الموضوع: هيفاء بيطار
عرض مشاركة واحدة
قديم 14/12/2007   #40
شب و شيخ الشباب Moonlights
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Moonlights
Moonlights is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
فوق جبل بعييييييد
مشاركات:
263

افتراضي يتبع / الساقطة


كانت تبتسم بصفاء لا يتأتى إلا من ضميرها المرتاح, ونقاء روحها.
لم يستطع شيء أن يعكر ثورة المحبة في روحها, لا الفقر, ولا الحرمان العاطفي والجسدي, ولا السنوات وهي تعمل كآلة.
كانت وسيلتها الوحيدة للتخفيف من انتقاد صديقتها وفظاظة زوجة أخيها هي الفكاهة اللطيفة, إنها تفتعل إضحاك نفسها لتخفف من وطأة الأيام وثقلها على روحها, التي لا تعطيها الحق أن تئن.
كانت تمتص بكل طيبة تعليقات صديقاتها الساخرات: إيه ألم يلمسك أحد؟ ألا تعرفين رجلاً؟ ألم يطلبك أحد للزواج؟
كانت تشعر بالخجل والدونية كون أي كم الرجال الذين وضعهم القدر في طريقها لم يفكّر بالزواج منها, ترى ما السبب؟ كانت تقلّب الاحتمالات بذهنها ولا تصل سوى لنتيجة واحدة, هي أن الكل يلاحظ أنها ليست ملكاً لذاتها, بل لهم, فلذّات أكبادها, كيف تتركهم لأم أنانية, وأب لا يعي مسؤولياته, كيف تتركهم ونظرات الحرمان في عيونهم تلاحقها؟! لا تستطيع, قدرها أن تكون جسراً يطأه الآخرون, إنهم أولادها, هذا ما تحسه, أيعقل ألا يعتنوا بها حين ستطاردها الحياة وتهدها الشيخوخة؟
كانت في أوقات متباعدة تتساءل ما هو الرجل؟ فتحس بشوق غامض مبهم, ماتت حاجتها لنصفها الآخر مع تعاقب الأيام, أليس الزمن مقبرة الشهوات؟ لم تحلم يوماً أن تكون بين أحضان رجل, إنها كائن لا جنسي ماكينة عمل, إنما بقلب يخفق أبداً بالحب.

أكان قدرها أن يتأجج قلبها بالحب وهي في الثالثة والخمسين, كان يماثلها بالعمر, قريب لإحدى صديقاتها, التقته مصادفة أثناء زيارتها, ولأنه خصّها بنظرةٍ طويلةٍ, أحست أن كيانها في العمق يتزلزل, أحست بتفجر ينابيع متدفقة في روحها لم تتبين طبيعتها, حتى وجدت نفسها تعي شيئاً فشيئاً أنهى أنثى, لم يخصّها بالحديث, لكنه كان يطيل تأملها, ولأول مرة تشعر بنملٍ في راحتيها وتتذكر أن لديها نهدين عذراويين, سربلها جو من الألفة, لا يوجد إلا صديقين يكنان لبعضهما مودة كبيرة عمرها سنوات.
تكررت اللقاءات, عرفت أنه قضى عشرين عاماً في السجن, وأنه يحاول أن يجد لنفسه مكاناً في الحياة خارج القضبان.
كان يأخذها بين ذراعيه الدافئتين وهو يقول: الوحدة هي السجن, وحده الحب يحررنا من السجن.
كانت تدهش لماذا تبكي في كل مرة يأخذها بين ذراعيه, بكاءً صامتاً دون أن يعكر وجهها, كانت تحس أن الدموع تنزلق مذيبة تعب وحرمان سنوات طويلة.

فاحت رائحة الحب الحرام بين خريج السجون وبين المعلمة الدميمة, مدّهما الحب بتهور المراهقين, ولم تكن تبالي بالتعليقات اللاذعة حين تزوره في غرفته الحقيرة في حي شعبي.
هددها أخوها بطردها من المنزل لأنها تشوه سمعة العائلة, حتى صديقاتها نبذنها, كانت تقرأ إدانتها في نظراتهن, وتحس أنهن يرغبن بتعليق آثامهن عليها.
لأول مرة تندم لماذا تنازلت عن حصّتها في البيت لأخيها, كانت تعرف أنها لا تملك شيئاً سوى أن تحيا هذا الحب, وكانت تسأل روحها بألم: لماذا نبذني الناس, لأنني أحببت؟ ترى ألا يحق لقلبي أن يخفق؟
كان يمكن أن تفهم قسوة الناس معها ما عدا موقف ابن أخيها البكر, إنه ابنها الذي لم تلده, والذي ربّته حتى عدا شاباً, فاجأها وهي تنعطف داخلّة الزقاق الذي ينتهي بالبيت القديم الذي يسكن حبيبها في إحدى غرفه, اعترض طريقها وعيناه تقدحان شراً قائلاً: إلى أين؟
لم تستطع أن تواجه الأذى في عينيه بالمثل, إنها تحبه رغماً عنها, قالت: أتتبعني؟
قال: إنسانة ساقطة مثلك يجب أن أربّيها.
صعقها كلامه, فغرت فاها وهي تردد: غير معقول, أمسكها من ساعدها بقبضته الحديدية وقال: هيا إلى البيت.
دفعته من صدره وهي تقول بحزمٍ : ابتعد من طريقي, لا علاقة لك بي.
هوت صفعة مدويّة فوق خدها, جعلتها تترنح وتفقد توازنها للحظات, ولولا قربها من جدار عتيق أسندها لكانت سقطت أرضاً, فوجدت نفسها تصرخ بلوعةٍ: أتضربني يا كلب, لحم أكتافك من تعبي, تقرّحت معدتي من شرب القهوة, وأنا أدور من بيت إلى بيت أدرّس التلاميذ لأقدم لك المال لتشتري حذاءً إيطالياً وبيجامة رياضة, ونظارة شمسية, من درّسك دروسك يا نذل حتى حصلت على الشهادة الثانوية بمجموع ممتاز؟
أتضربني, أتجرؤ أن تمد يدك على عمّتك!
تجمهر البسطاء حول الشاب الأنيق مفتول العضلات, والعمة الخمسينية البائسة, رفعت عينيها الدامعتين لتطالعها وجوه ذابلة بدت كأنها مرسومة على سطح الماء, سأل رجل خرج من قلب الجمهرة: خير ما القصّة؟
قالت وهي تلمح الذعر في عيني ابن أخيها: لا شيء, أبداً, لا شيء, مجرّد سوء تفاهم.
استجمعت قواها وطلبت من الناس أن ينفضّوا, قالت مجرّد سوء تفاهم كما قلت لكم بين أم وابنها.
سمعت تعليقاً ساخراً: لم نر ابناً يضرب أمه من قبل.
انسحب ابن أخيها يخطا واسعة, تاركاً إياها وحيدة تلملم ذاتها المبعثرة في الزقاق, أغمضت عينيها هاربة من المكان وناسه, تحت أجفانها ارتسمت صورة والدها مسجى في التابوت وقد ضم باقة من القرنفل الأبيض بين يديه, كان وجهه الأقرب إلى روحها, أمكنها أن تحس في رقاده وفي إغماض عينيه أنه يباركها ويشجّعها على عيش ثورة الحب الذي لا قيمة للحياة من دونه.

We ask the Syrian government to stop banning Akhawia and all Syrian sites

القمر بيضوّي عالناس
والناس بيتقاتلوا .
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.20916 seconds with 11 queries