الموضوع: قصص لزينب صادق
عرض مشاركة واحدة
قديم 18/02/2006   #5
صبيّة و ست الصبايا سنفورة
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ سنفورة
سنفورة is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
هون بس مو هنيك
مشاركات:
1,180

افتراضي


حالمة




كان العالم يتنفس الصعداء لانتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 و تحتفل الشعوب بأحلام السلام , وكان الأب يحتفل مع أبنائه و بناته الثمانية بسلامة الأم بعد وضعها للابنة التاسعة التي جاءت ضعيفة البنية ولم تنطق بكلام إلا في سن متأخرة .

في أول عهد الثورة صدر قانون الإصلاح الزراعي لتحديد ملكية الأرض الزراعية , مائتي فدان للأسرة , لم تفهم البنت ذات السبع سنوات كلام الأب في الاجتماع العائلي , إنهم أصبحوا تقريباً من الفقراء لأن الثورة صادرت لهم ثلاثمائة فدان ..! وأنه سينقل بناته الثلاث من المدارس الأجنبية ذات المصروفات العالية إلى المدارس الحكومية , و أن يكمل أبناؤه الأربعة تعليمهم الجامعي ليجدوا وظائف بعد ذلك , وكانت ابنتاه الكبيرتان قد زوجهما في سن السادسة عشرة .

في عمر العاشرة شاهدت فلماً لا تنساه عن قصة حب الموسيقار البولندي " شوبان " و الكاتبة الفرنسية " جورج صاند " أعجبت بالمرأة المتشبهة بالرجال في زيهم حلمت أن تكون مثلها , و أعجبت بالموسيقار و حلمت أن تعزف مثله ألحاناً رومانسية , طلبت من والدها أن يحضر لها " بيانو " فوعدها عندما تنجح لكنه لم يف بوعده , وفي عمر الثانية عشرة شاهدت فرقة الباليه الروسي المشهورة " البولشوي " على مسرح دار الأوبرا القديمة , أعجبت بالراقصة الأولى للفرقة .. التي كانت الأميرة المسحورة في بحيرة البجع .

حلمت أن تكون مثل هذه البطلة راقصة الباليه , قالت لوالدها أنها تريد أن تتعلم رقص الباليه , فنهرها غاضباً : إنه لا ينقصه من حكم الزمن عليه إلا أن تصبح أحد بناته راقصة !! في سن الرابعة عشرة عشقت الأفلام الكلاسيكية , و الروايات الرومانسية , كانت صديقاتها وزميلاتها يشترين من مصروفهن أدوات التجميل والزينة و المصوغات الرخيصة , وكانت تشتري الروايات العالمية المترجمة .. كانت البنات يحلمن بالشبان من أولاد الجيران , و كانت تحلم من شبان من نوع آخر , غير هؤلاء الذين يصنعون ضجيجاً بألعابهم الصبيانية .

في عمر السادسة عشرة , في العام الأول من الستينات لم يحتمل والدها الصدمة الثانية لقانون الإصلاح الزراعي الثاني بجعل ملكية الأرض الزراعية مائة فدان للأسرة , قال أنهم أصبحوا فعلاً فقراء و .. مات .. تولى الأخ الأكبر زمام الأرض الباقية وكان قد تخرج من كلية الزراعة , كما تولى مسؤولية الأسرة , وتقبلت التغييرات التي حدثت لأسرتها بدون فزع من الفقر الذي توهمه والدها ولم يصبهم فعلاً , كانت أحلامها تحميها .. و لحبها للآداب العالمية التحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية .

