الموضوع: أسبوع وكاتب - 3
عرض مشاركة واحدة
قديم 03/03/2009   #53
شب و شيخ الشباب ..AHMAD
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ ..AHMAD
..AHMAD is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
4,906

افتراضي


مجلة “شعر” والثورة التي غيَّرت المفاهيم

يسردُ محمد الماغوط في أحد حواراته مجموعةً من الذكريات، تلك المتعلقة بقدوم بدر شاكر السياب إلى بيروت سنة 1960. في ذلك السرد يظهرُ السياب بوجهين: الأول يتعلق بأنه ذو روح هشة إذا ما تعلق الأمر بخبرات الحياة، والثاني يظهر فيه السياب كوحش ضار عندما يدير زمام القصيدة.
في ذلك الوقت يتذكَّر صاحب "سأخون وطني" أنه كان ضيفاً على مجلة "شعر"، وأنَّ أسرة تحرير المجلة كلها كانت ضيفة على يوسف الخال (صاحب المجلة)، وهذا الأخير كان ضيفاً على شارع السادات في رأس بيروت.

في ذلك الوقت، كلَّف يوسف الخال الماغوط بأن يعرّف السياب على مدينة بيروت والحياة الثقافية فيها؛ يقول صاحب "حزن في ضوء القمر": "فأخذته من ذراعه وقلت له: ...في هذا المطعم يجلس أركان الناصريين ليهاجموا القوميين، وفي هذا المطعم يجلس أركان القوميين ليهاجموا الشيوعيين والناصريين، وفي هذا المقهى يجلس أركان مجلة شعر ليهاجموا الجميع".

تهكّم الماغوط على الحالة الثقافية والسياسية في بيروت جعلته يعدّ أركان مجلة شعر حزباً بأكمله، على الرغم من أنهم قد يعدون على أصابع الأيدي. وقادته تلك التهكمية أيضاً إلى جعل أولئك الأركان الشعريين في مواجهة كلّ التيارات السياسية العربية. وسيمضي وقتٌ طويلٌ قبل أن يتَّضح أنَّ هذا التهكم ليس مجانياً، وأنه تعبيرٌ واسعٌ عن وقوف ائتلاف الرافضين الشعريين في مواجهة كلّ شيء، وأنَّ هؤلاء الذين يواجهون العقلية الثقافية العربية السائدة آنذاك بالشعر وحده سينجحون في خربطة الكثير من معالم الخريطة الشعرية العربية، وأنهم سيتمكنون من قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع بعناد لم يسبق له مثيل. هذا العناد، كان أحد تمظهرات النقد الواسع للغيبيات والمسلمات الثقافية والسياسية العربية.

قبل قدوم السياب إلى بيروت -هذا المجيء المظفر الذي أشار إليه الماغوط- كان يوسف الخال قد أسَّس مجلة شعر.. حدث هذا في كانون الثاني 1957، حيث شكَّل العددُ الأول من المجلة بياناً يحمل بين سطوره تمرّداً خارجاً عن مألوف اهتمامات المثقفين والشعراء العرب، الذين عملوا على مناوءة العالم باللغة، والذين أقاموا مسافات شاسعة بين الفكرين العربي والغربي مازالت موجودة حتى هذه اللحظة، رغم كلّ المحاولات التي ظهرت لردم الهوة بين ضفتين إنسانيتين تجهل كلّ منهما الأخرى، بفعل استشراق واستعمار غربي بشع، وتوقف العرب عن التطور والتصالح مع إخفاقاتهم التاريخية.. وكان الطرح الابتدائي بوجوب التماثل مع الغرب.

إذاً انطلقت مجلة شعر كأوَّل منبر عربي يكرّس نفسه للشعر، واستطاع يوسف الخال -وبغض النظر عن مستوى نجاحه- أن يعمّم الرغبة في إنتاج قصيدة غير منبثقة من داخل الشعرية العربية المعروفة؛ فهو كان يرى أنَّ القصيدة الحديثة التي ينشدها والتي تعبر عن الحداثة هي تلك التي "تشبه اللوحة التجريدية، أو القطعة الموسيقية؛ يفهمها كلّ شخص على هواه"، مضافاً إلى ذلك أنَّ القصيدة الحديثة، التي طالب بها يوسف الخال، "لا تحكمها شروط مسبقاً على الإطلاق"؛ في الوقت الذي كانت فيه الحساسية الشعرية العربية رازحةً تحت عبء الوزن والعروض والقوافي.

إذاً هو تمرّد على اللغة، وتمرّد على اللسان العربي.. هذا التمرّد الذي أسَّس له يوسف الخال مجلة شعر، وجد من يناصره ويلتف حوله: أدونيس، أنسي الحاج، بدر شاكر السياب، خليل حاوي، شوقي أبي شقرا، فؤاد رفقة، جبرا إبراهيم جبرا. لن يكونوا مجرد أسماء عابرة، بل سيشكلون مرحلة لامعة لها الفضلُ في إقامة حالة من التوازن في ثقافة النماذج والقوالب الجاهزة.

