عرض مشاركة واحدة
قديم 07/09/2006   #2
شب و شيخ الشباب RAMI_SBG
مسجّل
 
الصورة الرمزية لـ RAMI_SBG
RAMI_SBG is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
مشاركات:
21

افتراضي


8 - الخرافة والثقافة
يفرق الانثروبولوجيون، في العادة، الأسطورة عن الخرافة عن الشعوذة. فالأسطورة هي محاولة لصوغ منظومة معرفية أولية لتفسير الظواهر التي تستعصي على العقل البشري. والأسطورة، بهذا المعنى، تشتبك مع العقل، وهي أُمّ التفلسف. أما الخرافة فهي ابنة العبادات الطوطمية القديمة التي ما زال صداها يتردد حتى اليوم، والتي نجد تعبيرها وحضورها في آلاف العقائد الشعبية المتوارثة، وهي أُمّ الكثير من حالات الشعوذة التي تغتذي من تواكل الناس وامتثالها القطيعي وانسياقها وراء السائد والموروث.

والخرافة تشتبك دوما بالخوارق والممخرقين، فهي كسر لقوانين الطبيعة، لذا فهي مستحيلة تماما، لكنها شائعة لأنها عنصر من عناصر تكوين الطبائع الفطرية للناس. والخرافة ترافق العلم شبرا شبرا. وهي وإن كانت في الغرب تعيش كسيرة ذليلة ومحدودة الأثر في فضاء من العلم والتفكير العلمي، إلا أنها في بلادنا تزاحم العلم، باقتدار، على أذهان الدهماء. وعندما يكون العقل في إجازة تصبح الخرافة دين الناس وديدنهم. والويل لمن ينكر الخوارق والممخرقين وأصحاب التمائم والعزائم وعفاريتهم وكباريتهم.

وتنشر المطابع العربية، آلاف النسخ من الكتب المنحطة التي لا هدف لها إلا الكيد للعقل والاستنارة، ولا نتيجة ترتجى منها إلا تخليف وعي الناس وإشاعة الجهل وترويج التفاهة والابتذال. والأنكى أن هذه الكتب التي لا يخجل مؤلفوها من انحطاطها وسخفها وأغلاطها تقدم نفسها للدهماء على أنها إنجيل الخلاص من سوء أحوالها. وتنتشر هذه الكتب كانتشار النار في الحشيش، وتستولي على منافذ بيع الصحف في نواصي الشوارع. ومن أشهر هذه المصائب: <معجزة الشفاء بالحبة السوداء> (مرزوق ابراهيم مصر)، <خير الدواء في الحبة السوداء> (محمد عبد الله سورية)، <علاج الايدز بالأعشاب> (كاشه الطيبي مصر)، <إعرف شخصيتك من قفاك> (مجدي كامل مصر)، <المرأة التي اغتصبها الجان> (نبيل خالد مصر)، <امرأة أنجبت للشيطان> (نبيل خالد برضو)، <الشيطان الذي أخرجته من القمقم> (محمد عبده مغاوري مصر)، <حوار مع الشياطين> (محمد الصايم مصر). وغير بعيد من زماننا هذا ما قامت به جريدة <الأهرام> حينما نشرت في 5/5/1968 صورة مريم العذراء التي <ظهرت> للمؤمنين في كنيسة الزيتون سنة ,1968 أي بعد ويلات هزيمة حزيران 1967 مباشرة. وتولت مجلة <روز اليوسف> في 18/9/1972 الترويج لحكاية روتها فتاة مصرية قالت فيها إن العذراء أجرت لها عملية جراحية ناجحة، مع أن <الأهرام> نفسها (4/5/1971)، وعلى ذمة محمد حسنين هيكل، فضحت كبار معاوني الرئيس جمال عبد الناصر وكيف كانوا يحضرون الأرواح أمثال الفريق الأول محمد فوزي (وزير الحربية) وشعراوي جمعة (وزير الداخلية) وسامي شرف (سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات). غير أن هذه الرواية مشكوك فيها إلى حد كبير لأنها جاءت في خضم الصراع بين الرئيس أنور السادات و<مراكز القوى>. والمعروف أن هيكل انحاز، آنذاك، إلى السادات. ومهما يكن الأمر فإن من المتداول أن أنيس منصور كان محضّر أرواح، وأن مصطفى محمود كشف هذه <الحرفة> لديه في كتابه <لغز الموت>.

