الموضوع: نزيه أبو عفش....
عرض مشاركة واحدة
قديم 21/04/2006   #8
شب و شيخ الشباب me2
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ me2
me2 is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
كحلون
مشاركات:
2,942

إرسال خطاب MSN إلى me2
افتراضي


«كتابة الشعر ندم دائم، وتوبة مستحيلة»، فالشعر في رأيه «إمعان في الخيبة. إمعان في العذاب...وإذن لا مهرب من الشعر... تماما كما لا مهرب من الألم»، ثم يتابع موضحاً: «يعيش الشاعر حياته كلها، كما لو أنه يستعد للموت. يتسكع داخل متاهة مقفرة، حزينة ومغلقة، كلما تقدم خطوة فيها يكتشف انه في سعيه المرير إلى النجاة إنما يقترب من الهاوية». في حكاية بليغة، أخاذة وموجعة.. يقول أبو عفش محاولا شرح من هو الشاعر: يتحدث بورخيس في كتابه (حيوانات خرافية) عن حيوان غريب يدعى «السكوونك». حيوان خجول، عاطفي، حزين وانطوائي، يتمتع بفراء نادر ودموع معطرة. ولأنه خجول وحزين فهو يمضي حياته كلها مختبئا بين أغصان الأشجار. لا يفعل شيئا غير أن يبكي ويبكي. وهكذا يتمكن الصيادون من تعقب آثار دموعه العطرة تحت قمر الليل. وعندما يحاصرونه وتغدو نجاته مستحيلة...يواصل البكاء حتى يذوّب نفسه إلى دموع. لعل الشاعر هو ذلك الحيوان. وهو إذ يتحدث على هذا النحو الموجع عن الشعر، والشعراء فانه يرفض أن يكون مادة للمساومة على صفحات الصحف. هو يرفض كشف هذا الشقاء لقراء عشوائيين، ولا أدري كيف وقع أبو عفش في مصيدة البوح لصحيفة «الرياض» رغم رفضه لدعوات كثيرة إلى الحوار. هو يؤثر الابتعاد عن الأضواء، والصحافة، وإذ وافق، على مضض ربما، لم يشترط لإجراء الحوار سوى أن يكون بعيدا عن طبيعة الحوار التي تشبه التحقيق! قال سنثرثر، ونتحدث ولعلك تستفيد من هذا الحديث، وتلك الثرثرة ليكونا مادة لحوار ترغبه أنت، وتطلبه الصحيفة. رغم هذا التمهيد الذي جرى قبل الموعد الذي حدّد في الثامنة مساء بمنزله في مشروع دمر بدمشق، آثرت أن أحضّر بعض الأسئلة كمحاور للنقاش، وحين رأى الشاعر ورقة الأسئلة ارتاب قليلا، لكنه سرعان ما أبعد الشكوك حين أبعدت الورقة جانبا، ورحت أتصنع أسئلة، وكأنها ولدت للتو، وهي فعلا كانت كذلك، فشرعت في النقاش حيث أنقذتني الموسيقى الكلاسيكية المنبعثة من التلفزيون التي كان يسمعها الشاعر باهتمام، فخمنت، ولعلني أصبت، بأن الموسيقى ستكون بداية موفقة للحوار، ورحت أسأله عن الفروق بينها، وبين الشعر فقال: إذا كانت مادة الشعر هي الكلمات، فجميع الناس يستخدمون الكلمات، وهي لغة شائعة. من يستطيع أن يثبت، مثلا، أن ما أحكيه لك الآن ليس شعرا، وأن ما كتبه دانتي هو الشعر؟ المقاييس في الشعر ملتبسة، وغامضة، أما في الموسيقى فليس ثمة لغة شائعة، أو لغة الجميع. الموسيقى هي لغة الموسيقيين فقط. في الكتابة هناك من يعمل بالكلام، وهي بضاعة متوفرة لدى كل الناس، يتم استخدامها من قبلهم ومن ثم يتم التمييز، أما لغة الموسيقى فلا يستخدمها إلا الموسيقي.