كان الأخ الأكبر يهتم بتعليم أخوته و أخواته وتوظيفهم توظيفهن ثم تزويجهم و تزويجهن . وعندما جاء الدور عليها في الزواج بعد أن تخرجت من الجامعة وعملت بالترجمة في شركة كانت لديها حجج كثيرة لتأجيل الزواج , لم تقل أصدقها وهو أنها لم تقابل فارس أحلامها بمواصفاته الرومانسية القديمة , إلى أن قدم لها أخوها شاباً ابن صاحب أعمال ويعمل مع والده , في سنوات السبعينيات عندما بدأت النظم تتغير وأبواب العمل الخاصة تفتح لمن يريد و يستطيع أن يدخل منها , أعجبها شكله و تعليمه , و كلماته الرومانسية , وقت الخطوبة , و ظنت أنه فارس أحلامها الذي عاشت تنتظره و تحلم به , لكنه ككل الماليين خبير بالحساب أكثر منه خبيراً بالنفس البشرية , أحبها لجمالها الهادئ , و طبعها الرقيق , لكنه لم يفهم حاجته العاطفية , لم يهتم بسكونها , لم يسأل عن شرودها , يتعجب لفرحتها الساذجة لظهور زهرة جديدة في حديقة شرفتها , و في جلستهما معاً في أوقات فراغه النادرة يحدثها عن حسابات المكسب و الخسارة في أعماله و لا يحدثها بأي كلمات عاطفية , مع بداية حملها الأول طلب منها زوجها أن تترك عملها الوظيفي , لم يكن عملها محققاً لأحلامها فلم تعترض و تركته , اهتمت بطفلها الأول ثم جاء بعده بعامين طفلها الثاني , انشغلت عن أحلامها بتربيتهما و رعايتهما .

في منتصف الثمانينات , و ابنها الأكبر عمره عشر سنوات , والثانية ثمانية أعوام , تلقت مكالمة تلفونية من والد زوجها يطلب منها أن تتحمل الصدمة , فزوجها مات فجأة في المكتب .. و تحملت . ساندها أخوها الأكبر في رفضها لفكرة " حماها " أن يأخذ الولدين ليربيهما لتعيش حياتها هي و تتزوج , قالت له : إذا أراد أن يساعدها حقيقة فليحاول تزكيتها في مكان عمل لتعمل , ليس لأن النقود التي تصلها غير كافية , لكن لأنها لا تريد أن تعيش في فراغ , و أعربت عن بإصرار عن قرارها في تربية ولديها و عدم زواجها مرة ثانية فهي في قرار نفسها أيقنت أن حكاية فارس أحلامها هذه فقط لأحلامها , أما الحقيقة فهي شيء آخر تماماً خصوصاً مع التغيرات التي حدثت في المجتمع و الناس و طغت التصرفات السوقية على تصرفات الفروسية , كما أيقنت أنها هؤلاء الناس الحالمين الذين لا تستطيع قدراتهم تحقيق أحلامهم , هكذا عملت في العلاقات العامة في شركة كبيرة , وظيفة بعيدة تماماً عن أحلامها القديمة .

