عرض مشاركة واحدة
قديم 31/05/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي التكملة.


وكان على أبى القاسم أن يشرح قائلا: "ما كانوا مجانين ، بل يمثلون ، هذا هو ما أفضي به إلي أحد التجار"

ما بدا على أحد من الحاضرين أنه وعى تلك الحكاية ، كذلك ما بدر من أيهم أنه يود فهمهما. بدا على أبى القاسم الارتباك وخلص من سرده الذي استمعوه إلى أن يشرح مؤيدا رأيه بحجج لا جدوى منها ، قال متكئا على يديه: "فلنتخيل أن أحدا يعرض حكاية بدلا من سردها ولنعط على ذلك مثلا بقصة أهل كهف "إفيسو" نراهم يلجئون إلى الكهف ، يؤدون صلاتهم وينامون بأعين مفتوحة ، أجسادهم تتضخم ، نراهم يقومون من نومهم بعد ثلاث مائة وتسعين عاما ، يضعون في يد البائع عملة من عهد قديم ، نراهم يستيقظون في الجنة بصحبة كلبهم".صور كهذه عرضها علينا - ذلك المساء - أناس الشرفة.

كان أولئك الأشخاص يتكلمون؟ سأله فرج.

أجابه أبوالقاسم ، مدافعا عن قصة كان تذكرها بشق الأنفس ، وكان قد ازداد حنقه على الحاضرين: "كانوا يتكلمون ، ويغنون ويلقون خطبا."

قال فرج: على أي الأحوال ما كان هناك داع ليكونوا عشرين شخصا ، واحد فقط يكفي كي يحكى كل شيء بالغا ما بلغ تعقيده."

وافق جميع الحاضرين هذا الرأي ، ثم مدحوا فضائل اللغة العربية ، بعد ذلك تحدثوا عن شعر العرب وأقروا بأن عبدالملك ، بعد أن محص تمحيصا دقيقا ، عاب على شعراء دمشق وقرطبة تقليدهم للقدامى ، فقد تشبثوا في قصائدهم بمنظر الرعاة وحافظوا على المعجم البدوي ، وقال إنه غير معقول أن إنسانا يتدفق أمام ناظريه نهر الوادي الكبير وبرغم ذلك ما زال يحتفي بمياه البئر واستحث على تجديد الاستعارات قائلا إنه حينما شبه زهير القدر بجمل أعمى ، استحوذت هذه الصورة على إعجاب الناس ولكن بعد مضى خمسة قرون فقد عفا عليها الزمن. أيد الحاضرون رأيه فكثيرا ما كانوا قد سمعوا مثيله من أفواه عديدة. كان ابن رشد يلوذ بالصمت ، وأخيرا تكلم كمن يحدث نفسه لا الآخرين ، تحدث بأسلوب قليل البلاغة ومع ذلك أدلى بحجج قطعية قائلا: "كنت - ذات مرة - قد دافعت عن رأى عبدالملك ، في الإسكندرية يقال لا يجرؤ على اقتراف ذنب ما من كان قد ارتكبه ثم تاب عنه ، وعليه كي لا تقع في خطأ ما من المستحسن أن نكون قد قمنا بفعله من ذي قبل. يقول زهير في معلقته إنه على مدى ثمانين عاما تارة في عز وأخرى في نقيضه ، قد تخيل عدة مرات القدر وهو يدهس البشر كجمل أعمى ، عبدالملك يظن أن هذه الصورة ما عادت تأخذ بالألباب ، وإزاء ريبته لا بد أن نجيب عن أشياء كثيرة:

أولا: إذا كانت نهاية القصيدة يراد بها التعجب فإن زمانها لا يقاس بقرون بل بأيام وساعات وربما بدقائق.

ثانيا: أن شاعرا مشهورا ليس عليه الاختراع بل الاكتشاف.

ولكي نحيي ذكرى ابن شرف المولود فى برخة نقول إنه قد تردد في الأفواه أنه هو الوحيد الذي استطاع أن يتخيل سقوط نجوم الفجر في بطء شديد يماثل سقوط أوراق الأشجار. إذا ثبتت صحة هذا الخبر سيكون هو ذاته على بطلان هذه الصورة. التشبيه الذي يستطيع فرد واحد أن يصوغه لا بد أن يكون ما أتى على ذهن أحد ،إن الدنيا حافلة بأشياء لا حصر لها ، من الممكن أن يشبه كل منها الآخر. مشابهة النجوم بأوراق الأشجار لا يعد شيئا كمماثلتها بأسماك أو عصافير. وعلى ذلك نقول إن أحدا ما تصور القدر فظيعا وثقيلا ، كذلك ما جرؤ أحد على وصفه بأنه طيب وفى ذات الوقت لا يرحم. ما دمنا متفقين على ذلك اتفاقا مؤقتا أو دائما فإن أحدا لا يستطيع الإنكار فإننا في هذه الأثناء نعى ما كتبه زهير. أضف إلى ذلك (وربما كان هذا هو جوهر حديثي) ان الدهر الذي بدوره يروح ويجيء بقصور غير القصور هو نفسه الذي يسري أبيات الشعر. إن البيت الذي كتبه زهير في الجزيرة العربية أفاد في مقابلة صورتين ، صورة الجمل العجوز ، وصورة القدر. تكرار تلك التشبيهات الآن هو إحياء لذكرى زهير ، ويعد مشاركة منا لعربي ذلك الزمان أحزانه.

