وقالت: لا أستطيع تمزيق سنتين من حياتي.
كتبت لي في الطائرة بأنها لم تتوقف عن البكاء في الجو, وبأنها ندمت كونها سمعت نصيحتي وسافرت, ليس أصعب من اصطحاب جراحنا الطازجة في أسفارنا, قالت إن ألمها يسلخها عن إحساسها بكل شيء جميل, وبأنها تحار كيف ستقضي تلك الأسابيع مع أخيها في نيويورك.

وصلتني رسالتها بعد عشرة أيام من سفرها, ماذا عساني أقول أكثر مما قلت لها, قررت ألا أرد على رسالتها, فقد تحمل كلماتي رائحة حبها المغدور, تشعرها أكثر بسخونة ذكرياتها الملتهبة التي كنت وسيطة في قسم كبير منها, كنت أومن أن أفضل طريقة للنسيان هي أن يقذف الإنسان بنفسه في جو جديد وغريب, دون شفقة على روحه, يترك الأمواج تتقاذفه فإما أن يشفى ويكون جديراً بالحياة الجديدة أو ينهار.

بعد ثلاثة أسابيع من سفرها, تلقيت منها هاتفاً أيقظني قبل الفجر.

هوى قلبي وأنا أسمع صوتها, حاصرتني عشرات الاحتمالات السيئة, اعتذرت مني على الإزعاج, وأسرعت تطمئنني أنها بحالة ممتازة, وبأنها التقت بالشاب الذي يستحقها, حدثتني عنه, صديق لأخيها طبيب أمراض عصبية, مغترب في نيويورك منذ عشر سنين, قالت بأنها التقته ليلة وصولها, وبأن لقاءاتهما تكررت وصارحها برغبته بالارتباط بها, قالت بأنها لم تستطع منع نفسها عن شكري, لأنني كنت السبب الرئيسي في سفرها.

لم تنسَ أن تطمئن عليّ, وأن ترسل سلامها الحار لخطيبي الذي أصبحت تربطها به صداقة بسبب متانة صداقتنا.

مددت إقامتها في نيويورك أسبوعين آخرين, وحين عادت كانت مختلفة تماماً, مشرقة , هائجة بالسعادة, تعجز عن ضبط ابتسامتها, متفائلة لأنها اكتشفت إكسير السعادة الأبدية, وحين حاولت أن أجسّ ندبة حبها القديم قالت ضاحكة: أحس أنه بعيد بعيد, لكأنني انفصلت عنه منذ سنوات.

كانا قد اتفقا على الخطبة والزواج والعيش الدائم في نيويورك, وكانت سعادتها تفيض فتفاجئني بقبلات طائشة وهي تقول: صدري لا يتسع لتلك السعادة, أكاد لا أصدق ما حصل معي.

بذرة شك ظلت تنخر في عقلي, شيء ما في قصة صديقتي لا يقنعني, ترى ما هو؟ ألا يحتمل أن تكون عواطفها العاصفة تجاه حبيبها الجديد كتعويض عن فشل حبها القديم الذي لم تترك لذاكرتها فرصة لنسيانه, وهل هو أحبها حقاً, أم يبحث عن زوجة من بلده؟

هل تقصدت أن تخفي عني موعد وصوله, وأرادت أن تفاجئني بحضوره في مكان عملي, كغرامها الدائم بالمفاجآت, كنت أجلس وراء طاولة مكتبي أدقق في قياسات الطرق التي أجريتها الأسبوع الماضي مع طاقم المكتب الهندسي, حين أطلت كعادتها مشرقة تسبقها رائحة عطرها الكثيفة, قالت وهي تتأبط ذراع شاب طويل نحيل: أقدمه لك, عدنان, التفتت إليه وقدمتني له: مناة صديقتي المفضلة.