ثلاثة عشر عاماً مروا على ترملها , اقتنعت بواقع حياتها و نسيت أحلامها و فرسانها . وفي أحد المؤتمرات الذي تشترك فيه الشركة التي تعمل بها وتكون في طليعة المسئولين عنه , وهي تقترب من منتصف عمرها الخمسيني ظهر لها فارس الأحلام تبعاً لسياحة المؤتمرات , عقد المؤتمر في مدينة ساحلية , في شرفة الفندق المطل على البحر جلست تراقب الغروب في هذا الجو الخريفي المائل للغموض والبرودة , سارحة في شيء غير محدد , ظهر أمامها بمظهره الأسطوري كأنه بطل في رواية كلاسيكية , قدم لها نفسه , إنه من المشتركين في المؤتمر , جاء متأخراً و قالوا له أن يذهب إليها لتعطيه الأوراق المطلوبة و الندوات المطبوعة .. نظرت إليه ساهمة كأنها لم تسمعه , أعاد عليها طلبه , فقامت و هي تسأله أن يتبعها لتعطيه ما يريد , اعتذر لها عن قطع تأملاتها في الأفق الجميل و سألها أن تسمح له بفنجان قهوة معاً .. عادا إلى مكانها في الشرفة , تحدثا عن المؤتمر وما فاته في الصباح , فجأة سألها إذا كانت قد شاهدت المسلسل الياباني" أوشين" قالت أنها تابعته و أعجبت به . قال : إنها تشبه " أوشين " وضحكت .. فملامح وجهها قريبة من وجوه أوروبيات سواحل البحر المتوسط و ليس باستدارة وجوه يابانيات سواحل اليابان . قال إنها تشبهها في هدوئها و طريقة كلامها و ابتسامتها العذبة ,و ربما في كفاحها لتصل إلى هذا المنصب في عملها , ضحكت و أخبرته أنها من أسرة كانت إقطاعية حتى بعد أن أخذوا منهم الأرض لم يمسهم الفقر بفضل ما تركوه لهم . لم يعرف أنه كما رآها تشبه هذه الشخصية الأسطورية " أوشين " وأنها خرجت له من حضن الزمن العريق هي أيضاً رأته يشبه أحد أبطال التاريخ القديم , فارسا خرج له من حضن الزمان النبيل و ربما لذلك التقت أفكارهما و امتدت أحاديثهما إلى وقت العشاء , عرف باختصار وضعها الاجتماعي , عرفت أنه زوج و أب لشابين و فتاة , توالت لقاءا تهما في قاعات المؤتمر و خارجها , توالت أحاديثهما في مختلف أمور الكون , كل منهما كأنه وجد ضالته , كل منهما كأنه خلق للآخر , و تصافحها في نهاية الأيام القليلة للمؤتمر ليذهب كل منهما لحياته و ناسه , أنهما لم يتهامسا.. لم يتلامسا .. لم يقل أحدهما للآخر , أحبك , أو كلمة ندم تعبر عن سخطه على الظروف التي لم تجعلهما يلتقيان من سنين ! لم يفكرا بامتداد علاقتهما بوعود لقاء , لم يقل أحدهما للآخر ليتنا كنا , أو يا ليتنا نصبح , لم يطلب أحدهما من الآخر أن يعطيه رقم هاتفه ليسمع صوته من حين إلى حين , و لم ينتظر أحدهما من الآخر أن يقول له عن سر ما شعر به .

سألها ولداها عن سر ابتهاجها منذ عادت من المؤتمر , ولأنها ربتهما على أن يكونا صديقيها , ربتهما على الصراحة مهما كانت صعبة و مؤلمة و لأنها تعودت على هذا معهما , قالت أنها التقت بفارس أحلامها بعد أن فقدت كل أحلامها , سألها الابن الأكبر : لماذا لم تنفصل عن والده عندما اكتشفت أنه لا يلائمها , و لماذا لم تتزوج عندما مات , و هل ستتزوج من فارس أحلامها ..؟! قالت : إن الأخلاق التي تربت عليها في زمنها لا تسمح للبنت إذا تزوجت أن تطلب الطلاق لسبب تافه , لأن زوجها ليس فارسا لأحلامها خصوصاً إذا كان موفياً لطلباتها محباً لها و هي غير كارهة وخصوصاً إذا أنجبت مباشرة , وتلك الأخلاق لا تسمح لها إذا ترملت وكان لديها أبناء أن تزوج وتجلب لهم أباً غريباً عنهم ربما لا يحبهم , خصوصاً إذا كانت غير محتاجة مادياً , أما الرجل الذي قابلته أخيراً فهو متزوج و له أبناء , فهل الأخلاق التي تربت عليها تسمح لها أن تسرق رجلاً من زوجته حتى و إن كان فارس أحلام عمرها ..!
__________________

حاولت أن أفكر في توقيع خاص لكنني !! وضعت يدي على فمي وكسّرت القلم !!
أأصنع توقيعاً من حبر في حين يصنع أطفال الأقصى والعراق تواقيع من دمائهم
فتوقفت عن وضع أي توقيع



ومنتسبة ب .................اخوية كروب
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.12828 seconds with 11 queries