* رغم هذا الاحترام الذي تكنه للموسيقى، وتقصد طبعا تلك الموسيقى الكلاسيكية المدهشة، لكن الواقع يقدم لنا أمثلة مناقضة، بمعنى أن أمسية لنانسي عجرم أو علي الديك تستقطب اهتمام الآلاف لكن موسيقى بيتهوفن وموتسارت...التي تتحدث عنها لا تثير اهتمام إلا عدد قليل ومحدود؟

- أنا، كذلك، احب علي الديك، وغناء النَّور، وموسيقى العازفين الأميين الذين لا يعرفون النوطة...، وبنفس الوقت أتيحت لي فرصة ان اعرف، ومن ثم أن احب، موسيقى بيتهوفن وموتسارت، وهايدن...وغيرهم المشكلة كما قلت هي أن الموسيقى لغة غير شائعة. الشائع بين أيدينا هو موسيقى العامة المتمثلة في غناء علي الديك، أو النَّور، أو نانسي عجرم، تماما مثل اللغة المحكية. لكن حينما نتمكن من التعرف على الموسيقى الأخرى، واقصد موسيقى بيتهوفن أو موتسارت، واكتشاف جمالياتها نتساءل عندئذ: إلى أي حد نستطيع ان نحبها؟ أذواقنا ليست موضوعة، الآن، قيد الامتحان حتى نعرف هل نحب موسيقى باخ أم لا؟ ما أدراني أنني احب اللغة الأسبانية أم لا إذا كنت أجهلها. الموسيقى الكلاسيكية بدورها لغة مجهولة، والشعر لغة مجهولة، والفن بشكل عام لغة مجهولة. من يستطيع أن يثبت لي بأن البادية السورية لا يوجد فيها 50 عازف بيانو عظيما لا يعرفون ما هو البيانو؟ كيف سأعرف انه لا يوجد عازف بيانو مثل شوبان، هناك، إذا لم يتعرف أحد من سكانها على البيانو. هم يعرفون الربابة فيبرز بينهم عازفو ربابة بارعون، لكن في بولونيا وألمانيا، كمثال، لا يوجد عازف ربابة بارع لأنهم لا يعرفون الربابة مثلما لا يعرف سكان البادية البيانو. أنا أظن ان بالإمكان تربية ذوق الإنسان بتعريفه على اللغات الفنية. في آخر صفحة من كتاب «ارض البشر» يتحدث اكزوبري عن قطار مهاجرين مليء بالرجال، والنساء، والأطفال، والعمال البسطاء...فيقول ما يعنيني، الآن ليس، التفكير بفقر هؤلاء، ولا التحنن والشفقة على آلامهم، ما يعنيني هو التفكير والسؤال: كم موتسارت مذبوحا بين هؤلاء الأطفال؟، كم إنسان لم تتح له الفرصة للتعرف على نفسه؟.

* إذا، كيف تعرفت أنت إلى نفسك، ما الذي قادك إلى اختيار الشعر لغة لمخاطبة الآخر، ولتدوين الهموم؟

- أنا تعرفت على نفسي بالصدفة، في لحظة ما، أمام مصادفة ما، اكتشفت الشعر، وضعت أمامه، فاكتشفت هذه القيمة الجمالية الكامنة في هذه اللغة التي هي الشعر. وربما تسألني ما هي هذه المصادفة بالضبط؟، فأقول هي تلك المصادفة التي يمكن ان يتورط فيها أي إنسان، وفيما بعد تصبح هي القانون. أنا لا اعرف إلى أي درجة كان من الممكن أن أكون حدادا حينما أتذكر الآن شغفي الشديد، في الصغر، بهذه المهنة. كنت أتعمد الذهاب لاقف أمام دكان الحداد الريفي في «مرمريتا» (مسقط رأس الشاعر) وأراه يستخدم تلك الأدوات البسيطة، كالمطرقة، والسندان..ويحمّي قطعة الحديد الغشيمة على الجمر ثم يضعها على سندانه، ليصنع منها الأدوات: السكين، المنجل، فأس الحطاب، حدوة الحصان...الآن أتخيله كيف كان يرفع بالملقط قطعة الحديد من النار وكيف كان يتأملها بشغف حين تتحول إلى أداة جميلة. كنت اقف، أيضا، ساعات أمام دكان النجار، والى الآن أتذكر رائحة الخشب واقف مندهشا أمام هذه العبقرية العظيمة التي تصنع من الخشب أشكالا مدهشة. شغف هذا النجار وذاك الحداد هو تماما مثل الشغف الذي أنا الآن أتأمل به مسودات قصائدي، واعمل عليها. نفس الشغف، والدهشة، والغبطة التي تنتاب الإنسان أمام جمال ما يصنعه. كيف سأعرف بأن هذا الإنسان لو ولد في امستردام ودخل مدرسة فيها بيانو لما كان موسيقيا عظيما. هذا الإنسان الذي يملك كل هذا الشغف بالجمال، والإحساس العالي به، ماذا سيكون حينها، هل من الممكن ان يبقى حدادا، أنا على يقين بأنه لن يبقى حدادا. كل الأدوات التي يملكها الإنسان هي حواسه، وفي لحظة المصادفة التي توضع فيها هذه الحواس قيد الامتحان، وهي تستلطف هذا وتنبذ ذاك، يتقرر مصير الإنسان.

