عرض مشاركة واحدة
قديم 03/02/2009   #1
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

Exclamation الكونيات عند جبران . .


بقلـــم : مــ . فايز فوق العادة


تحتل الكونيات كل كلمة قالها جبران: ها قد سرت خمساً وعشرين مرة حول الشمس، ولا أدري كم مرة سار القمر حولي، لكنني لم أدرك بعد أسرار النور ولا عرفت خفايا الظلام، قد سرت خمساً وعشرين مرة مع الأرض والقمر والشمس والكواكب حول الناموس الكلي الأعلى، ولكن هو ذا نفسي تهمس الآن أسماء ذلك الناموس مثلما ترجع الكهوف صدى أمواج البحر، فهي كائنة بكيانه ولا تعلم ماهيته وتترنم بأغاني مده وجزره ولا تستطيع إدراكه، منذ خمس وعشرين سنة خطتني يد الزمان كلمة في كتاب هذا العالم الغريب الهائل، وها أنذا كلمة مبهمة ملتبسة المعاني ترمز تارة إلى لا شيء وطوراً إلى أشياء كثيرة.

لقد رأى كل من آينشتاين وجبران أكواناً خاصة استلها مما خزنته الأزمنة في خلاياه، إن أهم سر من أسرار العالم، هو أن هذا العالم يمكن فهمه، لا يستطيع العقل الإنساني أن يحيط بالكون: إننا أشبه بطفل صغير يلج مكتبة كبيرة حيث ترتفع الكتب حتى السقف وتتوزع بين لغات مختلفة، إن الطفل على علم مسبق أن البعض مسؤول عن كتابة محتويات هذه الكتب، إلا أنه لا يدري من هم هؤلاء البعض وكيف أنجزوا ما أنجزوه، كما أنه لا يفهم اللغات التي سطرت بها تلك الكتب، وعلى الرغم من ذلك يستطيع الطفل أن يتحسس خطة محددة في ترتيب تلك الكتب، إنه تنظيم غامض، لا يستطيع الطفل فهمه بشكل كامل، ولكن يستطيع إدراكه على نحو مبهم.

لم يكن هناك فاصل بين جبران وبين الكون ولا عداوة بينه وبين أصغر أو أكبر ما في الكون، بل كل ما في الكون كان يناديه: أنت ابني الحبيب، كبّر أيها الكون، الأولى بثوا في سمائك أنفسهم، وملؤوا الهواء أرواحاً لطيفة وعلموا الإنسان أن يرى بسمعه ويسمع بقلبه. لقد عزت على جبران الذات المشترطة فأطلقها لتسع الكون بأسره، لا غرو في أنه تحول من محدودية الإنسان في الله إلى كلية الله في الإنسان، لم يجد جبران بين النكبات المخيفة والرزايا الهائلة إلا ألوهية الإنسان تقف كالجبار ساخرة بحماقة الأرض وغضب العناصر ومثل عمود نور منتصبة بين خرائب بابل ونينوى وتدمر وبمباي وسان فرانسيسكو ترتل أنشودة الخلود قائلة: لتأخذ الأرض ما لها فلا نهاية لي، أنتِ أنا أيتها الأرض، فلو لم أكن لما كنتِ، إنما الإنسان كائن منتصب بين اللانهاية في باطنه واللانهاية في محيطه، فلو لم يكن فينا ما فينا لما كان في خارجنا ما في خارجنا.

إن الذات هي منبع الألوهة، أما الألوهة فهي غاية ترسمها أحلام الذات أمامها، أشار آينشتاين إلى ذلك بقوله: إن ما يشغلني فعلاً هو التساؤل التالي: هل كان لدى الإله أي خيار في خلق العالم. من جانبه أكد جبران أن الطبيعة ما هي إلا جسد الله، شكل الله، والله هو ما ننشده ونحب أن نحققه، لقد بات على الطبيعة أن تولد من الشاعرية، من الإنسان الخلاق، من الرؤيا، بعد أن كانت هي منطلق العقل، إن النظرية العلمية الحقيقية هي قصيد كوني لحن وفق رموز خاصة، أضيف مما قاله آينشتاين: خالق العالم هو الإنسان الفرد العظيم، علينا أن نسرع قبل أن تذوي كل الأحلام. الحق نقول إننا نجد صعوبة بالغة في التمييز بين آينشتاين وجبران.

عود إلى جبران: ومن لا يصرف الأيام على مسرح الأحلام كان عبد الأيام. أوليست الأحلام هي ذاتها الأكوان إن ما يتحدث عنه الجميع بأنه حلم، نصفه بقولنا إنه كون ومضة يسرع بالزوال، أما الكون، أو إن شئتم الأكوان فهي أحلام تبقى لفترة أطول ولو بهنيهة، لذا فلتكن ثقتكم عظيمة بالأحلام، لأن بوابة الأبدية مختفية فيها، إن الإنسان مخلوق يشعر بما لا يراه ويتخيل ما لا تقع عليه حواسه، فيرسم لشعوره رموزاً تدل بمعانيها على خفايا نفسه برسم خياله بالكلام والأنغام والصور والتماثيل التي تظهر بأشكالها أقدس ميوله في الحياة وأجمل مشتهياته بعد الموت.

إن كان الإنسان المصدر الوحيد الممكن لكل ما هو غير متوقع، إن كانت الحياة المقدس الوحيد المعطى من ذاته لذاته وبذاته، فإن الإنسان الحي الظاهرة هو بالتعريف النبوة المستمرة، واليوم أعرف كل المعرفة أني أنا الدائرة وأن الحياة بأسرها تتحرك في بذرات منتظمة، أنا هو البحر غير المتناهي، وما جميع العوالم سوى حبات من الرمل على شاطئ، إن انتابتني الحيرة فعلي أن أصبر، فالحيرة بدء المعرفة، أوليس الغموض والسديم هما بداءة كل شيء لا نهايته، أما من يقنط فلن يكون نبياً، ومن يخاف ذاته وكل شيء آخر فهو من القانطين، من هنا كان رفض النبوة إلى حد إنكارها، تلكم هي مأساة الإنسان المستنبتة على مسرح الدهر، وقد كثر المتفرجون المستحسنون، وقل من تأمل وتعقل، كان جبران في عداد من تأملوا وتعقلوا، كان نبياً بحق.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04737 seconds with 11 queries