تصافحنا بآلية, لكن عيوننا اشتبكت بنظرة طويلة, عجزنا عن فكها, نظرة تجسدت للحال بشكل طوق محكم, أطبق علينا ووقعنا أنا وهو أسيرين فيه, أحسست ما يشبه الصعقة وأنا أنظر إليه, أظنه عانى من الإحساس ذاته, لأنه لم يستطع إخفاء تعكر صفحة وجهه, والاحمرار المفاجئ والشديد في أذنيه, قلت ما يجب قوله: أهلاً! تفضلا بالجلوس.

كنت شهدت ولادة زخم من المشاعر المباغتة في نفسي لا أعرف سببها, كيف حرّض بي هذا الرجل تلك الفتن كلها؟ لماذا تزلزلت الأرض الميتة تحت قدمي؟ لماذا انهارت فجأة الحصون والحدود كلها بيني وبين هذا الغريب, فغدونا شجرتين عاريتين متقابلتين غير آبهتين بالرياح والصواعق, والفؤوس التي تهدد الجذوع والأغصان بالبتر.

أنا التي كنت أباهى بدقة اختياراتي, وبذالك الانسجام الموفق بين العقل والقلب, ما الذي عبث بي وهزّني هكذا؟! لاحظنا بدهشة أننا نلبس الطوق الذهبي نفسه, سلسلة ذهبية تنتهي بمكعب صغير من الذهب, مكعب مصقول, لا نقوش فيه ولا رموز ولا أحرف.

دارينا ارتباكنا بضحكة, لم أتوقع أبداً أن ألتقي بإنسان يحمل مكعبي, رفاقي كانوا يسخرون من هذا المكعب ويسألونني عن معناه؟ فأقول بغرور شارحة وجهة نظري: أنا ألبس الذهب لأنه ذهب, أحتقر أن يصير الذهب رمزاً, أي معنى لصليب من ذهب مرصع بالألماس! الصليب كان من خشب, ترى ما دلالة أن يلبس هذا الغريب مكعبي ذاته, خصوصيتي ذاتها, ألا يعتبر هذا المكعب بمثابة إشارة أو إنذار لأمور غير معلنة بعد, سوف تعلن.

أعرب عن دهشته قائلاً: عجباً كلانا يحمل المكعب ذاته.

سألته: هل اشتريته, أم قدمه لك أحد الأصدقاء هدية؟

قال أبداً, أنا اشتريته لأنني اعتقد أن الذهب هو الذهب, هو ذلك المعدن الأصفر الملعون, سلاح إبليس, على فكرة, لا أملك قطعة ذهب سواه.

عادت نظراتنا إلى التشابك المعقد, ثمة طرقات عذراء تتكشف لي فيها مفاجآت رائعة, يطلعني عليها حدس أكيد, أحسست بوجهه يلتهب, ماذا لو امتدت يدي لتلامس خده ألن تسري فينا كهرباء؟! كيف تحصل هذه الأمور؟ أي قوى تسخر منا نحن الثلاثة, بل نحن الأربعة, يبدو أنني نسيت خطيبي, الذي يفترض أن أتزوجه حالما ينتهي النجار من إنجاز أثاث بيتنا.

أحضر الآذن القهوة, كان من عادتي رشف القهوة من الفنجان وإعادته إلى الطاولة وليس إلى صحنه الأبدي, من جديد أربكتنا المفاجأة: كلانا يشرب القهوة من الفنجان ولا يعيده إلى مكانه آمناً, لماذا نقترب بتلك السرعة في حقل الألغام, غير المسموح بالدخول إليه؟ ازدادت الكهرباء بيننا, أخذ جسدي يرشح عرقاً حاراً, حدثت نفسي أني ما عدت متأكدة من شيء, وبأن زمام أموري أفلت من يدي, أدهشني لن تكون آثار هذا اللقاء رهيبة إلى هذا الحد, لأنني بعد انصرافها أخرجت مرآتي الصغيرة من حقيبتي ونظرت في وجهي, كانت ملامحي العادية هي ذاتها, لكن وجهي ليس وجهي, فيه شيء لا يشبهنني, ثمة إرهاق عميق يلوح من عيني, لكن لمعاناً غريباً يشع منهما أيضاً!

