الموضوع: محمود البدوى
عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #27
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


وأمضيت أياما فى السويس ، والرسالة موضوعة فى جيبى حتى كدت أنساها .. وفى أصيل يوم ذكرتها ، فاتجهت إلى بيت صاحبى وكان فى أقصى المدينة .. وتقدمت فى الشارع الضيق ، وشمس الأصيل تضرب رؤوس المنازل البيضاء بأنوارها الساطعة ، وكل شىء يسبح فى الضوء الباهر .. ووقفت أمام البيت ، واجتزت العتبة ، ورأيت فتاة فى مقتبل العمر تمسح الدرج وقد شمرت عن ساقيها .. ولما رأتنى توقفت عن العمل ، ونظرت إلىّ فى سكون فاقتربت منها وسألتها وأنا مفتون بجمالها : ـ أهذا منزل عبد السلام أفندى ..؟
ـ أجل ..
ـ أريد أن أقابل زوجته ..
ـ أنا زوجته ..
فابتسمت وظهر على وجهى الارتباك ، فما كنت أتوقع أن تكون زوجة صاحبى صغيرة وجميلة هكذا ..
رأيت أمامى فتاة فوق العشرين بقليل ، خمرية اللون سوداء العينين .. جذابة الملامح إلى حد الفتنة .
وعرفتها بنفسى وسلمتها الرسالة .. فأخذتها فى لهفة ثم ردتها إلىّ وهى تضحك وقالت بصوت ناعم :
ـ أرجو أن تقرأها لى فأنا لا أعرف القراءة
ـ وقرأتها لها فأشرق وجهها وزاد سرورها ..
ثم طوت الرسالة وقالت وهى تشير إلى الداخل :
ـ تفضل ..
ودخلت وجاءتنى بعد قليل بكوب من الليمون
وأخذت أحدثها عن البحر ، وعرائس البحر .. حتى أقبل الليل فحييتها وانصرفت وأنا جذلان طروب .
***
وبعد أيام التقيت بها عرضا فى السوق ، وكانت معها سيدة وفتاة أصغر منها قليلا .
وسلمت علىّ فى بشاشة وقالت :
ـ لماذا لم تزرنا ..؟
ـ سأزوركم طبعا ، قبل عودتى إلى المنارة ..
ـ وقبل ذلك ..؟
ـ وقبل ذلك .. !
ـ سلم على أمى وأختى .. إنهما قادمتان من بور سعيد لزيارتى .. وقد حدثتهما عنك ..!
وسلمت على أمها وأختها ، ومشيت معهن إلى البيت ، وبقيت معهن حتى ساعة الغداء ..
***
وذهبت إلى الإسماعيلية ، وأمضيت فيها أياما .. ورجعت إلى السويس ، وفى أصيل يوم مررت بمنزل زينب زوجة صاحبى لأخبرها بموعد عودتى إلى المنارة حتى أعطيها فرصة لتعد بعض المأكولات لزوجها ، ووجدتها فى البيت وحدها ، كانت أمها وأختها قد سافرتا .. وشعرت وأنا جالس فى الحجرة بالسرور والارتياح .. وهذه مشاعر لم أستطع تعليلها ..
وكانت زينب تلبس رداء أزرق بسيط التفصيل .. وقد صففت شعرها وعقدته جدائل فوق ظهرها ، وكانت تعصب رأسها بمنديل أزرق كذلك ، وفى عينيها كحل خفيف ، وعلى خدها الأيمن حسنة . ولما جاءت إلىّ بفنجان من القهوة ، ومددت يدى لأتناوله من يدها ، شممت من جسمها روائح الطيب ، فتنبهت حواسى ، ونظرت إليها وكأننى أراها أمامى لأول مرة ..
ولأول مرة أشعر بقلبى يدق وأنا معها فى غرفة واحدة والعرق قد أخذ يتصبب على جبينى ..!
ومالت الشمس إلى الغروب ، ونهضت لأنصرف فقالت وهى تنظر إلىّ :
ـ لماذا أنت مستعجل ..؟
ـ الليل قد أقبل ..
ـ إن هذا أدعى لبقائك لأننى وحدى فى البيت ، فانتظر حتى تأتى خالتى أم اسماعيل ..
وبقيت .. وظللنا نتحدث .. حتى مضت فترة من الليل .
ووجدت أمامى أنا الشاب القوى الذى يعانى مرارة الحرمان امرأة ناضجة محرومة مثلى ..
كان فى نظراتها تكسر ولين
وكان جسمها يروح ويجىء أمامى وهى فى أحسن مجاليها ، فأخذت أنظر إليها ، وأنا مستغرق فيها بحواسى ومشاعرى جميعا ، ونسيت أنها امرأة صاحبى ، نسيت هذا وذكرت أننى وحيد فى قلب الليل مع امرأة أشتهيها من كل قلبى .
ودون أن ندرى ما حدث كانت بين ذراعى وكنت أرتوى منها .
وغرقنا فى النشوة فلم نحفل بأحد .
وأصبحت أقابلها كل يوم ..
***
ولما حان موعد عودتى إلى المنارة حملتنى هدية لزوجها ، وودعتها وفى قلبى جمرات من نار .
وذهبت إلى المنارة وأعطيت الهدية لصاحبى وسألنى عنها ، وكان يتلهف على كل كلمة يسمعها منى .. كان يحبها إلى درجة العبادة .. سألنى عن صحتها وأحوالها ، وأخذت أجيبه على مئات الأسئلة التى أمطرنى بها ، وكان من فرط ولهه يود لو يقبل يدى لأنها لمست يدها ..!
