عرض مشاركة واحدة
قديم 11/10/2009   #2
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي


إن الحقائق العظيمة الفائقة الطبيعة لا تنقل من بشري لآخر بواسطة الكلام البشري المتعارف عليه، لكنها تختار السكينة بين النفوس. إن أعطيت النفس الصمت لاقتحمت غمرات الليل. والنفوس هي العوالم، هي الأكوان. إن لكلّ عالمه، بشكل أدق، إن الوجود بالتعريف تجارب متعددة تتجسد في أكوان تأتي وتذهب من ثم كما أتت دون إذن أو توقع.
تلك الأكوان هي نحن، وهي جبران، وهي
آخرون.
قد تكون فاجعة أن يذوي كون ويضمحل ويختفي. كما نحسب أن الكون جبران
قد فعل، وأن الكون آينشتاين قد فعل، بينما الكون بحاجة ماسة إلى كل أكوانه.

إن جبران وآينشتاين ودستويفسكي قد اندثروا وغابوا لكنهم باقون ما
بقيت الحياة، إن رسالتهم ما زالت على الدرب، لكنها ستصل وإن وصلت يجب أن تفض. إن على الوجوه أن تخلع الأقنعة لخظة فض الرسالة وإن على الأعين أن تحملق فيها باحثة عن المعنى عبر طياتها.


إن كل وجه من الوجوه هو لا شيء، كونه يتألف من ذرات مادية قوامها الفراغ والهندسة، والفراغ والهندسة مجرد مفهومين. لكنه الوجه تعريف غير المعرف. لذا ترك الإنسان التاريخي الوجه بدون كساء، وعمد إلى الثياب يغطي بها باقي ألأجزاء جسمه، من هنا كانت الأهمية القصوى للاشيء للوجه.
إن الوجه هو
الأنا عندما تستجر شهادة تعريف لها من السوى، ترى الأنا مجموع إنيات متخالفة في السوى، إنه أمر جواني تنكره الأنا إذ تخلد إلى ذاتها، هكذا تفقد الأنا أي تعريف لها، حتى الوجه الذي خلفته تعجز عن رؤيته.
النبي فقط
يخرج من الأزمة بدفع أناه نحو الكمال، إذ ذاك يمد النبي أناه شاعراً أنه هو الفضاء ولا حد له، وهو هو البحر بدون شواطئ وأنه النار المتأججة دوماً، والنور الساطع أبداً والرياح إذا هبت أو إذا سكنت والسحب إذا برقت وأرعدت وأمطرت والجداول إذا ترنمت أو ناحت، والأشجار إذا أزهرت في الربيع أو تجردت في الخريف والكون بأسره إن تجلى أو اختفى.

وماذا إن اختفى الكون،
ماذا إن أوصدت على حين غرة نافذة الأنا إلى الكون، نافذة المطلق إلى المطلق، إنها النافذة الوحيدة المطلقة دون النوافذ الأخرى، ذلك أن المطلق لا يستشعر النوافذ الأخرى إلا إن أطل من نافذته، من وجهه، إن المطلق على جهل مطبق بعلة وجود النوافذ الأخرى، إن النوافذ الأخرى عديمة الجدوى. إن أي نافذة منها ليست إلا طيفاً، شبيهاً، مثلاً، ولعلها ند.

هل أنتِ أيتها
الأرض المسؤولة عن تثقيب الفراغ بكل تلك الوجوه، بكل تلك النوافذ، بينما أنا المطلق هويتي وجهي، نافذتي، ولا أحتاج إلى تعريف.


تجيب الأرض بذرائعيتها المعهودة:
أنا الرحم والقبر، وسأبقى رحماً وقبراً
حتى تضمحل الكواكب وتتحول الشمس إلى رماد. إنني لا أستطيع إلا أن أكون رحماً وقبراً وإلا لما كنتُ ولما كنتَ أنت. إن عليكَ أن تحبني أن تحب الأرض بكليتك، لأنها مرتع الإنسانية، روح الألوهة على الأرض، الإنسانية المقدسة روح الألوهة على الأرض.


أيعقل أن يكون الأمر برمته مجرد مصادرة محدودة على هذا النحو، إن الإنسان المطلق لا يستهويه كل ما فيه وكل ما في الأرض وكل ما سيكون في الوجود، إنه لا يحتفظ بالبشريات في الخزانة البشرية خشية أن تفقد قيمتها، الإنسان المطلق هو سليل الإنسان الإنسان، إن الإنسان الإنسان ليس إلا هذا الكائن القلق الناهض من الأرض، إنه الحنين المتسامي إلى النجوم.

يخرج المطلق عن حواره الصامت منشداً من قصيدة نظمتها الأرض:

الخير في الناس مصنوع إذا جبروا...........والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا


ويردف مذكراً الأرض أن اتحاد الكائنات المستند إلى شطري الذكورة والأنوثة لا يتمخض إلا عن شروخ موجعة في فؤاد الكلي المطلق.
إن كان الاتحاد هو الهدف،
فلم تتكاثر الوجوه مفككة أركان المطلق إن وقع الاتحاد.
وما هو أدهى أن
الدهر سرعان ما يلفظ قطبي التحاد.

