الموضوع: حوارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 14/08/2008   #332
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


> هل فقدت فكرتك المثالية عن الشيوعية في تلك اللحظة؟

- فقدت الفكرة المثالية لكنني لم أفقد ثقتي بالماركسية أو بالشيوعية. كان هناك تناقض كبير بين تصوّرنا أو ما يقوله الإعلام السوفياتي عن موسكو والواقع الذي يعيشه الناس، وهو مملوء بالحرمان والفقر والخوف. وأكثر ما هزّني لدى الناس هو الخوف. عندما كنت أتكلم معهم أشعر بأنهم يتكلمون بسرية تامة. وإضافة الى هذا الخوف كنت أشعر بأن الدولة موجودة في كل مكان بكثافة. وهذا ما حوّل مدينة موسكو من مثال الى مدينة عادية.


> الى أين سافرت بعد موسكو؟

- الى القاهرة.


> كم بقيت في القاهرة؟


- سنتين هما 1971 و1972.


> كيف كانت حياتك في القاهرة؟

- الدخول الى القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية. في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي اليها. ولم يكن هذا القرار سهلاً. كنت أصحو من النوم وكأنني غير متأكد من مكان وجودي. افتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أنني في القاهرة. خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، اسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك،وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين.


> هل التقيت طه حسين قبيل وفاته؟

- من سوء حظي أنني لم ألتقِ طه حسين، كان في وسعي أن ألتقي به، ولم يحصل اللقاء. وكذلك أم كلثوم لم ألتقِ بها. وحسرتي الكبرى انني لم ألتقِ هذه المطربة الكبيرة. كنت أقول انني ما دمت في القاهرة فلديّ متسع من الوقت لألتقي مثل هذه الشخصيات. التقيت محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ وسواهما والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.


> هل عملت في القاهرة؟

- عيّنني محمد حسنين هيكل مشكوراً في نادي كتّاب «الأهرام»، وكان مكتبي في الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان توفيق الحكيم في مكتب فردي ونحن البقية في مكتب واحد. وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وادريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق في مواعيده، ومنضبط، يأتي في ساعة محددة ويذهب في ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة استاذ نجيب؟ كان ينظر الى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا. أما يوسف ادريس فكان يعيش حياة فوضوية وبوهيمية، وكان رجلاً مشرقاً. وفي القاهرة صادقت أيضاً الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبدالصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل. كان هؤلاء من الأصدقاء القريبين جداً. وكذلك الابنودي. كل الشعراء والكتاب الذين أحببتهم توطدت علاقتي بهم. والقاهرة كانت من أهم المحطات في حياتي.


> هل كانت القاهرة منطلقك الشعري الثاني بعد انطلاقتك الاولى في الأرض المحتلة؟

- نعم. ولكنني سأروي لك هذه الوقيعة: عندما كنت في القاهرة راحت الصحافة العربية وخصوصاً بعض الصحافة اللبنانية تهاجمني. وخصّت مجلة «الحوادث» غلافها مرة لي قائلة: ليته يعود الى اسرائيل. وراحوا يؤبنونني شعرياً معلنين انني انتهيت كشاعر. قبل أن أكتب، حكموا على ما سأكتب. في القاهرة تمّت ملامح تحوّل في تجربتي الشعرية وكأن منعطفاً جديداً يبدأ.


> ولماذا قامت هذه الحملة عليك؟

- كان يُنظر إليّ عندما كنت في الأرض المحتلة كوني شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربي يصفق لكل الشعر أو الأدب الذي يخرج من فلسطين، سواء كان رديئاً أم جيداً. اكتشف العرب أنّ في فلسطين المحتلة عرباً صامدين ويدافعون عن حقهم وعن هويتهم. اكتسبت إذاً النظرة الى هؤلاء طابع التقديس، وخلت من أي ذائقة أدبية عامة. هكذا أُسقطت المعايير الأدبية عن نظرة العرب الى هذه الأصوات المقاومة بالشعر والأدب في الداخل. ومن القصائد المهمة التي كتبتها في القاهرة هي قصيدة «سرحان سرحان يشرب القهوة في الكافيتاريا» ونشرت في صحيفة «الأهرام» وصدرت في كتاب «أحبك أو لا أحبك».


> ما هي المحطة الثانية عربياً في مسارك الشعري؟

- انها بيروت، بلا شك. فبعد القاهرة انتقلت الى بيروت مباشرة. وأمضيت فيها نحو اثنتي عشرة سنة الى حين الخروج. عشت فيها من العام 1970 الى العام 1982. حنيني الى بيروت ما زلت أحمله حتى الآن. وعندي مرض جميل اسمه الحنين الدائم الى بيروت. ولا أعرف ما هي أسبابه. وأعرف أن اللبنانيين لا يحبون مديح مدينتهم في هذا الشكل. ولكن لبيروت في قلبي مكانة خاصة جداً. ولسوء حظي انني بعد سنوات قليلة من سكني في بيروت، وهي كانت ورشة أفكار ومختبراً لتيارات أدبية وفكرية وسياسية، متصارعة ومتعايشة في وقت واحد، لسوء حظي أن الحرب اندلعت. واعتقد ان عملي الشعري تعثر حينذاك.


