الموضوع: وليد معماري
عرض مشاركة واحدة
قديم 25/10/2009   #29
شب و شيخ الشباب abosleman
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ abosleman
abosleman is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
المطرح:
السقيفة...
مشاركات:
2,726

افتراضي


جسر التنهدات

ضَمَّنتُ كتاباتي الكثيرَ من الكلام عن القرنفل، وتحديداً، القرنفل الأحمر.. ودفعني حبي لهذا الورد، وأنا في بلدتي الأم، زيارة صديق قديم في حقله الصغير.. حقله وليس مزرعته!.. وكما هي العادة، أجلسني الرجل على مصطبة ظليلة تطل على الحقل... وراح هو يحضّر شراب (المتة).. ورحت أتأمل أشجاره المثمرة الدانية القطوف، وبعض مساكب الخضراوات المنزلية اليانعة، وأنا أعرف، أن ثمن الماء الذي يرويها بالراحة، يساوي ضعفي ثمنها في حال اشتراها من السوق.. إنما حاله هو حال العاشقين، وعشقه أن يأكل ثمراً بكراً.. وخضراوات تكبر أمام عينيه..

ولم أرَ القرنفل الذي أعشقه من حيث جلستنا، فنبتات قرنفله محمية تحت (هنغارين) من البلاستيك.. وفيما أنا أتناول كأس (المتّة) منه، سألته: كيف حال القرنفل عندك؟... فأطلق تنهيدة عميقة من قاع رئتيه، وقال: سترى بعد قليل آخر وجبة من الإنتاج.. إنها آخر وجبة لهذا العام... الطقس بدأ يميل إلى البرودة.. والوجبة القادمة، إن كان هناك وجبة قادمة، تحتاج إلى تدفئة اصطناعية، وأجهزة التدفئة تحتاج إلى المازوت.. والمازوت حلَّق في العلالي... ومن أجل نمو شتلات القرنفل في (هنغار) مساحته 600 متر مربع على الأرض، على مدى ثلاثين يوماً.. تحتاج كل قرنفلة إلى ليتر واحد من المازوت.. أي إلى خمس وعشرين ليرة.. فبكم سأبيعها؟!...

وتابع صديقي: أنا لا أتحدث عن مشكلتي الشخصية، فثمة مأساة على المستوى الوطني، إذ حين ارتفع سعر المازوت في (عزِّ) الموسم.. توقف زارعو القمح والشعير، والعدس، والحمص المروي عن سقاية زرعهم، وقد حسبوها جيداً: لا يمكن أن يكلفك ريُّ الكيلو غرام الواحد من القمح عشرين ليرة، وتبيعه بست عشر ليرة!.. وأنت ترى بقلبك وعينيك، كيف بدأنا استيراد القمح والحمص والشعير والعدس.. وبعد قليل سنستورد البرغل، ربما من غواتيمالا...

وتنهد صديقي من جديد وهو يصب لي الماء الحار في كأس (المتة)... ولكي أبعده عن همومه، رحتُ أروي له حكايات عن جسر يُعرف باسم (جسر التنهدات)، مررت فوقه ذات يوم في مدينة البندقية في إيطاليا... وهو أشهر جسر في العالم، وقد اكتمل بناؤه عام 1900م.. والجسر يربط بين قصر (روجز)، وبين السجن السياسي، الذي كان يُقاد إليه المساجينُ المذنبون، وكذلك الأبرياء المتّهمون... وكان أولئك التعساء يطلقون آلاف التنهدات حين يعبرون الجسر مكبلين بالسلاسل من أجل المحاكمة.. أو إلى السجن لتنفيذ العقوبات..
اكتفيت من شرب (المتة)، ودفعت بالكأس إلى صديقي...
مدَّ يده لأخذ الكأس.. ولم يأخذه.. أوقف يده في منتصف المسافة بيننا.. وبعد لحظات، بدت طويلة.. فتل أصابعه في حركة استفهام.. وسألني:
تُرى.. كم من جسور التنهدات يجب أن تشاد في بلاد العرب أوطاني؟!...

كان اسمه.. .
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد...

"We ask the Syrian government to stop banning Akhawia"
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04561 seconds with 11 queries