وحل موعد عودته فتركنى ورحل ..
وكنت فى خلال ذلك أعانى عذاب السعير ، وأتصورها بين ذراعيه فأكاد أجن ..
وانتهت أجازته وعاد .. ورأيته يصعد سلم المنارة بعد غيبة ثلاثة شهور .. وكدت أنكره .. فقد تغير .. إذ ظهر على وجهه الشحوب والذبول وحيانى فى فتور .. ووضع متاعه فى جانب من المنارة .. وصعد إلى البرج .. وهو صامت ..
وجلست بعد هذا أفكر وأسائل نفسى .. ما علة تغيره ؟ هل عرف ..؟ هل علم بكل شىء ..؟ ما أشد جنون المحبين ! إنهم يتصورون أن الناس لاتعرف عنهم شيئا .. وسيرتهم تدور على السنة الناس . إن الحب يعميهم عن ادراك الحقائق .
وكان عليه أن يسهر فى البرج ، وعلىّ أن أنام لأحل محله بعد ذلك .. واستلقيت على الفراش ولكنى لم أنم .. كانت نظراته إلىّ ترعبنى .. وكنت أخافه .. كان أشد منى قوة .. فأغمضت عينى نصف إغماضة وسمعته يهبط السلم .. ويدور فى الغرفة الصغيرة حتى وقف على فراشى ، وتظاهر بأنه يبحث عن شىء وعاد إلى البرج ..
وبعد ساعة سمعته يهبط السلم مرة أخرى .. ورأيته يتجه نحوى .. وكانت فى يده قطعة من الحديد .. إنه يود قتلى .. ودون أن نتبادل كلمة واحدة تشابكنا فى عراك دموى ، وظللنا نقتتل حتى لم تبق فينا قدرة على الحركة ، ورحت فى غيبوبة طويلة .. ولما فتحت عينى ونظرت إليه كان الدم يلطخ وجهه ، وكان صدغه قد تهشم من ضربة قاتلة .. فأدركت هول ما حدث وأغمضت عينى ..
***
نمت على الأرض وهو بجوارى فاقد الحراك .. ونظرت إلى السماء فوقى ، وإلى البحر الصاخب من حولى ، وإلى الظلام الذى تضل فيه الأبصار ، واستعرضت فى ذهنى صور حياتى إلى أن التقيت بصاحبى هذا .. وجمعتنى الأقدار معه فى عمل واحد .. وامرأة واحدة ..!
وبكيت وماتت فى نفسى كل عواطف البغضاء .. وودت لو أفتديه بحياتى .. وأخذنى بعد قليل ما يشبه الدوار .. ثم فتحت عينى ، وتصورت أن الجثة تتحرك وأنها اقتربت منى .. وكنت مشلولا ولا أستطيع الحركة .. فتملكنى غيظ مستعر ، وجعلت أصر بأسنانى ، وأهذى كالمجنون ، وأصرخ بأعلى صوتى .. ولكن موج البحر كان أعلى من صوتى .
كان يزمجر وكنت أصرخ فيختلط الصوتان معا ويذهبان أباديد ..
وظللت ساعة كاملة وأنا فاتح عينى ومعلق بصرى بالجثة .. وقد عجزت عن كل حركة .. وخيل إلىّ أنها انتفخت .. وأن وجهه يزحف عليه النمل .. والهوام ! وازددت كراهية لها ونفورا .. وخطر لى خاطر لماذا لا أدفعها إلى البحر .. وأتخلص من هذا العذاب ..
وزحفت بجسمى كما يزحف الثعبان .. وحاولت أن أدفع صاحبى فلم أستطع .. فتمددت فى مكانى وبصرى إلى النجوم .. إن الليل مرتع للهواجس .. فإذا طلعت شمس النهار ذهبت هذه الخواطر المرعبة أباديد .. ولكن متى يطلع الصبح ..؟
لقد كنت أرتعش وأصر بأسنانى ، وأشعر بجفاف حلقى .. ولما صحت بأعلى صوتى كان صوتى قد انقطع .. فأغمضت عينى وأخذت أبكى كالأطفال .. وكنت كلما أغمضت عينى ازداد سمعى حدة .. وخيل إلىّ أننى أسمع صياح مردة فى برج المنارة وعواء ذئاب .. ووضعت أصابعى فى أذنى .. ولكن هيهات كان الصوت قويا ، وكان يجلجل فى البرج .
وارتعشت .. وتصبب العرق وأخذنى الدوار .
***
ولما فتحت عينى ، كان النور قد غمر الكون .. وظللت طول النهار فى مكانى ، وأنا أتلوى من الألم والعذاب . . وكلما أدرت وجهى عن رفيقى .. عدت برغمى أنظر اليه وأرتعش .. حتى طار صوابى .
ومرت مركب فى المساء .. ولاحظت انطفاء المنارة .. فاقتربت وحملتنا .. هو ميت وأنا أشبه بالموتى .
وسجنت .. وخرجت من السجن .. وذهبت إلى كل مكان لأتلهى وأنسى .. ولكن صورة البحر بأمواجه وأشباحه والمنارة المنطفئة .. والزميل الراقد بجوارى لاتبارح مخيلتى أبدا ..
إننى معلق هناك بخيط لايرى .

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.10302 seconds with 11 queries