أهي صعقة الحب التي أسمع عنها وكنت أسخر منها؟ ما باله خطيبي تحول بلمح البصر إلى دخان, إلى رجل من ضباب, لا تربطني به علاقة عمرها سنة.

لكن عجباً ألم أكن مقتنعة أنه اختيار عقلي وقلبي مجتمعين ؟! لماذا أشعر بأن كل شيء باطل, وبأنني لم أختر سواه, سوى هذا الغريب الذي يلبس مكعبي الذهبي الفريد, ويشرب القهوة بالطريقة التي أشربها بها, محرراً الفنجان من أسر صحنه الأبدي!

دعتني صديقتي أنا وخطيبي إلى العشاء في اليوم الذي قدمتني لخطيبها, حاولت أن أسترخي طوال فترة العصر, وأعتبر أن ما أحسسته سخف ووهم, وأن خطيبي هو الرجل المناسب لي الذي خبرته طوال عام, يا إلهي ما أبرع العقل في تنفيذ الحجج المنطقية, لكن المرآة فضحتني إذ عكست لي رغبتي اللامحدودة لأبدو في أجمل صوري, عارفة بخبث المرأة الأزلي أنني أتزين لأجله هو, خطيب صديقتي .

لم أستطع مقاومة شعور الإثم طوال السهرة, كل لحظة كانت تؤكد لي حقيقة انجذابنا المدمر, هو بدوره كان يجاهد كي يحرف أنظاره عن وجهي, كانت نظراته تداعب شعري بأصابع من هواء, كان يحفظ ملامحي وشماً في ذاكرته, كي يستعيدني على مهل بعد انتهاء السهرة.

ببساطة علقت صديقتي : كنت أعرف أن مناة سوف تعجبك, قالت لي : لم يكف عن السؤال عنك.

كشفت نظرتي بشكل مباغت عن حمى حب جديد ومباغت, كنت أبذل جهداً غير صادق لمقاومته, وحين عدت إلى البيت يرافقني خطيبي – كما يفترض – تركت يدي باردة فاقدة الشعور تستسلم يائسة ليده, عارفة منذ اللحظة أن الحياة لن تدب فيها بعد الآن أبداً في يد خطيب, ولم أمانع بقوة الهزيمة أن أقدم له شفتين من حطب, كانت تلك أتعس قبلة في حياتي, أحسست أثناءها أنني أخون نفسي, وأخون الغريب.

حاولت أن أرفق بنفسي, وأحلل بمنطق ما حصل معي, أهي جاذبية الغرباء؟ لكن ما معنى هذا الكلام؟ ألا يفترض أنني أحب خطيبي؟ لكن هل أحببته حقاً؟ أم أنني أجده زوجاً مناسباً, فالزواج ضريبة على كل فتاة وشاب, وهكذا نمارسه هنا, في الأحوال كلها سأتزوجه, وستتزوج صديقتي خطيبها الذي جعل قلبي يرتجف.

دخنت سيجارة, وأنا أهدأ شيئاً فشيئاً مراقبة تبدد سحب دخانها, موحية لنفسي أن ما أحسسته ليس سوى عاصفة في فنجان, مؤكدة لنفسي المهتزة أن المخطوبين والمتزوجين كلهم يتعرضون لأشياء مشابهة, وأنه لولا الإلتزام لانهارت العلاقات كلها, ولم أتورع عن تهنئة نفسي على شجاعتي بتبادل القبل مع خطيبي رغم حمى الحب المفاجئ التي أصابتني مع الغريب, لكن لماذا دموعي تنهمر بغزارة الشلال, ويرتعش كتفاي بقوة من الإنفعال؟ من يقدر أن يزلزل الإنسان هكذا, سواه الحب.

المرآة وحدها تكشف حقيقتنا, قالت لي وأنا أمسح الماكياج الذائب على وجهي : أنت عاشقة حتى النخاع.

