الموضوع: نزيه أبو عفش....
عرض مشاركة واحدة
قديم 21/04/2006   #9
شب و شيخ الشباب me2
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ me2
me2 is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
كحلون
مشاركات:
2,942

إرسال خطاب MSN إلى me2
افتراضي


* أنا لا أصادر توجهك الشعري، ولا أدعو لأن يكون متفائلا، بل أقول أن ما نراه في القصيدة لا يعكس صورة أبو عفش في الحياة، فأنت، كما نعلم، ليس لديك معاناة كالتي تتحدث عنها قصيدتك، كما أن حديثك مفعم بالتهكم، وأحيانا بالدعابة وهذه لا تتناسب مع أجواء قصيدتك المتشائمة؟

- هل تريدني أن احمل، مثلا، كيس المآسي على ظهري وأمضي حتى تتيقن من أن قصيدتي تعكس صورتي! أنا مضطر لان استيقظ صباحا، وأن يكون لدي أصدقاء...أتصالح معهم ومع الحياة...ومضطر لأن أقضي معهم أوقاتا سعيدة، باختصار مضطر لان أعيش الحياة، لكني مضطر أيضا لان استخدم حواسي لأرى، واسمع، وأتعلم..ما أراه، واسمعه، واعرفه لا يشجع الإنسان على القول: «يشرفني الانتماء إلى هذا العالم»، أنا لا يسعدني ولا يشرفني ذلك لكني مضطر لمواصلة السير إلى آخر مشوار الحياة.

أنا أكتب ما تمليه علي حواسي، أمين على النقل، ولست مسؤولا عن تلك السوداوية. لست أنا من ارتكب المجازر، وشن الحروب التي تقوم في كل يوم، وفي كل مكان، وعلى مدى تاريخ البشر، ولست أنا من شكل الجيوش واحتل أراضي الآخرين، وأرسل الجنود من قارة إلى قارة حتى يموتوا بعيدا عن أمهاتهم...لكن هذا يحصل، وبكل حزن، أنا أرى ذلك، ولا أستطيع التصرف على أساس أنني لا أرى، ولا اسمع.

نعم، في لحظات ثانية حينما أسير في الشارع أمام دكان ورد، تلفت نظري وردة صفراء فآتي بها واضعها على الطاولة، يسعدني أن أرى وردة على طاولتي، وأن ازرع على شرفة منزلي نباتات السيكلاما، وأن اسمع تغريد الحسون...إذا لم نستطع ان ننتبه لهذه التفاصيل الصغيرة ستسحقنا الحقائق الكبرى التي هي حقائق الحياة عبر التاريخ إلى درجة الإحساس بأنك، وأنت تتقدم داخل الحياة، تشعر في كل لحظة بأنك تخطو باتجاه الموت، لم نعد نشعر بأن للحياة طعم الحياة، هي لها طعم الموت المؤجل.

* لكن الموت من بديهيات الحياة، فهل تقصد: طالما ان الموت هو نهاية الحياة، فلماذا الحروب، والمجازر، والدماء؟ أنت تعترض على أشكال، وأسباب الموت، أليس كذلك؟

- نعم هذا ما اسأله: طالما ان الحياة منحت من اجل ان تعاش كحياة، فلماذا يصر كل رعاة الحياة على تحويلها إلى مشوار موت، ولست فقط أنا من يطرح ذلك بل كل من كتب، وفكر...وكل أصحاب العقائد، والمذاهب من بوذا إلى الآن يطرحون نفس السؤال، لكن المشكلة ان بوذا لا يستطيع ان يقنع جورج بوش، ويسوع المسيح لا يستطيع ان يقنع هتلر.

