الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 24/06/2008   #188
شب و شيخ الشباب achelious
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ achelious
achelious is offline
 
نورنا ب:
Oct 2006
المطرح:
الغدّ
مشاركات:
2,008

افتراضي


وصول صوفيا إلى المحطة:

كان دخان القطار الذي يحمل صوفيا ينفث دون توقف!! كأنه نذير شر.. وكان على رصيف المحطة كل من سيرجي والطبيب ماكوفيتسكي الذي كان يدرك أن صوفيا ستصب عليه جام غضبها، لكنه أصرّ على استقبالها بالتعليمات التي تساعد على استعادة عافية مريضه العجوز! ونزلت الكونتيسة صوفيا أندريفنا! ونقرأ عن تلك اللحظات، ما كتبته ابنتها ساشا في مذكراتها: «كنت على ثقة بأنها ستتهمني بالتواطؤ مع أبي، وتدبير أمر فراره من القصر في غفلةٍ منها! وقفت من وراء النافذة أرقبها من خلال النور الخافت في المحطة وهي تعبر الطريق الحديدي نحو البيت! أشفقت عليها كل الإشفاق، وهي تسير مقوسة الظهر، مستندةً على ذراع أخي سيرجي، وكان خلفها كل أخوتي.. وأخواتي!

أحسست بأن الأسرة كلها ما جاءت لكي تعود برب البيت!!.. إلى قصره في إيزيانا/ بوليانا! وإنما لتشيعه من بيت ناظر محطة استابوفو إلى مثواه الأخير! أدركت أن ذبالة الحياة في جسد أبي لن تقوى على مقاومة عاصفة الغضب التي توشك أن تنطلق من صدر أمي! رغم حبها الجارف لأبي! أحسست بسعادةٍ غامرة، حين هرع نحوي الدكتور ماكوفيتسكي ليزف لي خبراً:
ـ اطمئني يا ساشا، جميع أفراد الأسرة يدركون خطر دخول الكونتيسة على أبيك! والغريب في هذا! أن أمي قد أقرّتهم جميعاً على ذلك مادام هذا سيعجّل بشفاء ليوفوتشكا العزيز!».

أعلن ناظر المحطة لكل من ساشا والطبيب أن قطارات كثيرة تتجه الآن إلى محطته!!.. ولم يعد أحد في روسيا كلها يجهل أن كاتبهم الكبير ليو تولستوي يرقد مريضاً في هذه القرية الصغيرة، فالصحف قد أبرزت هذا في صفحاتها الأولى! ومرت الليلة الأولى لوصول الكونتيسة! دون مفاجآت! ومع صباح اليوم الثاني جاء الدكتور نيكيتيين، وهو من أهم أخصائيّ الحميّات في موسكو.. وبعد الفحص، كتب: إن صديقنا الكاتب العظيم في حالة محزنة من الضعف الجسماني، النبض غير محسوس بسبب الالتهاب الرئوي.. ولكن لن نفقد الأمل، فهناك علامات مشجعة، وهي أن الحرارة قد هبطت إلى (37 درجة)، دخلت ساشا على أبيها! أذهلتها حالته! رأته لأول مرة منذ أن رقد على هذا الفراش البسيط، وقد اعتدل في رقدته، يدوّن شيئاً في ورقة صغيرة بقلمٍ من الرصاص، ويدير زر ساعته الفضية الكبيرة ذات السلسلة الطويلة.. استقبلها في مرحٍ طافحٍ على محياه:
ـ ساشا! أعتقد يا ابنتي أنني في حاجة إلى كوبٍ كبيرٍ من الحليب الساخن!
ـ ما أسعدني بما طلبت يا أبي.. سأعده لك حالاً!
ـ لا! ليس الآن يا ساشا! اجلسي بالقرب مني هنا على الفراش، وخبريني ماذا قال دكتور نيكيتيين عن حالتي؟! أنت تعرفين دكتور نيكيتيين هذا، كان له رأي خاص في روايتي(آنّا كارنينا)، وفي رأيه أن انتحار (آنّا) كان.. و..
ـ أبتي أنت في حاجة إلى الراحة بعيداً عن التفكير الأدبي المرهق!
ـ كنت أقبل أن أغادر القصر أفكر في رواية جديدة عن الشباب الرافض لتجاربنا! أعتقد أنكم معشر الشباب على حق! ولكن..
ـ مقاطعةً بحنان: أبتي! هذه الانفعالات ضارة بقلبك!
ـ كفّي عن هذا الهراء! متى سأغادر هذا البيت؟!
ـ ليس قبل أسبوعين يا أبتي..
ـ آه.. هاأنت تتعسينني بما تقولين! أسبوعان؟!
ـ حتى تسترد قواك كاملةً أيها البطل..!
ـ أنتِ على حق! الآن هاتي كوب الحليب الساخن!!..