كانت صديقتي تستعد لطقوس الخطبة, الفستان البديع الذي تخيطه عند أشهر خياط في المدينة, بطاقات الدعوة للأصدقاء والأقارب إلى حفل الخطبة في فندق, كل شيء حولي كان حقيقة, لكني لم أكن أصدق شيئاً, غادرني يقيني بكل شيء, تمنيت ألا ينتهي النجار من إنجاز أثاث البيت الذي سيجمعني مع خطيب تحول بقوةٍ سحريةٍ إلى رجلٍ غريبٍ لا يعنيني في سيء.

أخذت أفكر جدياً بفك ارتباطي به, لا أستطيع خداعه, سأتركه وسأداوي نفسي من حبي للغريب, من نوبات البكاء المفاجئة حتى وأنا أقيس الطرقات في الريف, وأسجل الأرقام في الدفتر.

تكررت اللقاءات بحكم صداقتي المتينة مع صديقتي, خطيبي كان يرافقني أغلب الأحيان, وحدنا – أنا وهو – كنا نعرف تورطنا الجميل والحرج, أصبحت عيناه تحاصرني, إنه ينتظر أملاً أو تشجيعاً, وأنا أغرقته بحنان ضائع لا هدف له.

أسبوعان من العراك الضاري مع ذاتي جعلاني مقتنعة تماماً بوجوب الانفصال عن خطيبي, لكني قررت الانفصال عنه بعد أن تتم خطبة صديقتي, هكذا أرضي ضميري, وأتحرر من مشاعر الإثم شديدة الوطأة, أرضاني هذا الحل, وقررت التواري, صرت أتعلل لصديقتي بمشاغل وهمية كي لا ألتقي خطيبها, وأعتذر بالحجة الأبدية لنهاية كل علاقة حب: الصداع, لكنه فاجأني قبل موعد خطبته بأيام في مكتبي, وقف في وسط الغرفة صامتاً دون أن يلقي تحية الصباح, واضح أنه مشهد متألم, واضح أنه عاشق, أخذ قلبي يتسارع نشوة وسعادة وأنا أتأمله, همست لنفسي كم أحبه, تأمل كل منا المكعب الذهبي المعلق في عنق الآخر, مكعب صغير كان في تلك اللحظة فضاءنا المشترك, حينا الأخرس الذي حاولنا إجهاضه, لكنه أبى أن يموت قبل لحظة مواجهة.

قلت له بافتعالٍ: أهلاً تفضل بالجلوس, لماذا خطيبتك ليست برفقتك؟

رمقني بعتاب قائلاً: أظنك تعرفين أنني تقصدت أن أكون وحيداً, وتعرفين لماذا أتيت!

فتشت عن الكلمات, يبدو أن الموقف ما كان يتحمل زيفاً ولا مجاملة, تابع كلامه بصوتٍ ضمنه الحزن: لا معنى لسفري من دونك.

باغتتني جملته الجريئة: ماذا تعني, ألن تتم خطبتك؟!

قال بصوت قطعي:لا, يستحيل أن تتم, إنما خسارة أن أسافر من دونك, أنا أطلب منك.

قاطعته: مهلاً, مهلاً, هل فكرت كم سنسبب جرحاً لأعز الناس إلى قلوبنا, طعنة الغدر لا أقدر عليها, لم أتخيل يوماً أن أطعن أعز صديقة إلي هكذا, وذلك الشاب المسكين.

قاطعني: الطعنة الحقيقية ستكون لذلك الشعور الرائع الذي ولد بيننا من أول لحظة, وتأكد لحظة بعد لحظة, انظري في عيني وقولي لي لا أحبك أنصرف للحال, انسكبت دموعي تأثراً من لهجة صوته ربما, وليس كلماته, امتدت يده تمسح وجهي برفق متحسسة بشرتي الندية, قال لي وأنا مغمضة العينين تبتلعني دوائر صوته المتكاثرة:

-لا تترددي بمباركة هجرة روحك إلى حيث ترغبين.

تركت خدي يرتاح على راحته, كنت أغرق في الحنين وأنا أتساءل ما معنى حياتي من دونه.

We ask the Syrian government to stop banning Akhawia and all Syrian sites

القمر بيضوّي عالناس
والناس بيتقاتلوا .
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.73302 seconds with 11 queries