التشبيه الذي نحن بصدده كان له وجهان ، اليوم نرى له أربعة ، يوما عن يوم يتسع ميدان الشعر ، وأعرف أبياتا إذا ربطنا بينها وبين الموسيقى صارت شيئا لا مثيل له لكل بنى البشر.

أذكر أنه منذ أعوام ، حينما كنت في مراكش ، مفعما بذكرى قرطبة ، سرني تكرار البيت الشعرى الذي توجه به عبدالرحمن إلى نخلة إفريقية بها ، قائلا:

"فمثلك في المنتأي مثلى"

للشعر ميزة فريدة ، كلمات كتبها ملك أشغفه الشرق أفادتني - عندما كنت شبه منفى - كي أعبر عن اشتياقي لإسبانيا.

بعد ذلك تحدث بن رشد عن الشعراء الأول ، شعراء العصر الجاهلي قائلا إنهم قد قالوا كل شيء بلسان صحراوي أبدى ، ثم معبرا عن رضاه - وله الحق في ذلك - عن كلمات ابن شف التي لا معنى لها قال انه في كتابات الأقدمين قد دون كل شعر ونعت جهلا وهراء بدعة التجديد.

كان الحاضرون قد أنصتوا إليه بلذة وذلك لدفاعه عن القديم.

وعندما عاد ابن رشد ليدخل مكتبته كان المؤذنون قد أذنوا لصلاة الفجر. (في المكان المعد للحريم كانت الإماء ذوات الشعر الأسود قمن بتعذيب أمة لون شعرها أحمر بيد ابن رشد ما كان قد علم بذلك إلا عند المساء) شيء ما أوحى إليه بمعنى تلك الكلمتين الغامضتين ، وبخط ثابت ومتأن أضاف إلى مخطوطه هذه السطور:

"أرسطو (أرسطوطاليس) يطلق كلمة مأساة على المديح والإطراء ، وكلمة ملهاة على الهجاء والسب ، وكم من مأساة وملهاة تأخذ بالألباب تحفل بها صفحات القرآن ومعلقات الكعبة".

شعر برغبة للنوم ، أحس ببعض برودة جسده ، فك عمامته ونظر في مرآة معدنية لست أدرى ما رأت عيناه وذلك لأن أحدا من المؤرخين لم يكتب عن شكل وجهه. أعرف أنه قد اختفى فجأة كما لو كان قد صعقته نار بلا نور ومعه اختفى المنزل ونافورة المياه التي لا ترى والكتب والمخطوطات والحمامات وكثيرات من الإماء ذوات الشعر الأسود والأمة المرتجفة بشعرها الأحمر ، واختفى كذلك فرج وأبو القاسم ونباتات الورود وربما نهر الوادي الكبير.

فيما سبق وددت سرد تطور هزيمة ما ، فى بداية الأمر جال بخاطري نائب أسقف كانتربري الذي اقترح أن يبرهن على وجود إله واحد. ثم تذكرت الكيميائيين الذين بحثوا عن الحجر الفلسفى وراء ذلك. خلصت إلى أن لا فائدة ترجى من البحث عن ثلاثة قطاعات للزاوية واستدراك الدائرة وصلت بعد ذلك إلى أنه تعد أكثر شاعرية حالة الإنسان الذي يقترح نهاية محظورة على الآخرين لا عليه. أتى على مخيلتي ابن رشد المنغلق فى حيز الاسلام الذى أبدا ما استطاع أن يصل لمعنى كلمتي: مأساة وملهاة. ثم تركت كل شيء من هذه الأشياء يجرى في مساره. أحسست أن العمل الأدبي يسخر منى. شعرت بابن رشد الذي ود معرفة دراما وأبدا ما كان قد رأى المسرح ، لا أحد كان أكثر بلاهة مني حينما أردت تخيل ابن رشد بلا معلومات أخرى سوى بعض دراهم رينان ، لان وأسين بالاثيوس. شعرت وأنا في الصفحة الأخيرة أن قصتي كانت رمزا لحالتي حين كتابة هذه الحكاية ولكي أكتب تلك السطور كنت لا بد أن أكون ذلك الرجل في الحالة بعينها ، ولكي أكون ذلك الرجل كان لا بد من كتابة تلك الحكاية ، وهكذا تظل الحال إلى الأبد. (في لحظة ما حينما تخليت عن الاعتقاد في وجوده ، اختفى ابن رشد).


ترجمة : سامي عبدالمرضي المشطاوي

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06937 seconds with 11 queries