* طيب، في ظل هذا الواقع المتردي والمؤلم، ما الذي يمكن أن يقدمه الشعر، هل يستطيع بهشاشته، ورقته أن يغير شيئا؟

- ومن قال لك أن غير الشعر قدم شيئا! ماذا قدم أصحاب العقائد الإنسانية، ماذا قدم الفلاسفة، والمبدعون والفنانون وعباقرة العقل الإنساني؟... كلهم قدموا أشياء عظيمة لكن ماذا استطاعوا ان يغيروا في الناموس العملي اليومي للحياة؟ لا شيء! لأن دونالد رامسفيلد(وزير الدفاع الأمريكي) أقوى من أفلاطون، واقليدس، والمعري، والمتنبي، وجان بول سارتر...وطبعا نزيه أبو عفش. هؤلاء فقط يحلمون. الذين يعملون في الفكر، والكتابة، والفلسفة، والتأمل، والفنون...هم أشخاص يحلمون وهم عزل، ثم يأتي آخرون يكرهون الأحلام ولديهم القوة فيفرضون الخيارات الأكثر ألما، والحياة ستبقى إلى الأبد تمشي على هذا المنوال والى تلك الهاوية لأن العصا أقوى واقدر من العقل ومن القلب، ومع ذلك في كل سنة، بل في كل يوم، سيظهر أفلاطون جديد، واكزوبري جديد، وبوشكين جديد..لكن لن يستطيعوا فعل شيء. ماذا يفعل الشعر؟! من قال ان الشاعر حين شرع في الكتابة كان لديه وهم بأنه قادر على فعل شيء، كان فقط يتألم. الفن كله هو صوت ألم الإنسان، وأمله الذي هو يأس مقلوب، لماذا آمل ما دامت الحياة سعيدة، والإنسان لطيف، وخيّر، ونبيل، وكريم..ملايين السنين والإنسان يأمل، بمعنى هو إنسان يائس، وكلما ازداد ألما ازداد أملا. لماذا الفن؟ ما فائدة الوردة الجميلة، ما جدوى تغريد البلبل...هذه لا تقدم ولا تؤخر شيئا، فقط هي لحظة السكينة التي تخصك، ولا تقدم أو تؤخر شيئا في مذاق طعامك، ولا في إنتاج مزرعتك، ولا في درجة حرارة بيتك..ولكن هذا الجمال هو صوت حزن الإنسان.

رولان بارت قال جملة اعتبرها من افضل ما كتب: «الموسيقى تجعلنا تعساء بشكل أفضل»، وهو يقصد الفنون عامة. ميكل أنجلو، دافنشي، عباقرة الموسيقى والرواية..لم يغيروا شيئا، غير انهم يلطفون تعاسة الحياة مثلما تجمّل أشعة الشمس الجميلة والغيمة الرهيفة حزن الإنسان. هناك أشخاص، قادة حياة الناس، يسخرون حينما تحكي لهم عن الغيمة، والعصفورة، والزهرة لأن أدواتهم مختلفة.

أما نحن فصنف من البشر نعمل في مهن الهاوية، نحن نلطف مذاق الموت المفروض مثل العصفور الذي يغني ويهز ذنبه، أي يغني ويرقص، ولا يعنيه التغيير، وفي الحقيقة هو لا يغير شيئا.

ومع ذلك فان الفن هو الشيء الذي بدونه تغدو الحياة موتا مطلقا، وإلا أي غباء عندنا عندما نقول هذه القصيدة رائعة، وهذه الوردة جميلة، وتلك اللوحة مدهشة..ما نفع الوردة، والقصيدة، واللوحة. هل يمكن أن نسأل كم غرام ذهب في القصيدة، وكم كيلو حديد في الزهرة!..لكن هذا الغباء يخبرنا عن جانب راق في الإنسان. هذا الغباء يجعلنا سعداء بما ليس شيئا لكن هذا اللاشيء هو أغلى شيء: «يا إلهي... الحياة جميلة/ تملأ قلوبنا بالرضا، وأحضاننا بالأزهار/ يا إلهي...كم نحن أثرياء/ يكفي ان نملك كل هذا.../ كل ما لا يساوي شيئا!».

* ما هو طقس الكتابة لديك؟ كيف ومتى تكتب، بأية هواجس تحمل القلم وتبدأ بكتابة قصيدة؟

- كل من يقول لك ان لديه طقسا معينا للكتابة فهو يكذب، لأنه لا يوجد عمل فني يمكن أن يعرف صاحبه متى يولد. هناك شيء من الرغبة في الخداع للإيحاء بأنه يعمل شيئا أشبه بالسحر، لا يمكن إنجازه إلا في ظروف سرية وغامضة.