إذا كان هؤلاء على هذا المستوى من <المعرفة> فلا عجب، إذن، أن نعثر على بعض العوام حتى في مدينة القدس ممن ما زالوا يعتقدون أن الصخرة التي بُني فوقها مسجد قبة الصخرة مرتفعة عن الأرض أشبارا، لأنها كانت قد لحقت بالنبي محمد عندما عرّج في ذلك الموضع، ولما قال لها إهدئي هدأت لكنها ظلت معلقة بين السماء والأرض. والعجيب أن الصخرة لا تبعد عن أقصى منزل في القدس العتيقة إلا القليل من الأمتار.



9 - يحيا الدجل

في مصر وحدها 300 ألف شخص يمارسون العلاج بالأرواح. وهناك 300 ألف غيرهم يعالجون الأمراض بالرقى والأعشاب. وفي إحصاء موثوق أن في مصر دجالاً لكل 240 مصريا، بينما يوجد طبيب لكل عشرة آلاف مواطن. وتشكل إعلانات الشعوذة وكشف الطالع جزءا لا بأس به من إعلانات بعض الصحف والمجلات. وبعض الأحزاب، مثل حزب الأحرار على سبيل المثال، افتتح مراكز لعلاج السحر والمس الشيطاني (أنظر: روز اليوسف 23/9/1996).



يقول الشيخ عبد الحق المسفوي وهو أحد أشهر المعالجين بالرقية في المغرب: "إن فصل الصيف في المغرب يُعد موسما لصيد الزبائن الخليجيين على أيدي المشعوذين والدجالين الذين يوزعون السماسرة على المطارات والفنادق والشقق المفروشة أو يستعينون بسائقي سيارات الأجرة أو عمال الفنادق أو حراس الشقق المفروشة" (انظر: منال الشريف، جريدة <الوطن> السعودية، 18/6/2003).



إن بعض الأسر الثرية تحتفظ في منازلها بمشايخ من المغرب <مرفوع عنهم الحجاب> لطرد الجان والشياطين ودفع المكروه. وقد التقت الكاتبة منال الشريف رجل أعمال خليجيا كان على وشك شراء خادم جني بمبلغ خرافي إذ أقنعه مشعوذ بأنه سيشكل الخادم على هيئة خنفساء ليتمكن من حمله معه في الطائرة (المصدر السابق نفسه).



؟؟؟

بسبب شيوع العقلية الخرافية يموت آلاف الأطفال والفتيان والنساء والرجال سنويا جراء العلاج الشعبي. وبسبب هذه الخرافات يغتصب الدجالون آلاف النساء وهم يوهمونهن بالعلاج من العقم مثلا أو بفك الربط عن ذكور أزواجهن. وثمة، للأسف، صحف تتصدى لمفاهيم التقدم والعقلانية، لكنها تنشر، في الوقت نفسه، <زاوية يومية> عن الأبراج. وهناك مجلات تزعم أنها تنتمي إلى العصر والعلم المعاصر، لكنها لا تتردد في تسويق أخبار الخرزة الزرقاء و<صيبة> العين وصب الرصاص المذاب في <طاسة> الماء البارد فوق رأس المريض.



أتساءل: كم هو عدد محضري الأرواح في العالم العربي، وكم هو عدد قارئي المندل والدجالين وضاربي الودع والمشتغلين بالتنجيم، ولا سيما في الفضائيات المشهورة، وكم هو حقا عدد العلماء بالمقارنة؟
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05966 seconds with 11 queries