وغدا بيت السيد أوزولين ناظر محطة قطار استابوفو مقراً لمن يقومون على رعاية كاتب روسيا العظيم! ابنته الآنسة ساشا، وطبيبه الدكتور ماكوفيستكي، والطبيب الكبير دكتور نيكيتيين الذي جاء من موسكو، رغم أنه من مشاهير الأطباء في كلية موسكو الطبية. فهو يرقد فوق خشبةٍ خشنة قريبة من الغرفة التي يرقد فيها الكاتب العظيم! أما زوجته الكونتيسة صوفيا والأولاد جميعاً، فإنها أجرت اتفاقاً مع مدير السكك الحديدية في منطقة تولا! يقضي بتحويل القطار الذي جاءت به لاستخدام عرباته لإيوائها وأفراد أسرتها، كما تستخدم بقية المقطورات! للصحفيين والكتاب، وأعداد كبيرة ممن جاءوا للاطمئنان على صحة كاتبهم! وكانت الكونتيسة داخل مقصورتها لا تكف عن البكاء، يحيط بها أولادها وبعض أقاربها من أسرة أندريفنا، والكل ملتزمٌ الصمت احتراماً لحزنها، بينما هي تصيح في عصبية شديدة: «من حق أي زوجة أن تكون مع زوجها المريض! وأنا لست أي زوجة، أنا الكونتيسة صوفيا أندريفنا.. زوجة ليو تولستوي! ثم تشهق في البكاء! وتقول: أنا زوجته، وأخته، وأمه! بل أنا حبيبته! لماذا لا تدخلوني إليه؟! أهو الذي أصدر هذا القرار القاسي؟! لا أظن! لا أظن! لقد كان رحيماً بي دائماً! حنوناً معي في كل وقت! إنه يتعذب الآن! لأنكم تمنعونني من الدخول عليه! أنا أعرف الناس بحبيبي.. ليو! فتتدخل ابنتها (تاتيانا) مواسيةً أمها:
ـ إنها تعليمات الأطباء.. إنهم يخشون على قلبه من الانفعالات الزائدة. فتنظر إلى ابنتها كالنمرة الشرسة، وتصيح فيها بكل الحقد:
ـ بل قولي إنها تعليمات ودسائس تشيرتيكوف! هو الذي يرغم دكتور ماكوفيستكي على قرار منعي من الدخول إلى حبيبي! وأنا بدوري سوف أُرغم ماكوفيستكي اللعين على اعتزال مهنة الطب إذا حدث مكروه لحبيبي ليوفوتشكا! هو الذي حرّضه على الفرار! وهو الآن الذي يحرمه مني، ويحرمني منه.. فتجيبها تاتيانا:
ـ أماه! إن عدم دخولك إليه قرار من الدكتور نيكيتيين! فتنظر إلى ابنتها بعينين متوسلتين:
ـ تاتيانا! أرجوك يا ابنتي اذهبي إلى غرفة ناظر محطة القطار اللعين وانظري من زجاج النافذة المطلة على غرفته، انظري إلى أبيك.. وعودي إليّ بأخباره! أهو بخير؟! هل تناول الحليب الدافئ كما تعوّد؟!.. هل يقرأ؟!.. هل يكتب؟!••.. بحق السماء!!.. بحق السماء! ليذهب أحدكم ويأتيني بأخبار ليوفوتشكا!

