عرض مشاركة واحدة
قديم 30/09/2009   #7
صبيّة و ست الصبايا الؤلؤة
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ الؤلؤة
الؤلؤة is offline
 
نورنا ب:
Apr 2009
مشاركات:
14

افتراضي



فصل الشتاء وما يقابله في الميثولوجيات




يرفض معظم البشر أن يكون الموت نهايتهم الاخيرة. من هنا كانت مهمة الاسطورة أن تفسر لهم، من جهة، كيف انّه محتم على الحياة أن تنتهي، كما هو محتم قدوم الشتاء، أو أن تؤملهم، من جهة اخرى، بمستقبل لا تدركه حواسنا.. ففي هذا الفراغ تلعب الاساطير أهم أدوارها.

في محاولة لتجنب المقدر الذي لا مفر منه، ابتكر الإنسان كثيراً من الاساطير حول علاجات لحفظ الحياة، كالادوية السحرية واكاسير الخلود أو تجديد الشباب..
ففي ملحمة جلجامش، مثلاً، يغوص البطل في البحر الكوني، وقد علقت حجارة في رجليه، فيعثر في الاعماق على عشبة الخلود الشائكة، فيقتلعها ويتخلص من الحجارة ويصعد إلى سطح الماء.. لكن إنتصاره لم يكن طويل الأمد إذ انّه بينما كان يستحم في احد الاحواض، اكل العشبة ثعبان.. ومنذ ذلك الحين، اصبح الثعبان،- الذي يطرح جلده دورياً - رمز الشباب المتجدد والخلود، بينما بقي الإنسان يعاني آجله ويموت.

لقد حاولت كائينات نصف إلهية أن تخدع الموت ورسله، حتى انَّ المحتال البولينيزي ماوي حاول مرة قتل إلهة الموت ذاتها، فبينما كانت نائمة، زحف مع أصدقائه الطيور بقصد تنفيذ خطة تقوم على الدخول خلسة إلى جسمها من بين فخذيها تمهيداً لقتلها والهرب من فمها. وقد بدا في أول الأمر انّه أفلح في خطته، إذ دخل فعلاً في جسمها حتى ساقيه. لكن هذا المنظر أضحك أحد الطيور، فاستيقظت الإلهة على ضحكته، وضمت على الفور فخذيها، فغدا رحمها ضريحاً لماوي.

ثمة موضوع مؤثر بوجه خاص، يظهر في أساطير أقطار مختلفة، قوامه محاولة إنقاذ شخص حبيب من قبضة العالم السفلي.. مثال ذلك اسطورة اورفايوس الاغريقي، نصادفه بعد ان ماتت زوجته اوريديس من لسعة افعى، ينطلق وراءها إلى الجحيم (هاديس).. هناك بلغت عذوبة موسيقاه مبلغاً اراح المعذبين من آلامهم، فسمح لزوجته أن تتبعه إلى العالم العلوي، شرط أن لا ينظر وراءه إليها.. غير ان القلق استولى عليه فجأه، فالتفت إلى الوراء، فكانت في ذلك هلاكها. (تردد صدى كارثة الإلتفات إلى الوراء المؤدي إلى الهلاك قصة امرأة لوط، في العهد القديم، التي إلتفتت إلى الوراء بعد خروجها من سدوم، فتحولت إلى عمود من ملح).

يبدو انَّ الحكمة من الاساطير هي انَّ على الإنسان أن يقنع نفسه بتقبل حتمية الفراقات في الحياة، وخاصة آخرها وأشدها حتمية: الموت.

تنعكس صعوبة تقبل الإنسان للموت كأمر نهائي في الاعتقاد الشائع بين البشر بأنَّ ثمة عالما محسوسا وشبيها بالحياة الدنيا بعد الموت.. في كثير من الاساطير يقع هذا العالم في مكان ما على الأرض.
بعض هذه العوالم يستقبل جميع الاموات، بقطع النظر عن إستحقاقهم، بينما يحصر بعضها الدخول إليها بمستحقيها.. فهاديس الاغريق مثلاً يستقبل انفس جميع الذين ينقلهم كارون عبر نهر الستيكس، شرط أن يكون لديهم اجرة السفر الضرورية. اما في الديانه المصرية القديمة، فأن انوبيس يزن قلوب الموتى لكي يحاسبهم على ما يستحقون.
لكن الإستحقاق لا يقاس دائماً بالأخلاق، بل كثيراً ما تنسب الاسطورة إلى السماء عدم المساواة المألوفة على الأرض.

ثمة موضوع ميثولوجي أخر، هو موضوع نهاية العالم وعودة الكلّ إلى الهيولى أو الشواش.. فقد وضعت الآلهة نظاماً للعالم، وباستطاعتها العودة عن رعايتها له.
ولهذا السبب يحتفل بالاعياد وتقام الطقوس وتضحّى الضحايا.. لكن كل الميثولوجيات تقريباً تتوقع حلول زمان نهائي للدمار، تسبقه وتؤذن به حروب ومجاعات وطوفانات وأعاصير وزلازل..
الواقع انَّ ثمة تقاليد، بعيدة بعضها عن بعض بُعد تقاليد الازتيك المكسيكية عن تقاليد الهندوسيين والبوذيين، تتخيل أطواراً عدة لانهيار العالم، يتميز كل طور منها بتدني مستويات الاخلاق والتقوى.. فالازتيك كانوا يعتقدون انّه، عند نهاية الطور الاخير، يحترق العالم بالنار ويفنى كل شيء.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04123 seconds with 11 queries