أيتها الأرض إن كنتِ قد انحدرتِ من
السديمِ، فاعلمي أن السديم هو أول كلمة من كتاب الحياة وليس بآخر كلمةفيها، ما السديم سوى حياة مشوشة، أما أنا فحياة منظمة، لا يخدعنك أنني إنسان، إنني إنسان لأنني كائن طبيعي ولأن الطبيعة كائن متأنسن، إنني والحجر شيء واحد، اعلمي أن زمانك هو فعلي الحياتي، وأن فصولك هي أفكاري تتغير وتتبدل، إنني مطلق الرغبة لأن رغبة إدراك المجهول تجتاحني وهاجس الاتحاد بروحه يمتلكني، لأني أريد أن أتحول إلى الوجوه الكونية أتأملها، وإلى الرموز الكونية أنطقها، إنني أريد أن أبني كوناً بأكمله قبل أن أرحل إلى حيث لا أدري، حلمي الوحيد أن يكون باستطاعتي تحريك كل عناصر هذا الكون لتملك القلوب وتسكن الأفكار.

إن الطبيعة نفسها ليست إلا مظهراً خارجياً
لحلمي الوحيد المتفرد ذاك.

إن الكلام في كل مكان ولست بهذا الكلام الذي
أطرحه عليكِ إلا بقدر ما يحمله إليك الكلام من طويتي الساكنة، إذن لا تحسبيني جاهلاً قبل أن تفحصي ذاتي الخفية، ولا تتوهميني عبقرياً قبل أن تجرديني من ذاتي المقتبسة، إنني أعترف أمامك وعلى الملأ بما أقلقني وأقض مضجعي منذ الأزل:
في أية حالة من حالات الوجود كانت نفسي قبل أن تبني
الليالي هيكل نفسي.
سبحت في فضاء اللانهاية بحثاً عن جوهر نفسي وطرت في
عالم الخيال واقتربت من دائرة النور الأعلى، وها أنا الآن سجين المادة في حضنكِ المنيع، لم أعلم عن جوهر نفسي أي شيء، لكنني خلصت إلى أنني كنت منذ الأزل وسأكون إلى آخر الدهر. فوعيي أنا هو ضمانة أكيدة للكون. إنها الضمانة الوحيدة من نوعها، من هنا كان انصرافي إلى الوحدة النفسية والعقلية والدنيوية والسماوية.

تستطيعين بدورك أيتها الأرض أن تصبحي ثمرة
في شجرة المعرفة الكلية التي تمتد عروقها في أعماق الأزل وترفع غصونها إلى أعماق الأبد، على الرغم من أن نوافذك شغفة بأمور إنياتها غافلة عما فيها من الحق، وبعد، إن اختفى وجهي وافتقدت أناي فهل يتحطم حلمي.

يقول الأنا
المطلق جبران في سياق هذا التساؤل:

أليس في هذه الغابة غير ما تراه عيني
من الأشجار الباسقة والنباتات المتعرشة والأزهار العطرة؟
أليس فيها غير ما
تسمعه الأذن من أنغام الأطيار ووسوسة الجنادب؟
أليس فيها غير ما تشربه
حواسي من الصورة والأصوات والأرواح؟

أنا مقتنع أن ما نعرفه عن هذا العالم
لا يتجاوز ما تتناوله وترسمه حواسنا على صفائح أنفسنا، أما حواسنا فلا تتناول إلا القليل التافه من الكائنات المحيطة بنا لأنها قاصرة ومحدودة وغير مدربة وذرائعية في تصميمها، أرى وأسمع بأذني وأسم بأنفي وألمس بأصابعي. ولكن ههنا في هذه الغابة صور وأشباح لا تدخل باطني من باب السمع ولا من نوافذ النظر ولا من شقوق اللمس.
في هذه الغابة عاقلة خفية. حياة
هيولى تتولد وتتناسخ وهي ذات فكرة وميول ولها طبائع ومنازع وأنا لا أستطيع أن أراها وأسمعها لأن أجسادها من مادة أدق من النظر في عيني ولأن همسها ألطف من السمع في أذني.

وفي أكثر من معرض أكد جبران أن الفضاء الخارجي يعج
ب المفارقين. من هذا المفترق يتساءل الإنسان المطلق عن طبيعة تساؤله.
إنه
موجة متلاطمة مرتدة من عواطف متأججة تأسر كل كيانه.