كان تولستوي بعد أن استرد شيئاً من قوته يرغب في رؤية صديقة تشيرتيكوف، وناشره (جوربونوف) الذي كان قد طلب إليه أن يحضره معه من قبل.. وبقي معه لحظات أراد لها تولستوي أن تطول•.. لكن الدكتور ماكوفيتسكي حذرهما من الحديث الطويل المجهد، إلا أن تولستوي تدخّل: دعهما يا ماكوفيتسكي! أريد أن أعرف! ماذا أعد جوربونوف بشأن نشر كتابي الأخير (طريق الحياة)..
ـ ليو! إنك تريد مغادرة هذا البيت أليس كذلك؟! حسناً لن يحدث هذا إذا أنهكت قواك في حديث طويل! أرجوك أن تستبقي قوتك حتى تغادر (استابوفو) في الغد إن شاء الله!!..
فيفزع تولستوي كالمذعور: أغادر؟!... إلى أين؟! إلى إيزيانا/بوليانا؟! مستحيل؟! مستحيل! بل سأعود إلى شاماردينو! كأنما فجأةً لاح له شيء:
ـ ماكو فيتسكي.. يخيل إلي أنني رأيت وجه سيدتين تنظران إلى داخل الغرفة من النافذة! من هما يا ماكوفيتسكي؟!
ـ لا أحد ينظر إلى الغرفة يا ليو..
ـ لعلها ابنتي تاتيانا؟! أو لعلها الكونتيسة زوجتي؟!
ـ أؤكد لك أن أحداً لم يقترب من النافذة! ربما تكون انعكاسات المارة في الطريق المجاور للمحطة!
ـ ربما.. ولكن.. من يدري.. قد تأتي صوفيا لتنظر من زجاج النافذة.. يجب تغطية الزجاج بستارة ثقيلة..
ـ قل لي بصدق يا ماكوفيتسكي: أين صوفيا الآن؟! فلا يجيبه..! فيواصل تولستوي حديثه: د\
ـ يجب أن تقنعوها بأن دخولها عليّ هنا يعني موتي، لن أحتمل الانفعال يا ماكوفيتسكي!!.. وأنت تعرف هذا جيداً!
رقد بعض الوقت، ثم استيقظ، ودون أن يحرك رأسه.. نادى على ساشا، التي اتخذت لها مكاناً على الأرض بالقرب من أبيها..
ـ ساشا؟! يخيل إلي أن أختك تاتيانا في الخارج!! هل جاءت إلى هنا؟! أيعني ذلك أن أمك أيضاً قد جاءت هي الأخرى؟!
ـ لم تأت غير تاتيانا يا أبتي!
ـ وهذه المخدّات الطرية تحت رأسي.. من جاء بها؟! إن عليها شارة قصري إيزيانا / بوليانا..!
ـ جاءت بها أختي بأمرٍ من والدتي!
ـ (كأنما يحدّث نفسه): الكونتيسة! كيف هي؟! ماذا تفعل؟! لا بد أنها مضطربة جداً، خاصةً إذا علمت بحالتي؟!..هل تتناول طعامها بانتظام؟!
ـ أبتي اطمئن.. أمنا بخيرّّ..
ـ (بصوتٍ باكٍ): ساشا! المهم أنها لن تحتمل رؤيتي وأنا على هذا الحال! وأنا أيضاً! قد أموت إذا بكت أمامي! تكلمي يا ساشا! أنت تعرفين أنه لا شيء أهم عندي من صوفيا!
ـ أرجوك يا أبتي! إنك تؤذي نفسك بهذه الانفعالات!!.. أمنا بخير، وهي تدرك سبب مغادرتك القصر!

يتبع ..

لا أحتاجُ لتوقيعٍ .. فالصفحةُ بيضا
وتاريخُ اليوم ليس يعاد ..

اللحظةُ عندي توقيعٌ ..
إن جسمكِ كانَ ليَّ الصفحات
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06690 seconds with 11 queries