عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #42
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الشرق الأوسط الكبير: المشترك بين أميركا وأوروبا



الشرق الأوسط الكبير: المشترك بين أميركا وأوروبا
من الأفضل للعالم أن يكون تعددياً. إنه كذلك بمعنى ما وإن كانت الإدارة الأميركية الحالية تمارس انفراداً ملحوظاً في مجالات كثيرة. إلا أن من المفترض أن نلاحظ أن تعددية اليوم، ولو الجزئية، هي غير قطبية الأمس. فهي لا تقوم على امتلاك كل محور أو مركز رسالة عالمية تناهض رسالة يحملها محور أو مركز آخر. وإذا كان من تمايزات سياسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مثلاً، فإنها تمايزات تخترق دول الاتحاد كما تخترق السجالات الأميركية كما هو بيّن في الحملة الرئاسية الحالية.
تظهر هذه الحقيقة التعددية هي غير القطبية في ما يسمى المبادرات الأميركية والأوروبية للإصلاح في الشرق الأوسط الكبير. لسنا، إطلاقاً، أمام مشروعين متنافرين كما كان يمكن أن يكون الأمر أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. نحن أمام مشروعين متكاملين مطروحين أصلاً لنقاش أولي في هيئات تضم دول الغرب وتضيف إليها روسيا مرة (قمة الثماني) أو تركيا مرة أخرى (قمة حلف شمال الأطلسي).
إن الجذر المشترك في المبادرتين الأميركية والأوروبية أكبر ممّا قد يتصوّر البعض. هذه بعض محاوره:
أولاً لا يعادي أي من المشروعين النظام الرسمي العربي الراهن. صحيح أن الأوروبيين أكثر تشديداً على »المشاركة« ولكن الصحيح، أيضاً، هو أن هذا ما انتهى إليه الأميركيون بسرعة. لا مجال للكلام عن تهديد للاستقرار الضامن للمصالح الغربية. كل ما في الأمر هو تطعيم الوضع الراهن عبر استحداث أدوات تدخل عليه قدراً بسيطاً من التطوير. وفي الحالتين معاً، وفي الحالة الأميركية تحديداً، لن نجد تعريفاً للسياسات الفعلية التي تعرف المصالح الوطنية والاستراتيجية بما يمكّن من تحديد موقف من هذه السياسات. كل ما نجده هو نوع من القنابل الدخانية التي تتقدم السياسات في ظلها.
ثانياً إن منظومة المبادئ التي يتم التبشير بها واحدة: الديموقراطية، حقوق الإنسان، حكم القانون، الحاكمية الجيدة... إنها المنظومة نفسها التي يُقال في أوروبا وفي الولايات المتحدة إنها في أساس العلاقة الجامعة بينهما.
ثالثاً إن تحرير الاقتصاد حاضر، على قدم المساواة، في المبادرتين: دعم القطاع الخاص، فتح الأسواق، الانضمام إلى منظمة التجارة، حسن التعامل مع المؤسسات النقدية الدولية، تغيير البيئة التشريعية لتصبح حديقة للاستثمار، والأجنبي منه تحديداً، تطوير التعاون البيني، الارتباط بالعولمة. إلخ...
رابعاً البُعد الثقافي واحد في المبادرتين: التسامح، نبذ التعصب والعنصرية، إصلاح الأنظمة التعليمية، تمكين المرأة، الانفتاح على الخارج، زيادة الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في الاقتصاد والاتصال والتعليم، حوار الثقافات، احترام الأقليات والأفراد...
خامساً كذلك تنهض المبادرتان على أسس مشتركة لجهة الدعوة إلى مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وعدم اللجوء إلى العنف لحل المنازعات، واعتماد الاعتراض السلمي حتى على الاحتلال، والتخلي عن أسلحة الدمار الشامل ولو من طرف واحد، وحسن الجوار، إلخ...