بعض قصائدي جاءت فكرتها وأنا أسير، أو أشاهد التلفزيون، وكتبت مسودات بعضها في السيارة..لحظة ولادة القصيدة تأتي بشكل مباغت، فقصيدة «بيت الغيمة» التي كتبتها اليوم، مثلا، جاءت فكرتها فجأة. ذهبت إلى مكان عملي في دار المدى صباحا وأنا ضجر مثل كل يوم، ولم يكن هناك أي شيء يوحي بالإلهام، أو العبقرية، أو الولادة العظيمة..وبينما كنت أحتسي القهوة ألحت علي فكرة ذكرتني برغبتي في ان يكون لي بيتا في بلدتي مرمريتا، فتذكرت النكتة التي كنت أرويها لأصدقائي عن الغيمة. كتبت المسودة وصرت حزينا فعلا، لم يعد الموضوع له علاقة بالبيت كحجارة، وإسمنت، وحديد، صرت اشعر بأنني احكي عن فكرة الحياة نفسها، وأنا لا أطالب القارئ بهذا التأويل طبعا.الشاعر لا يكتب طوال حياته، لكن اللحظة التي تؤذن بميلاد قصيدة تكون مجهولة، ولا يستطيع أي طقس ان يستحضرها، لكن تلك اللحظة تكون خلاصة الهواجس، والتجارب، والقراءات: «القصيدة التي تستهلك ورقتين صغيرتين في الدفتر/ ربما تكون قد استهلكت سنتين كاملتين من الحياة»، هذا الكلام ليس إنشاء بل حقيقة، ففي دواخل الشاعر حواس تعمل بشكل سليم وفي لحظة من اللحظات تفصح عن نفسها وتقول تفضل الآن سنكتب قصيدة. ليس صحيحا من يقول «كتبت قصيدة في نصف ساعة» على أساس ان هذه عبقرية، القصيدة كتبت في نصف ساعة بعد أن نضجت في ذهن الشاعر أشهرا وربما سنوات. قصيدة «القلعة»، مثلا، عاشت معي أكثر من عشر سنوات. البذرة الأولى للقصيدة بقيت مدفونة في الظلام السري للذاكرة، والحواس، والمخيلة إلى أن دونت في لحظات. ومن الممكن أن تأتي قصيدة في ظرف لا أكون فيه مهيئا لاستقبالها فتموت كما حصل لكثير من المسودات.

وقد تستغرب من قولي بأنني اكره الخيال، ولا احب هذه المفردة العزيزة على قلوب الشعراء، لأنني اعتقد أننا نستخدم المخيلة لاستعادة تفاصيل الحياة الحقيقية، التفاصيل الأكثر واقعية من الواقع. لا يستطيع أحد ان يخترع شيئا في الفن، يستطيع ان يستعيده فحسب. بوسعي القول «في ما يخص تجربتي» إن الشاعر كائن فقير المخيلة. مخيلة الشاعر أحلامه وكوابيسه. ولعله لا يفعل شيئا غير إعادة إنتاج هذه الكوابيس، والأحلام: يعيد إنتاج مدخرات الذاكرة. افضّل بدلا عن المخيلة مفردة الذاكرة. الفن لا ينشأ في المخيلة بل في الذاكرة. قصيدة «القلعة» كتبتها الذاكرة وليست المخيلة، وكذلك قصيدة «رعاة الظلام»، وقصيدة «سلالم نوتردام»...وغيرها، ورغم المناخات السوريالية، والخيالية فإنها مستمدة من الذاكرة ومن وقائع الحياة. أحيانا يمهد للقصيدة بالأحلام والكوابيس، فقصيدة «التعويذة» جاءت عبر الحلم ولكنني كتبتها مستيقظا مع احتفاظي بجو الحلم، أما قصيدة «الولد ذو القميص الأصفر» فهي نتاج كابوس. أنا ازعم ان كل ما كتبته، هو نص تسجيلي، أنا اكتب نصوصا تسجيلية، فقصيدة «يوم قادتني جدتي لنشهد هبوط الموتى» قد يعتقد أحدهم أن هذا نص سوريالي، أقول هذا نص تسجيلي تماما، أنا شاعر تسجيلي وساذج.



مدري عووووووووو,,,, مدري نيوووووووووووو.

يا طالب الدبس من طيز النمس ... كفاك الله شر العسل


مافي الله لتروح اسرائيل.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07756 seconds with 11 queries