* ألا تلعب التجارب والخبرات الحياتية دورا في الميل نحو هذا الفن أو ذاك، أليست المسألة تراكمات في النهاية؟

- ليست تراكمات، كان من الممكن ان أكون حدادا أو نجارا، ولو كنت أحدهما لكنت سعيدا مثلما أنا الآن سعيد لكوني شاعرا، واحترم حياتي ونفسي واشتغل عملي بإخلاص، اقصد حرفة الشعر أو حدادة الشعر، أو نجارة الشعر..هي ليست تراكمات لأن كل هذه الهواجس تبدأ منذ الطفولة. مصير الإنسان يبدأ مع أول فترة تتفتح فيها حواسه. ليس بتراكم الخبرات يصبح الإنسان قاتلا أو لصا أو شاعرا أو مربي نحل..تراكم الخبرات تغني علاقة الإنسان مع ما صار هو، تغني علاقة الشاعر مع الشعر، والنجار مع النجارة، والفلاح مع الزراعة..لكن اللحظة التي تتفتح فيها الشهوة إلى هذا المكان الأولي: الكلام أو الحديد أو الخشب تبدأ في مرحلة مبكرة من الطفولة. في هذه الفترة رأيت معجزة الخشب، والحديد، والموسيقى التي تعلقت بها عن طريق عمي الذي كان يعزف على العود، وبنفس الوقت، يكتب الشعر. كان عمي يسحرني بعزفه وشعره، وأنا لم أكن أعرف شيئا عن الموسيقى أو الشعر، فقد سمعته يقرأ الشعر ويعزف، واكتشفت أن ما يقوله ويعزفه شيء جميل. هذا الهوس أنا رعيته، وأتيح لي ان يكون إلى جانبي أشخاص يساعدوني في هذا الخيار. كنت أغار من هؤلاء الناس من الحداد، والنجار، والموسيقي..ليست غيرة، بالأحرى، بل إحساس بالاندهاش، فكانت لدي رغبة في ان أكون مثلهم. تورطت، كما ترى، في الفلاحة بالكلمات لأنها ارخص الأدوات، ولكنني لو عدت طفلا، وأمامي كل الأدوات لن اختار الشعر! لأنه بالنسبة لي الأداة الأقل تلبية لما ارغب به من صناعة الجمال، بل كنت اخترت ان أكون موسيقيا أو مهندس عمارة. ولأن الكلمة، في كل مكان وزمان، هي أرخص أداة يستطيع ان يستخدمها من يملك أو لا يملك، الأمي والمتعلم...لذلك اخترت الشعر.

