عرض مشاركة واحدة
قديم 09/05/2009   #33
صبيّة و ست الصبايا Nay
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nay
Nay is offline
 
نورنا ب:
Sep 2007
المطرح:
هون مو بعيد كتير
مشاركات:
1,334

افتراضي


الجريدة


كان يجلس خلف مكتبه الكبير فاتحا الجريدة، متفحصاً كلماتها الضيقة، غائباً خلف خطوطها الطويلة.
في البدء. لم أر إلا أصابع يديه، تقبض على طرفيها، ولما اقتربتُ بانت رأسه كتلة من اللحم المسلوق.
وقف حليق الذقن، مسرّح الشعر وقلت:
ـ صباح الخير.
لكنه لم يرد ولم يتحرك. فصبّحتُ عليه ثانيةً بصوت أقوى.
قام من كرسيه الدّوّارة، وصفعني على وجهي بقوة يده المهترئة، وقال: سمعتك... اخرس.
دخل رجل قصير، منتفخ الحواف كفنجان، ناولته بطاقتي، فسحبني من قميصي، وأدخلني في صندوق حجري. أعطاني عصابة، نسيت أن أضعها على عينيّ، فصفعني بقوة.
وضعتها ووقفت أرتجف، وأنتظر الصفعات.
سمعت أصواتاً. كانت خليطاً من الصراخ والأنين والبكاء، والغناء.
كانت تقلع معاً، وتنطفئ معاً. لكن ما أثار دهشتي أنّي سمعت صوتي رغم أني كنت صامتاً...!! سمعت صراخي، وأنيني وبكائي رغم أني ... غيّرت وقفتي، واتكأت على الجدار، فعدتُ لأقف كما كنتُ!! ثم رفعت يدي لأتحسس النّطحة، فتلقيتُ صفعة أخرى ألهبتْ فؤادي، وصرخت, عند ذلك انهالت عليّ الصفعات من كل جهة حتى خبوت في مكاني كومة من اللحم المهروس.
لكزني بقدمه في بطني، فنهضتُ، ووقفتُ كالخشبة كعمود في الجدار.
"تعال" قال صوت بعيد. وقد كان لطيفاً.
"تعال" لكني لم أتحرك. "تعال". لم أتحرك . تلقيت صفعة وعرفتُ أني المقصود، تقدّمت خائفاً. لم أسمع نفساً ولا حركة، لكن الصفعات كانت تأتيني من كل صوب.
"تعال" تقدمت واصطدمت بجدار فتوقفت. صُفعتُ مرتين.
نزعت العصابة عن عينيّ. صُفعتُ. ناولته العصابة. يدٌ أخذتها واختفت دون أن أرى صاحبها.
كان "الجريدة" على قعدته. قال: "تعال". بلطف
ـ إلى أين سآتي ومن أين؟ تلقيت صفعة، التفتُ فلم أجد أحداً فمن يضربني إذن؟!!
سقط قلم فوق ورقة على طاولة مكتب الجريدة. ورقة تشبه الورقة التي استدعوني بها إلى هذا المكان.
رفعتُ القلم، ووقّعتُ تحت اسمي فقال "روح" لم أصدق.
تلقيت صفعةً. دُرتُ، ومضيتُ، وقبل أن أقطع العتبة، قال "تعال" بهدوء ولطافة. وقفتُ، فتلقيتُ صفعة. عدتُ، واكتشفتُ أني أخذت القلم معي. وضعته فوق الورقة.
قال "الجريدة" "روح" قالها بعنف كالصفعة. لم أتحرك، فتلقيتُ صفعة، مضيت مشرشر العقل، متلبد الحواس، أنتظر "تعال" قطعتُ العتبة، ثم وقفتُ أنتظر "تعال" سرت خطوتين، وانتظرتُ.
التفتُ. كان "الجريدة" يقرأ. قطعت شوطاً آخر، والتفتُ ولم أسمع "تعال". غاب المكتب عن عينيّ، غابت الغرفة، ثم دارت ساقاي كعجلة. ركضت بأقصى طاقتي.
ضحك الحارس، أسند خاصرتيه بيديه من شدة الضحك.
التفتُ لأعرف كم قطعتُ، سقطت. سيارة سوداء مخيفة، كانت تتبعني. توقفت بجانب رأسي.
انفتح الباب. خلف المقود كان "الجريدة" قال "تعال"
وقفت منوَّماً، صعدتُ، وجلستُ إلى جواره، وأنا أحاول أن أبلع قلبي الذي حاول أن يخرج من فمي.
قوة عظيمة قيدتني، وكتمت أنفاسي. السيارة المخيفة تقطع الطرق بسرعة هائلة، لا تلجمها المنعطفات ولا الشارات ولا الناس. أمام "الكاراج" رفع رأسه، فجمدت المخيفة.
انفتح الباب، وقال "روح" قوة رفعتني، ووضعتني بهدوء على اسفلت الشارع. ارتخيت وكالهلام تجمعت فوقه.
انغلق الباب، ثم اختفت المخيفة. اختفت بلمح البصر. بقيت هناك وحيداً، أراقب، وأنتظر "تعال" أنتظر "روح" بلا فائدة.
دخلتُ "الكارج" مشتت الفكر. أضواء الكارج باهتة ووميض أضواء السيارات فيه يعلو، يشعل الزوايا، ثم يخفت ويروح.
اقتربت من سيارة موقدة المصابيح، صعدتُ، وجلستُ في مقعد فارغ، وسمحت لمحركها، أن يبعث في شراييني بعض الدفء وفي جسدي المنقبض موجات راحة. استرخيت في مقعدي، أعيد فصول المسرحية. كابوسها المرعب. صحوت مرتعباً.
وشوشة جريدة تقتل تواتر الحركة الهادئ ذاك.
التفتُ خائفاً مشحوناً.
كانت جريدة في المقعد الأخير مفتوحة على مصراعيها، تخبئ كل شيء خلفها، عدا أصابع غليظة مسلوقة تمسك حافتيها، وتستكين.
وقفت مرتعداً، أرتجفُ، وأنتظر "تعال" هادئة لطيفة وسط عبث المحرك ورشاشات الأضواء..!!!

طائر واحد يكفي لكي لا تسقط السماء
فرج بيرقدار
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05404 seconds with 11 queries