انا يا رفاقي
ما عدت أتسلل إليهم ليلا كـعاشق هزت اغصانه رياح الحنين
ولا أتقصى أخبارهم بقلق أم
ولا أتجول في طرقاتهم بثقل أسير يغادر وطنه
ولا أحصي عدد الوجوه المشوهة، ولا ركام الاقنعة المتساقطة أمامي
ولا اقرأ ما ينحتون على جدرانهم من الزيف عني
ولا انصت لهم من خلف الغرف..ماذا يقولون وماذا يتقولون
وماذا يقذفون وماذا يزعمون وماذا يفترون
انا يا رفاقي
ما عدت أتوقف على أطلالهم.. أقيس اتفاع ركامهم تحتي..أزيل غبار التفاصيل معهم
وأبحث بين الركام عن دموعي ومشاعري وشموعي وأتذكر بآلم:
هنا كتبتُ ، وهنا ضحكتُ ، وهنا بكيتُ ، وهنا خُدعت وهنا ظُلمتُ ، وهنا صُلبت وهنا قُتلتُ
انا يا رفاقي
ما عدت أزور مقابرهم حزينة .. مكنسة الفلب .. أعرِّف قلبي على تُرابهم:
هذا قبر أقرب الناس إليَّ .. وهذا قبر أخت أحبتني في الله يوما ورحلت
وهذا قبر صديقة أمنتها ظهري وطعنت
وهذا قبر أخ ظننت أن أمي لم تلده
وهذا قبر عقرب بثت سمها في المكان.. فلدغت وشتت وفرقت
أنا يا رفاقي
ما عدت ازور مدينتي التي شيدتها يوما لعينيه..وزينتها لنساء الأرض
حتى كدن يغلقن أبوابهن عليه.. ويصرخن به (هيت لك)
تلك المدينة يا رفاقي كانت لي وطناً .. كتبت بها ما كتبت، وسردت بها ما سردت.. ونزفت بها ما نزفت
وتركت عشاق الأرض بين سطورها يقرؤون رسائلي إليه.. ويبكون
يتبع..