لعنة فلسفية
الفيلسوف هو من اصيب بلعنة ادراك ، قلة ادراكه ، فاستحال ناطقا باسم عجزنا عن الوصول الى الحقيقة التامة ، ليغدو متشائما ، لا من عجزه _ نقائصه فحسب ، انما من التفاؤل المفرط عند المتيقنين بإيمانهم في ما يعتقدونه حقيقة نهائية . هكذا " نيتشه " قبل " سيوران " يتالم من زيف ما يحوف بالانسانية من معارف و فلسفات ، زادت تكديسا فوق محتجبات حقيقتنا البسيطة ، فنيتشه كان يروم من هدم الفلسفات القديمة السابقة لا الهدم ، إنما اظهار ما تم اخفاؤه منذ ان بدا الانسان يتفلسف ، وذلك للوقوف أمام أنفسنا عاريين من ثياب الطوباويات التي نتماهى فيها مع ما نرغب _ ما نريد_ ما نتمنى ، لا مع ما هو موجود .
فالموجود يختفي حينما يستأنس الرائي بتخيله و تصوره بمل سيوجد في مستقبل مُرْجئ دوما .
الدعوة إلى...، مغطاة بالتوقع !
أتحققت توقعات فلاسفة القرن المنصرم لمجريات أحداث عالم اليوم ؟ أم أن ما يجري في عالم اليوم استجاب لتوقعات _ دعوات _ نداءات فلاسفة الأمس ؟
في هذا السؤال خطأ بنيوي ، يضمر إنكارا لدور أدعياء الثقافة الأيدولوجية في توجيه صيرورة التاريخ ، أو قل ، يحملهم مسؤولية كاملة عن الانحرافات التاريخية السائرة بهدى قدر ما ... (( ما فوق تاريخي )) ، وفي الحالتين يعتقد السائل أن التاريخ جوهر معافى من مفاعيل الدعوات التاريخانية التي تعكر صفو صيرورته الجارية الى حيث لا يجب أن نتوقع ، لا يجب أن ندعو ، لا يجب أن نفسر .
فلنصمت اذا ، حتى يبقى التاريخ بريء في انسيابيته الأبدية ، و ذلك كله حتى يرتاح (( كارل بوبر )) من ضجيج الدعوات التاريخانية لاشتراكية ماركس ، واسلام النبي محمد ، و كل ما من شأنه معاكسة مجرى نظامه الليبرالي الديمقراطي و انسانيته المنفتحة على احتمالات تطوير القائم ، لا تغيير السائد .
وجعي تراث الناي يشرب من دمي بوْح الغروب و صُفرة الأهدابِ
أمرُّ باسمكِ إذ أخلو الى نفسي