يعني ما تقدم أنه عندما تنظر النخب الأوروبية إلى بعيد فإنها لا ترى شرقاً أوسط كبيراً مختلفاً في شيء عن ذلك الذي تراه النخب الأميركية.
ومع ذلك يمكن تعيين نقاط تمايز، العراق وفلسطين أساساً. ولكن، حتى في هذين العنوانين، يبقى الجذر المشترك متيناً.
ففي ما يخص العراق لا خلاف بين الطرفين على ضرورة إنجاح مرحلة ما بعد الحرب التي سبّبت خلافات. لا يمكن لأي أوروبي أن يتمنى فشل المشروع الأميركي لعراق جديد مسالم. إن الاختلاف محصور بدرجة الاستئثار الأميركي بالملف العراقي ويترجم هذا الاختلاف نفسه بأهمية الدور المعطى للأمم المتحدة، وبشروط زيادة استخدام حلف شمال الأطلسي، وبدرجة إشراك العراقيين في العملية السياسية فوراً.
وفي ما يخص فلسطين لا تباين بين الطرفين على أمن إسرائيل وحمايتها، لا بل حقها في التوسع المحدود في الأرض المحتلة عام 67، وكذلك حقها في رفض عودة اللاجئين صيانة لطابعها اليهودي. كذلك لا يتباين الطرفان على إدانة العمل العسكري كأسلوب في المقاومة خاصة عندما يطال مدنيين. وأخيراً ثمة أساس متنام لاعتبار السلطة الفلسطينية فاسدة وغير متحمسة أو غير راغبة في حل.
يبقى أن خلافاً نظرياً يباعد بين الأوروبيين والأميركيين. فالأوائل يعتبرون أن حل النزاع العربي الإسرائيلي شرط للتغيير الكبير في الشرق الأوسط لأنه يسمح بالضغط من أجل ديموقراطية لا تحمل خطر وصول قوى راديكالية. أما الأخيرون فيعتبرون أن النزاع لم يعد يحتل المكانة التي كان يحتلها، وأن في الإمكان تهميشه، وأن هذا، بالضبط، ما يحاولون فعله في العراق بعد احتلاله حيث لا يبدو موقفهم من القضية الفلسطينية مصدر اعتراض عراقي جوهري على سياستهم (ثمة مصادر اعتراض أخرى). يدرك الأميركيون، في الواقع، أن نجاحاً في حل النزاع يسهّل الأمر أمامهم ولكنهم واثقون من قوتهم إلى حد أنهم يرفضون تقدم مشروعهم بهذا الحل. أضف إلى ذلك أن من غير الممكن، من وجهة نظر أميركية، إعطاء ياسر عرفات حق النقض على مشروعهم العراقي.
إن التباعد في الشأن الخاص بالنزاع قابل للتسوية أو، على الأقل، لقدر من التقارب. فبإمكان الولايات المتحدة الموافقة على أن حل النزاع عنصر دفع كما بإمكان الأوروبيين كما جاء في ورقة جوشكا فيشر فك الارتباط جزئياً بين »الإصلاح« والتسوية.
كذلك يمكن للطرفين أن يلتقيا عند الفكرة القائلة بأن حل النزاع مرهون أكثر بما يتوجب على الفلسطينيين (والعرب) فعله لا بما يتوجب على إسرائيل وأرييل شارون. وثمة مؤشرات أوروبية في هذا الاتجاه ليس معروفاً بعد ما إذا كان الحدث الإسباني سيلجمها.
إن ما هو مشترك بين أوروبا وأميركا، وما هو مختلف عليه، وما هو قابل للتسوية يرسم، إلى حد بعيد، المناخ الدولي الذي يتحرك العرب فيه. إنه مناخ لا علاقة له بذلك الذي ساد أيام الاستقطاب الدولي. يفترض أخذ ذلك بالاعتبار في السياسات العربية كلها، الرسمية والشعبية، سواء حيال قضايا مثل العراق وفلسطين، أو حيال قضايا ذات صلة بالوجهة الاقتصادية، والمضمون الاجتماعي لحركات الاعتراض، وتحديد العناوين العريضة لنهضة عربية مأمولة... ومؤجلة!

19/3/2004

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03791 seconds with 11 queries