عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #4
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


= يخرج الواحد منا من مجلس نجيب محفوظ مختلفًا، يحدث هذا بدرجات متفاوتة لمعظم من يحضره، يخرج وقد تغير فيه شيء ما، شيء طيب وعميق: أحيانًًا أحسه بدرجة ما من التحديد، وأحيانا يصل إلي وعيي رغما عني فأنزعج منه أو أفرح به، وأحيانا أرجح أنه حدث ولا أدرك تفاصيله، فأنتظر تراكماته مع غيره حتي أستبين.
= من علامات نجاح هذا النوع من الإبداع الجميل أننا لا نمله، نحن لا نشعر مع شيخنا هذا بالزمن أصلا.. أراهن لو أن أحدًًا جلس مع نجيب محفوظ ونظر في الساعة مرة واحدة يستعجل الوقت (بشرط ألا يطغي علي جلسته جسم غريب لحوح لا يعرف طبيعتها).
= يتسع صدر شيخنا لأي اختلاف وكل اختلاف، ليس فقط فيما يصله، ولكن فيما بين المتحاورين بعضهم مع بعض. وإذا بنا نتحمل بعضنا بعضا أكبر مما لو تواجهنا بعيدًًا عنه. وهذا من علامات وضرورة التخلق الجديد لذواتنا في رحابه، ونحن نتعلم كيف نتحمل الغموض، نثري بالاختلاف للتوليف.
= تتعاظم التفاصيل الإنسانية البسيطة في حضور محفوظ، فتصبح لها نفس أهمية ودلالات القضايا العامة، ففي عز انهماكنا ـ مثلا ـ في تعريف المثقف، أو مناقشة اتفاقية الجات، أو مصيبة فلسطين، يسأل نجيب محفوظ عن نتيجة فحص قلب أحدنا ممن يكون قد أخطره باعتزامه استشارة طبيب، أو عن أحوال قادم من سفر بعيد، يحدث كل هذا العادي بشكل غير عادي، فيغوص في عمق وجداننا معًًا، حتي نصبح واحدًًا حوله، فنتقارب أرق وأقرب في كلية متناغمة جديدة.
يحدث كل ذلك دون أن نسميه إبداعًًا، ودون أن يبدو عليه أنه هو قائد هذه السيمفونية الإنسانية من التواصل الجميل.
أنت في جلسة نجيب محفوظ، لا تملك إلا أن تنسي أنك تجلس مع نجيب محفوظ الذائع الصيت الحاصل علي نوبل، الكذا وكيت، بل إنه هو شخصيا أكثر واحد لا يلاحظ أنه «نجيب محفوظ» بل مجرد واحد منا: يقوم لكل قادم، ويرد علي كل سائل، مهما صغر أو كان ضيفًًا يحضر لأول مرة. هذا الحضور الإنساني الرقيق ليس منفصلا عن إبداعه المسجل المعلن الناتج منه بعيدًًا عن حضوره الشخصي اليومي. وكأن هذا الإبداع العادي هو الأرضية الأصل التي يمارس محفوظ من خلالها حضوره الإيجابي المتفجر إبداعًًا روائيا بمختلف أنواعه.
بدا لي أن محفوظًًا يقرؤنا ويكتبنا بكل اللغات، وكل من عاشره أكثر من مرة لابد أن يلاحظ لغات تحاوره المتعددة سواء بالكلام أم بالصمت المفعم، أم بالإيماءة المتسامحة أم بالضحكة العريضة.
ذات مرة تساءلت ماذا لو أنه غاب عن جلساتنا هذه، لا قدر الله، ثم أدرنا نفس الحديث، وتناولنا نفس المواضيع، وتحمسنا نفس الحماس، واختلفنا نفس الاختلاف: هل يتبقي فينا ما يتبقي وهو بيننا؟ لا أظن. بل إنني تصورت أن أحدًًا منا لن يحضر أصلا في المرة التالية. لأنه سوف يفتقد ذلك «الحضور الخاص المعجز معًًا».

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03705 seconds with 11 queries