* هذا الكلام يثير الاستغراب، فربما لو اتجهت إلى الموسيقى لأصبحت موسيقيا فاشلا، بمعنى أليس من الأفضل ان تكون شاعرا مجتهدا، موهوبا « كما أنت الآن » بدلا من أن تكون موسيقيا فاشلا؟

- بالطبع هذا كلام صحيح، لكن أعتقد بأن المادة المتوفرة في الطفولة التي تخلق الشاعر الموهوب، قادرة ان تصنع الموسيقي الموهوب أو المهندس الموهوب، أو الخياط الموهوب، فالحواس التي تؤهل الإنسان منذ الطفولة ليكون شاعرا موهوبا، لو وضعته في الامتحان الآخر فسيصبح موسيقيا موهوبا قطعا. ويجب ألا تستغرب من أمنيتي المستحيلة لأنني أعتقد أن الموسيقى هي أكثر الفنون كمالا. الآن صرت شاعرا لأن الحواس ذهبت إلى يقين آخر إلى عقيدة فنية أخرى، ومن الصعب الآن ردها إلى البدايات..

* الاستغراب يأتي من أنك تقول هذا الكلام بعد الشهرة الواسعة التي حققتها في مضمار الشعر؟

- نعم أقولها بكل صراحة، الإنسان يحلم بالعودة إلى البدايات، وهذا مستحيل. أنا تورطت في الشعر بحكم المصادفة، وكل إنسان كائن متورط، نابليون كائن متورط فلا نعرف في أي لحظة كان من الممكن ان يكون نابليون مزارعا ممتازا أو مربي خيول عظيما.

* وكأنك تلغي دور الموهبة، ألا تؤمن بأن للموهبة دورا في اختيار هذا المنحى دون ذاك، بمعزل عن المصادفة ولحظات الحسم؟

- نعم أؤمن بالموهبة، فهي خلاصة يقظة، ورهافة، وذكاء الحواس والعقل، هذا شيء طبيعي. الموهبة ثمرة شيء يشبه العضلات، عضلة العاطفة، والذكاء، والحساسية...بعضهم يمتلك هذه العضلات وآخرون لا يمتلكون. أنا، مثلا، لا تستطيع ان تجعل مني، مهما حاولت، مصارعا جيدا ليس لأني غير موهوب، بل لأني لست مؤهلا، والفن كذلك. هناك أناس غير مؤهلين للفن، ولكن قد يصبحون فلاحين ممتازين بينما فشلوا في مجال آخر.

كي تنصف الإنسان يجب ان تمنحه كامل الفرصة للتعرف على اللحظة التي تدخله إلى باب قدره العظيم، أي تقدم له خيارات كثيرة، لكن نحن، هذه الشعوب الحزينة، ليس لدينا سوى خيارات محدودة. لدي ولدان اختارا الموسيقى بعد أن توفر لديهم أكثر من خيار ولو لم يكونا ابنيّ ربما أصبحا قطاع طرق أو نصابين أو بائعي جوارب في سوق الحميدية. لحظة المصادفة هي التي قادتهما، وقادتني، وقادت الجميع إلى هذا المصير لكن قبل ذلك ينبغي أن يتاح لك جميع الخيارات ثم فجأة تدلك حواسك على هذا الطريق دون ذاك، بمعنى آخر: عندما أقول أنا احب الوردة الصفراء أو أحب هذا العطر فينبغي ان أرى ألوان الورود كلها واشم العطور حتى أستطيع الحكم الصحيح.

* ماذا كان يعمل والدك؟

- كان جنديا في الفترة التي استقالت فيها سوريا نهاية الأربعينات، ثم ترك الجندية وكان حاصلا على شهادة «سرتيفيكا» الفرنسية التي تعادل الليسانس الآن. عمل دقَّاق حجر مع أبيه المعمرجي (جد الشاعر)، ثم انخرط في العمل السياسي، فسجن في الخمسينات، نتيجة مواقفه السياسية، خرج من السجن مريضا، وفتح دكانا صغيرا في مرمريتا لا زال يعمل فيه إلى الآن.

* تتسم قصيدة نزيه أبو عفش بنبرة سوداوية حزينة، وثمة تراجيديا سوداء تتبدى في سطورها، ما سبب هذا التشاؤم الذي يطغى على شعرك؟

- أنا أستغرب من طرح هذا السؤال، ويزداد استغربي حينما أرى شخصا متفائلا. ما الذي يدعوه إلى التفاؤل؟.


مدري عووووووووو,,,, مدري نيوووووووووووو.

يا طالب الدبس من طيز النمس ... كفاك الله شر العسل


مافي الله لتروح اسرائيل.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07363 seconds with 11 queries