> لكنك كتبت قصائد جميلة في بيروت؟

- أعتقد أن أجمل ما كتبت ديوان «تلك صورتها وهذا انتحار العاشق». ولكن بعد اندلاع الحرب صار الدم والقصف والموت والكراهية والقتل... كل هذه صارت تهيمن على أفق بيروت وتعكره. وبعض اصدقائي هناك ماتوا وكان عليّ أن أرثيهم. وأول من فقدت هناك غسان كنفاني. وأعتقد ان الحرب الأهلية في لبنان عطلت الكثير من المشاريع الثقافية والفكرية التي كانت تجتاح بيروت. وانتقل الناس الى جبهات مختلفة ومتناقضة ومتحاربة.


> هل شعرت يوماً انك طرف في الحرب اللبنانية؟

- لا، أبداً. أنا منذ البداية كنت أعبّر لأصدقائي ومعارفي عن تشاؤمي من نتائج هذه الحرب. وكنت أطرح السؤال الآتي: هل كان في وسعنا ألا نُستدرج كفلسطينيين الى هذه الحرب؟ كانت هناك أجوبة رسمية تقول أن دور الفلسطينيين في الحرب هو الدفاع عن النفس ومواجهة محاولة إقصائنا. ولكننا أخطأنا في بيروت عندما أنشأنا ما يشبه الدولة داخل الدولة.


> هل أزعجك هذا الأمر؟


- كثيراً. وكنت أخجل من اللبنانيين إزاء الحواجز التي كان يقيمها الفلسطينيون في الأرض اللبنانية ويسألون اللبناني عن هويته. طبعاً لكل هذه الأمور تفسيرات وتبريرات. ولكن كنت أشعر دوماً بالخجل. وكنت أطرح على نفسي أسئلة عدة حول هذه الأمور، حتى أمام أصدقائي المتحمسين للقضية الفلسطينية والحركة الوطنية. ومن هذه الأسئلة: ماذا يعني أن ننتصر في لبنان؟ هذا سؤال كان يلح عليّ دوماً. ولنفترض أننا انهينا الحرب وانتصرنا، فماذا يعني الانتصار هنا؟ أن نحتل لبنان ونتسلّم الحكم في لبنان؟ كنت متشائماً جداً. ولم أكتب عن الحرب اللبنانية إلا كتابة شبه نقدية.


> لكنك أسست مجلة «الكرمل» في بيروت وكأن لديك مشروعاً ثقافياً!

- هنا المفارقة.


> الوجود الفلسطيني في بيروت كان له بعد ثقافي وساهم في منح بيروت دلالة ثقافية عربية.

- تستطيع أن تقول هذا الآن، بعدما وضعت الحروب أوزارها، الحروب الفلسطينية – اللبنانية أو الحروب الأهلية... تستطيع من خلال رؤية محايدة أن تنظر الى الآثار الايجابية للتفاعل الفلسطيني مع الحياة الثقافية اللبنانية أو التفاعل اللبناني مع القضية الفلسطينية. هناك جوانب ايجابية فعلاً. هناك مركز الأبحاث الفلسطينية، مجلة «شؤون فلسطينية» ومجلة «الكرمل» وسواها... كنت أشعر بأن وجودي في بيروت سيطول ولم أكن أشعر بالحرج وكأنني مقيم في شكل شرعي. ولكن أن أكون مقيماً في شكل اجباري ومضاد لرغبة اللبنانيين عبر تعايشهم القسري معنا، فهذا كان يزعجني. وعندما خرجت القيادة الفلسطينية والمقاتلون الفلسطينيون من بيروت لم أخرج. بقيت في بيروت أشهراً عدة. لم أتوقع أن الاسرائيليين سيحتلون بيروت. ولم أجد معنى لخروجي في السفن مع المقاتلين. ولكن في صباح ذات يوم وكنت أسكن في منطقة الحمراء، خرجت لأشتري خبزاً وإذا بي أشاهد دبابة اسرائيلية ضخمة. دخلت اسرائيل قبل الإعلان عن الدخول. حينذاك وجدت نفسي وحيداً أتجوّل في الشوارع ولا أرى سوى الدبابات والجنود الاسرائيليين ورجالاً ملثمين. قضيت فعلاً أياماً صعبة جداً ولم أكن أعرف أين أنام.


> هل بقيت في الحمراء؟

- لا. قمت بحيلة. كنت أنام خارج البيت في مطعم، واتصل بجيراني لأسألهم ان كان الاسرائيليون سألوا عني. إذا قالوا: نعم جاؤوا، فكنت أدرك انهم لن يأتوا مرة أخرى، فأذهب الى بيتي، أتجمّم وأرتاح ثم أعود الى المطعم. الى أن حصلت الكارثة الكبرى وهي مجزرة صبرا وشاتيلا. عندذاك تيقنت من أن بقائي هناك ضرب من العبث والطيش.
عندما احتل الاسرائيليون بيروت عام 1982.



