عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #32
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


كيسنغر!



كأن الإدارة الأميركية لا يكفيها من فيها: حشد من المتهمين في قضايا مالية سابقة ومن ممثلي مصالح خاصة ومن أصوليين لا يحسدهم بن لادن على شيء... كأن ذلك لا يكفي. فجورج بوش استحضر جون بويندكستر، المسجون سابقاً لدوره في فضيحة إيران غيت ليكلفه مهمة استخباراتية، واستعاد إليوت ابرامز الذي كذب على الكونغرس في الفضيحة نفسها ليسلمه مكتب... الديموقراطية وحقوق الإنسان. ونبش هنري كيسنغر ليطالبه بترؤس لجنة من الحزبين مكلفة التحقيقات في أحداث 11 أيلول.
المعروف بعد تلك الأحداث أن الولايات المتحدة شهدت نقاشاً حول سؤال »لماذا يكرهوننا«؟ غير أن السؤال تحول مع الوقت، حسب لويس لابهام في كتابه الأخير »الجهاد الأميركي«، إلى نوع من الاستهجان.
إن اختيار كيسنغر رئيساً للجنة تحقيق يوفر، من حيث المبدأ، عنصراً من الجواب. فيكفي أن يتذكر المرء الرجل، وتاريخه، وجرائمه، وارتكاباته، وأكاذيبه، والتي طالت المعمورة كلها، من أجل أن يصاب بنوبة كراهية للسياسة الأميركية. ويكفي أن يكافأ الرجل على ماضيه الكريه من أجل الاستنتاج بأن الولايات المتحدة، اليوم، تعيد تبني سياسات عدوانية وتكرّم من كان يفترض أن تتبرأ منه.
عندما اندلعت قضية بينوشيه في بريطانيا كتب أحدهم أن الرجل لا يجب أن يحاسب على ماضيه بل على حاضره الذي لا تتخلله لحظة ندم واحدة. وهكذا فإن بوش، باختياره كيسنغر، يسحب اعتذارات خجولة قدمها بيل كلينتون إلى شعوب عانت من سياسات واشنطن.
لقد كانت قضية بينوشيه، أيضاً، مناسبة استذكر فيها البعض كم أن الرياء سائد. فلقد كان حرياً بالقضاة مطاردة الرجل الذي دبّر، ونظّم، وأشرف على انقلاب 13 أيلول 73 في التشيلي وهو انقلاب على سلطة ديموقراطية قاد إلى حملات قتل وتشريد وتعذيب لا زال ضحاياها أحياء يشهدون. إن كيسنغر هو البطل الفعلي لانقلاب سانتياغو، وهو، إذ كتب عن الموضوع، أسرف في الكذب إلى أن جاءت وثائق رسمية تفضحه.
ما قامت به المحاكم جزئياً (كيسنغر مطلوب للشهادة في عدد من الدول منها التشيلي وفرنسا وبلجيكا...) قام به كتّاب ومثقفون بصورة جدية. فالكتب عن جرائم الوزير الأميركي السابق عديدة وهي موثّقة كلها. وتثبت هذه الكتب أنه مسؤول عن مئات آلاف القتلى في تيمور الشرقية، وباكستان، وأندونيسيا، واليونان، وقبرص، والأرجنتين، وكمبوديا ولاوس وفيتنام وبنغلادش. لقد فعل ذلك ببرودة أعصاب مذهلة وباسم خدمة المصالح الوطنية لبلاده. لم تبق موبقة واحدة لم يرتكبها: كذب، رشى، خدع، حض على الاغتيال، سرق وثائق، أخفى معلومات، شجع عمليات سرية، خرّب مفاوضات سلام، حوّل بلداناً إلى أنقاض، تغاضى عن وحشية حكام أصدقاء، ودعم ديكتاتوريين دمويين يثقلون سجناء الرأي بالحديد، يرمونهم في البحر، تجسس على زملائه في العمل، الخ...
إن من استمع إلى بوش يمتدحه وهو يعلن تنصيبه »محققاً« لن يعود يتعجب من وصف شارون ب»رجل السلام«.
إن الذين سيستدعيهم كيسنغر لسماع إفاداتهم يعرفون عنه أكثر مما نعرف بكثير وهم، إذا كانوا يحترمون ملكاته الفكرية وبرودته في رسم السياسات، فإنهم مدركون أن بينه وبين الأخلاق، بأي تعريف متسامح، هوة غير قابلة للردم.
كان حرياً بالولايات المتحدة أن تحاكم كيسنغر لا أن تجعله قاضياً لو أنها كانت جدية فعلاً في التساؤل عن أسباب كراهية قطاعات واسعة في العالم لسياستها. اختارت العكس. وليس هذا بغريب على إدارة تعبّر عن أحط النزعات في هذا المجتمع الغني جداً ولكن العاجز عن إدراك أزمة علاقته مع الآخرين.
كيسنغر ليس اسماً. إنه برنامج.

29/11/2002

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06617 seconds with 11 queries