الموضوع: وليد معماري
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/10/2009   #23
شب و شيخ الشباب mhsen77
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ mhsen77
mhsen77 is offline
 
نورنا ب:
Nov 2008
المطرح:
بين البيت و الشغل ما عم افضى لشي تاني
مشاركات:
1,497

إرسال خطاب MSN إلى mhsen77 إرسال خطاب Yahoo إلى mhsen77
افتراضي


وراثة الصلع



بدأتُ القراءة الحرّة الرديفة للكتب المدرسيّة في سن مبكرة، في الصف الثالث تحديداً.. وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي توقيتاً، وفي مدرسة رسمية مجانية، داخل سور دمشق العتيد.. وأقصى ما كان ولي التلميذ يدفعه كمساهمة في صندوق النشاط المدرسي هو أربع ليرات في السنة عن الولد الواحد.. وست ليرات عن أخوين في المدرسة، وسبع ليرات عن ثلاثة أخوة!...



وأما مكتبة المدرسة فكانت مليئة بالكتب.. وكان المعلمون يشجعوننا على الاستعارة، ثم يناقشوننا فيما نقرأ... ثم تضاف للمستعيرين القارئين المستوعبين علامات إضافية... وأظن، حسب ما تسعفني به الذاكرة، أن ثمة ميزانية سنوية كانت مخصصة لرفد المكتبة... واستمرت عادتي في استعارة الكتب ومن أسف أن مثل هذا الأمر لم يعد موجوداً لا في المدارس الرسمية، ولا في المدارس الخاصة.. بل ربما المكتبة المدرسية ذاتها لم تعد موجودة..



ويقيني أن الكتب المدرسية تعطي طالب العلم المفاتيح الضرورية وحسب، لدخول عالم الثقافة.. وأما الثقافة الحقيقية، فيمكن لأي امرئ، أتقن القراءة، أن يحصّلها، سواء بقي في المدرسة، وحاز على شهادات، أو بقي دون شهادات.. فالشهادة شيء.. والثقافة شيء آخر..



وأمامي الآن أرقام مرعبة حول أحوال القراءة في العالم العربي، تقول أن عدد الأمّيين في عالم: "أمجاد يا عرب أمجاد"، يبلغ (حسب أرقام الدائرة الثقافية في جامعة الدول العربية) واحداً وسبعين مليون نسمة... وتبلغ حصّة الفرد العربي الواحد من القراءة ست دقائق في العام الواحد.. وأن إجمالي ما تنتجه الدول العربية من الكتب يساوي 1% من الإنتاج العالمي، رغم أن نسبة العرب تساوي 5% من عدد سكان العالم!..



ويقرأ كل عشرين عربي كتاباً واحداً في السنة، بينما يقرأ كل بريطاني سبعة كتب.. ويقرأ الأمريكي أحد عشر كتاباً في العام.. ومعدل القراءة عند الإنسان العربي هو ست دقائق في السنة، مقابل ستٍّ وثلاثين ساعة لدى الإنسان الغربي...



ومبررات العزوف عن القراءة في مجتمعاتنا كثيرة.. ومنها، وليس كلها: الوقت!.. حيث الفئة القارئة حُشرتْ في خانة البحث عن لقمة العيش.. والقراءة الجادة تحتاج إلى جهد، بينما الاسترخاء أمام شاشة التلفزيون ومتابعة صوره الملونة المجانية الساحرة، تشكل تعويضاً عن تعب ساعات العمل المضنية... وهذا صحيح.. لكنه غير مقنع.. ولا يبرر هذه الفجوة المرعبة بيننا وبين أمم تعيش شعوبها تحت ظل نظم رأسمالية تستنزف جهد مواطنيها حتى آخر قطرة... ويبدو لي أننا أمة اعتادت تلقي ثقافتها عبر المشافهة.. وغرق جزء كبير منها في مستنقع القراءات السلبية العقيمة التي تكرر، ببغائية، قراءة ما كانت قد قرأته سابقاً.. ولكن من دون تعمق، ومن دون بحث عن معاني ما تقرأ...



وأروي من طرائف ما يرويه الأطفال، أن معلماً سأل تلميذه: كيف تأتي إلى المدرسة وشعرك منفوش على هذا الشكل؟... رد التلميذ: ليس عندي مشط!... فقال المعلم: كان عليك أن تستخدم مشط أبيك!... أجاب التلميذ: أبي أصلع.. وليس لديه مشط!...



ويبدو أننا ورثنا عدم استخدام الأمشاط من صلعات آبائنا وجدودنا الأقدمين...

«صوت الشعب» العدد الثقافي الأدبي الخاص 196 (1690) 11 - 18 تشرين الأول 2008
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03934 seconds with 11 queries