> وكيف خرجت؟


- رتّبت الأمر مع السفير الليبي في بيروت حينذاك، فهو كان في مقدوره أن يأخذني من منطقة الأشرفية التي كانت «الكتائب» تسيطر عليها، الى سورية. ولكن كان عليه أن يجد طريقاً ليأخذني من بيتي الى مدخل الأشرفية. اتفقنا مع ضابط لبناني أوجد لنا شارعاً كان سيمر به الرئيس الراحل شفيق الوزان، وكان هناك اتفاق بين الاسرائيليين والحكومة على ألا يتعرضوا لهذا الشارع. وفعلاً سلكنا هذا الطريق وخرجنا من بيروت. وعندما وصلنا الى طرابلس، ذهبنا الى مطعم لنأكل السمك بعدما مللنا أكل المعلبات. وبعدما دخلت الحمام لأغسل يديّ نظرت الى المرآة فرأيت أنفاً عليه نظارتان. لم أعرف صاحب هذا الوجه لثوانٍ. كأنني كنت أنظر الى وجه آخر. وعندما وصلت الى دمشق أقمت هناك أسبوعاً. وكان حصل حادث طريف جداً على الحدود السورية – اللبنانية. فالضابط اللبناني على الحدود الذي طلب أوراقي، وكنت أحمل جواز سفر تونسياً ديبلوماسياً، وجد ان اقامتي قد انتهت وهذه مخالفة قانونية. قلت له: صحيح، ولكن ألا تسمع الأخبار؟ ألا تعرف ان ما من سفارات أو دوائر تعمل؟


> الى أين سافرت من دمشق؟


- الى تونس. وكانت زيارة ورأيت خلالها الرئيس عرفات والأخوان في مشهد تراجيدي. رأيت كل الثورة الفلسطينية تقيم في فندق على شاطئ بحر. كان المشهد مؤلماً جداً ويستدعي كتابة رواية عن هذا المصير. لكن عرفات سرعان ما أعاد بناء مؤسسته. وقال لي للحين: واصل إصدار «الكرمل». كان مهتماً حتى بالجانب الثقافي. فقلت له أين أصدرها؟ قال لي: حيث تشاء، في لندن، في باريس، في قبرص... ذهبت من ثم الى قبرص كي أرتب شؤون الرخصة. وصدرت «الكرمل» من قبرص فيما كنت أنا أحررها في باريس وأطبعها في نيقوسيا وكان معاوني الكبير هو الشاعر سليم بركات.


> كم دامت إقامتك في باريس؟

- نحو عشر سنوات ولكن في شكل متقطع، إذ كنت أسافر باستمرار. وكنت هكذا قريباً من منظمة التحرير في تونس.


> كيف كان انطباعك عن باريس؟

- كانت باريس عبارة عن محطة أكثر منها إقامة أو سكناً.


> هل ساهمت باريس في انطلاقك عالمياً وفتحت لك الآفاق الرحبة؟


- لا أعرف. لكنني أعرف بأن في باريس تمت ولادتي الشعرية الحقيقية. وإذا أردت أن أميّز شعري فأنا أتمسك كثيراً بشعري الذي كتبته في باريس في مرحلة الثمانينات وما بعدها. هناك اتيحت لي فرصة التأمل والنظر الى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة، هي مسافة ضوء. فأنت عندما ترى من بُعد، ترى أفضل، وترى المشهد في شمولتيه. علاوة على أن باريس جمالياً تحرّضك على الشعر والابداع. كل ما فيها جميل. حتى مناخها جميل. في باريس كتب وفي وصف يوم خريفي: «أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟». ومدينة باريس أيضاً هي مدينة الكتّاب المنفيين الآتين من كل أنحاء العالم. تجد العالم كله ملخصاً في هذه المدينة. وكانت لي صداقات مع كتّاب أجانب كثيرين. وأتاحت باريس لي فرصة التفرّغ أكثر للقراءة والكتابة. ولا أعرف فعلاً ان كانت باريس هي التي أصابتني أم ان مرحلة نضج ما تمت في باريس، أم انه تطابق العنصرين بعضهما مع بعض؟ في باريس كتبت ديوان «ورد أقل» وديوان «هي اغنية» و«أحد عشر كوكباً» و«أرى ما أريد» وكذلك ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً؟» ونصف قصائد «سرير الغريبة». وكتبت نصوص «ذاكرة للنسيان» وغاية هذا الكتاب النثري التحرر من أثر بيروت، وفيه وصفت يوماً من أيام الحصار. معظم أعمالي الجديدة كتبتها في باريس. كنت هناك متفرّغاً للكتابة على رغم انتخابي عضواً في اللجنة التنفيذية. وفي باريس كتبت نص إعلان الدولة الفلسطينية. مثلما كتبت نصوصاً كثيرة ومقالاً اسبوعياً في مجلة «اليوم السابع». كأنني أردت أن أعوّض عن الصخب الذي كان يلاحقني في مدن أخرى.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06869 seconds with 11 queries