هل كان هناك شطح في تمرّد شعراء مجلة شعر على اللغة العربية؟.. البعض فعل ذلك، والبعض الآخر لم يفعل أبداً ونأى بنفسه عن هكذا صراع ونظر للقضية بطريقة مختلفة قطعياً. هذا ما بدا واضحاً في إعلان توقّف صدور المجلة، الذي وقّعه يوسف الخال، حين اعتبر أنَّ اللغة العربية، التي وصفها باللغة القديمة، تشكّل عائقاً أمام الحداثة الشعرية.. حينها دعا يوسف الخال إلى الاستعاضة عن العربية الفصحى بالعربية المحكية،

لم يستجب أقطاب مجلة شعر كلهم لهكذا دعوة؛ فمنهم من لا يتقن العامية، ومنهم من يتقنها دون أن يكون له موهبة فيها، أضف إلى ذلك خطورة المساس بلغة تستمدّ قداستها من اللاهوت، مع أنَّ الكثير من النفوس كانت توَّاقة للعبث، في وقت شاع فيه قتلُ الآباء والتمرد على امتثالات اللاوعي لمسلمات تمتدّ في عمرها آلاف السنين.

لقد عملت مجلة شعر على محاولة إجراء عملية مراجعة لمفهوم التراث العربي، الذي وجدت فيه المجلة مجموعة عناصر تعيقُ عملية الحداثة؛ إنها دعوة حقيقية لإجراء قطع مع الماضي، لإلغاء تأثيراته على اللحظة الراهنة.. ففي الثابت والمتحول يدعو أدونيس إلى بناء الحداثة العربية في أفق الغرب وموارده. إلا أنَّ عملية التقويض، التي كانت مجلة شعر تسعى لها- وبغض النظر عن الموقف منها، استطاعت أن تزحزح الكثير من تخشبات وجمود اللحظة الشعرية العربية آنذاك. أما أهمّ إنجازات مجلة شعر أنّها غيرت مفهوم التلقي عند القارئ العربي، من خلال قدرة الأركان الشعريين على تقديم نصّ مغاير، بالإضافة إلى ترجماتهم ومراجعاتهم النقدية التي نسفت بشكل واسع كلّ ما يعترض المقترحات الجديدة من معارضات واهنة لا ترتكز إلا على عناد ليس له مبرّر.

وضع أدونيس مسألة التلقي أمام قطبين عاشا الكثير من التناقضات، هما الشعر والجمهور. وتناقضات هذه الثنائية ترتكز على ثنائيات أخرى، كثنائية الفرد والمجتمع التي ترتبط كلها بمسألة الحرية.
أهم إنجازات مجلة شعر أنها استطاعت أن تموضع قصيدة النثر العربية في مكانها وسياقها التاريخي، حيث أمَّنت لهذه القصيدة حماية من كلّ من التكتلات الثقافية العربية التي اعتقدت أنها أنجزت شعريتها.
فكان حضور مجلة شعر في هذا السياق تجسيداً واعياً لفعل التغيير الذي أمن مفاهيم قرائية جديدة؛ إنه التغيير الذي لا يمكن تحقيقه إلا بامتلاك خلفيات ثقافية تمنح الوعي لكلّ المكونات والمفاهيم والأدوات الإجرائية التي تخلف دينامية إبداعية جديدة. ومن هذا المنطلق، كان سؤال الحداثة حاضراً بقوة في مجلة شعر؛ هي حداثة الغرب التي ترتكز على الحرية والعقلانية والتقدم التقني، وليست حداثة الغرب الاستعماري.

أدونيس، الذي كان بمثابة حجر زاوية في مجلة شعر، يرى أنَّ لمجلة شعر دورها في التمهيد لقراءة جديدة للشعر العربي، في ضوء التجارب الشعرية في العالم، بالإضافة إلى دور المجلة في ترسيخ وشرعنة وجود قصيدة النثر، لذلك يعتبر مجلة شعر علامة فارقة في الثقافة الشعرية في القرن العشرين.
إعادةُ القراءة التي أنتجتها مجلة شعر كانت تتمحور حول إثبات أنَّ للشعر دوره في الكشف عن اللامرئي الذي ينتصب وراء المرئي والمحسوس. وهكذا ستتوقف المجلة التي استطاعت أن تنفتح وتستقطب الكثير من الشعراء الذين يمثلون الشعرية العربية هذا اليوم، فيما ستظل بمثابة حلم لأجيال مازالت تشتهي مرحلة شبيهة بتلك المرحلة.

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04085 seconds with 11 queries