عرض مشاركة واحدة
قديم 12/06/2008   #41
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


غير أن أبا جعفر المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين، والمؤسس الحقيقي للدولة العباسية، والذي يحتل فيها موقعاً مناظراً لموقع معاوية في دولة الأمويين، قام بذلك الواجب خير قيام، فسلط أولاً أبا مسلم الخراساني لقتل عبد الله بن علي، ثم تولى هو بنفسه قتل أبي مسلم، ولم يشفع له صياح أبي مسلم: استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك، بل رد عليه: وأي عدو لي أعدى منك؟

وليس للقارئ أن يتعجب حين يعلم أن أبا مسلم لم يفعل للسفاح ثم للمنصور إلا (كل الخير)، وأنه كان صاحب الفضل الأول عليهما وعلى دولتهما، لكن ذلك بالتحديد كان سبب قتل المنصور له، فقد دخل عليه ولي عهده (عيسى بن موسى) فوجد أبا مسلم قتيلاً، (فقال: قتلته؟ قال: نعم، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، بعد بلائه وأمانته؟ فقال المنصور: خلع الله قلبك ! والله ليس لك على وجه الأرض عدو أعدى منه، وهل كان لكم ملك في حياته؟)
هذا نموذج مثالي لما عرف باسم الميكيافيلية، نسبة إلى (ميكيافيلي)، والتي نوجز في تبرير الوسيلة بالغاية، وتفصل في تطبيق ذلك على شئون الحكم وسيرة الحكام، وتبدو جلية على يد المنصور، الذي وطأ بأقدامه أعناق الرجال، وتفرد بأسلوبه المميز في الحكم، فهو يبدأ أولاً بالتخلص من أصحاب الفضل عليه ثم يتحول إلى المعارضين وهو لا يعرف إلا القتل وسيلة للقضاء على معارضيه، ولا يعرف للعواطف سبيلاً، ولا تعرف العواطف إليه طريقاً.


ولأنه قوي لم يحترم إلا القوة، ولعل هذا ما يفسر إعجابه بهشام بن عبد الملك، ووصفه له بأنه (رجل بني أمية)، ثم إعجابه الشديد بعبد الرحمن بن معاوية بن هشام، والخليفة الأموي في الأندلس، وعلى الرغم من هزيمة جيشه على يديه في أشبيليه، بل ربما يسبب هذه الهزيمة التي لم تردعه، ولم تمنعه من محاولة استمالته بالهدايا، ووصفه قائلاً: (.. اقتحم جزيرة شاسعة المحل، نائية المطمع، عصبية الجند، ضرب بين جندها بخصوصيته، وقمع ببعض قوة حيلته، واستمال قلوب رعيتها.. إن ذلك لهو الفتى الذي لا يكذب مادحه).

بل يقال أن المنصور هو الذي سمى عبد الرحمن بصقر قريش، ولما فشل في استمالته بالتودد أظهر وجهاً آخر لأسلوبه السياسي، وهو الوجه الذي أظهره تشرشل في الحرب العالمية الثانية عندما أعلن أنه مستعد للتحالف مع الشيطان لهزيمة النازية، وهو نفس ما فعل أبو جعفر، حين تحالف مع (شارلمان) ثم مع (ببين) ملكي الفرنجة، ضد عبد الرحمن الخليفة الأموي المسلم، وهو التحالف الذي فشل في هزيمة عبد الرحمن، ونجح في ذات الوقت في اقرار القاعدة المنصورية:

افعل أي شيء.. اسلك أي سبيل.. تحالف مع أعدى الأعداء.. المهم أن تصل إلى غايتك.. وتنتصر على عدوك، وخلال ذلك كله انس الإسلام، وتغافل عن أحكام القرآن، وتجاهل السنة، وابتعد بقدر ما تستطيع عن سيرة الراشدين، وتذكر فقط أنك (سلطان الله في أرضه) (وصف المنصور لنفسه في خطبة شهيرة بالمدينة) (وظل الله الممدود بينه وبين خلقه) (التعبير الأدبي الشائع عند وصف الخلفاء في العصر العباسي الأول)، واستند في حكمك إلى حق بني العباس في الخلافة، وليس إلى حق الرعية في الإختيار .

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04120 seconds with 11 queries