أليس القانون الكوني
الذي نخطه على الورق وتنجادل فيه، أليس هذا القانون بدوره حمى تنتابنا،أليست هذه العاطفة هذه الحمى التي نخافها ونرتجف لمرورها في صدورنا جزءاً من ناموسنا الكلي الذي يسير القمر حول الأرض والأرض حول الشمس والشمس وما يحيط بها صانعاً الألوهة حول الألوهة.
إن كانت العاطفة روح الكون بينما
الكون كائن عاقل خلو من العاطفة، أليس هذا ما يزعمه بناة العالم ممن تحملينهم على ظهرك أيتها الأرض متصورين أبداً أن خيوط الكينونة إنما تبدأ في أيديهم وتنسل من ثم إذ فيها تنتهي، وهم عندما يبرزون يدأبون على إلغاء مصطلح أهمية الحقيقة بما تتضمنه من رجعة وعودة.
إن الرجعة أو العودة، إنما
هي في نطاق الرسالة وحسب، إنهم يرمون إلى تثبيت بقاء ذراتهم في الأغلفة الخارجية المعدة خصيصاً لتصورات الحواس وينكرون ما جعلت الأغلفة من أجله إنهم يقررون خلود العناصر ويشكون بخلود المعنى.

يجب أن ننأى بأنفسنا عن
الاستحالة الموضوعية التي يحاول هؤلاء البناة فرضها علينا والتي يعرضونها في صيغة حتمية تكوينية هندسية تلف الذرات أبداً ودائماً.
نقول بلسان جبران
إن كل موجود باق ما بقيت الرسالة الجبرانية أما دليل بقاء الموجود المتمثل بوجودك فهو المعنى المعطى.
لولا الفكرة، المفهوم، وبشكل أدق المعنى، لما
كان العالم موجوداً، ولما علم العالم أنه موجود أو غير موجود.
إن المعنى
كيان أزلي أبدي خالد لا يتغير إلا ليتجوهر، ولا يختفي إلا ليظهر بصورة أسنى ولا ينام إلا ليحلم بيقظة أبهى.

إن التذهنية المجردة المعطاة في صيغة
اتصال محكم لا ثغرة فيه ولا غياب له لقادرة على إضفاء المعنى حتى إن غابت الذرات. أوليست الذرات كيانات مخلخلة تسبح في محيط المعنى، تطمح أن تكون عاجزة عن بلوغه والتعبير عنه.
إن الذرات أعراض عابرة تتجمع في هيئة دروب
ومسالك تقارب الجوهر المطلق دون أن تصله، الجوهر المطلق هو بذاته المعنى يتقلب من معنى لآخر، ولا غرو في ذلك فالمعنى هو نفسه المعنى ومعنى المعنى، أما الذرات القادمة والمندثرة والمتجمعة فما هي إلا تشويش طي تشويش.
المعنى كبير في بنيته تحاول الذرات تصغيره، المعنى لا بدء له ولا نهاية تخونه الذرات متجمعة في تكوينات عند لحظة مفككة إياها في لحظة تالية.
المعنى لا يستأثر إذ ما إن يولد حتى يفسح المكان لمعنى مغاير كلية. المعاني التي تمتلكها الذرات تصبح مصادرات، المعاني التي تتجاوز الذرات هي نور الألوهة المقبلة، عالم الذرات هو أبداً الماضي. أما الألوهة فهي بالتعريف المستقبل.
إن المعنى إذ يكتشف ذاته يطرح على ذاته فيضاً من
التعاريف، في مقدمتها تعريف الألوهة ذاك.

كان التجاوز دأب جبران بنفاذ
بصيرته ما يميز المعاني المتسامية، من هنا كان تأكيده على اختلاف مفهوم الألوهة لدى كل إنسان واستحالة أن يعطي إنسان دينه الخاص به لإنسان آخر.
يرنو المعنى إلى الذرات بإشفاق محاولاً لفت أنظارها.
هكذا صاغ جبران مثلاً
خاصاً به أشبه بمثل دستويفسكي دعاه يسوع ابن الإنسان، واختصاراً يسوع الناصري.
لم يحاول جبران ولوج عالم الأديان كما فعل ميخائيل نعيمة عندما
دوّن إنجيله الخاص: مرداد.

إن يسوع الناصري هو المعنى الجبراني، لكنه ليس
الرسالة الجبرانية. لقد ميز جبران معناه عن ما هو متداول في أروقة البنى الذرية، إذ أشار أنه وفي كل مئة سنة يلتقي يسوع الناصري بيسوع النصارى في حديقة بين جبال لبنان، فيتحادثان طويلاً وفي كل مرة ينصرف يسوع الناصري وهو يقول ليسوع النصارى: أخشى يا صاحبي اننا لن نتفق أبداً ابداً.



إن الذرات المنشغلة عن بناها برفد المعنى هي الحياة الجديرة بأن تمنح قدسية متفردة من هذا المعنى وبهذا المعنى تنطلق الألوهة في رحلتها الأزلية مقتفية آثار خطى خلفتها هي دون غيرها.

إن علة الحياة هي استشفاف المعنى
المجرد للحياة. إن العود الأبدي هو عود الذرات تنحدر من عمق معنى جدير مغاير لتعود إلى محاولتها الالتصاق بالمعنى، لكنها ذرات متباينة وهو معنى مختلف.

يتبع..



ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07014 seconds with 11 queries