عرض مشاركة واحدة
قديم 09/05/2009   #34
صبيّة و ست الصبايا Nay
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nay
Nay is offline
 
نورنا ب:
Sep 2007
المطرح:
هون مو بعيد كتير
مشاركات:
1,334

افتراضي


طرنيب وعشق



يصرخ : تفقّد...

فنقف كالأعمدة على أبواب المهاجع، وعلى أصوات الخُطا تُغلق الأبواب، فنتأكد أنّه لن يأتي أحدٌ ، ولن يخرج أحدٌ ، ونعرف أن ترتيلتنا مرّة أخرى، كانت جافّة فقيرة لا تستجاب.

نهارٌ آخر مضى، فكيف سيمضي هذا الليل؟!

تدوّن عيناي شحوب الجدران، ثمّ تغمض على تباشير ضجر مؤلم، ضربت أمواجه شواطئ أحلامنا. دارت أصابعي على محطّات مذياعي الصّغير، وملّت من مزاج أذنيّ السيئ ، فأطفأته، وأخفته تحت "بطانية" عسكرية.

-شو الطّرنيب؟!

أقف خلق "الشّراقة" فأتعجّب. ماذا يمكن أن أرى؟!

هل قلت أرى؟.. لا..لا..لا أرى.. لم تعد عيوننا للرؤية.

وكل جزء من أجزائنا الجافة بات للانتظار..

-العب طرنيب يا شريك.. العب طرنيب..!!

الرّواية التي بدأت بقراءتها منذ أيّام، لم أنجزها رغم إعجابي بها، ويبدو صحيحاً ما قاله صديقي.

يومها نفض الكتاب من يده بقوة، وضرب الجدار، وفتل رأسه، وأطلق تنهيدة عميقة، وقال:

-" مافي جو للقراية هون".

ولمّا حاولت الكتابة، اكتشفتُ بعد أن أضعت عدّة صفحات أنّه "مافي جو للكتابة كمان".

-أي شو هـَ اللعب.. خسّرت حالك يا شريك!!

- والله أنت السّبب..!!

مواء بعيد أنعش سمعي الثّقيل، فتحوّلت على أذن كبيرة مشحونة بالإصغاء.

قطتنا الجميلة عادت بعد غياب طويل. لقد بالغ أصدقائي، حين اعتقدوا ، أنها لن تعود، لا بل أكد أحدهم:

-"بعرف القطط منيح.. مالهن أمان".

-" وين كنتي يا دوّارة.." سمعت صوت صديقي في المهجع البعيد، ويبدو أنه سمع المواء في الوقت الذي لا يعرف ماذا يفعل؟ مثلي تماماً .. من بعيد رسم رذاذ الضوء الضعيف شبحين كبيرين على الجدران، كانا يتراقصان في لحظة حميمة، التصقت بالشراقة، لأرى هذا الغياب المثمر.

قطّتنا تسير في طرف، وعشيقها الأحمر في طرف مواز،خطوة بخطوة كخيال في مرآة ، تقف، يقف. تسير ، يسيرن يسير ويراقبها.

-" إذا ما معك طرنيب... ليش عم تاخذ كتير"؟1

-" إجت القطّة يا شباب"!!

-" تضربْ إنتِ والقطّة" .

تمتلئ ثقوب الحديد بالعيون منتظرةً صعود هذا الحبّ الشّهيِّ.

صورة تسيل وهّاجة في رماد واقعنا الجاف.

-" بإيدك يا شريك .. فِتْ.. خلّيه يقطع أول".

تجثم على جنبها، وتتلوى ، تقلب على الجنب الآخر.

تهزّ ذيلها كأفعى، تجثو. يراقب مُراقبتنا، يتردد. تقوم ، تتصنّع الهروب، فيقفز عليها. تنام على جنبها، يعضها في رقبتها. يميل ذيلها على جزعه المشدود المتعرّق. تثيره. يتأرجح بين جنبيها. تهدأ. ترفع طرفها تعطيه نفسها، وتغمض عينيها منتظرة دفق الحرارة اللّذيذ.

يثبت قويّاً كعود الحطب، تثبت، يثبت، تعبق الدّهاليز برائحة شهيّةٍ، قديمة وبعيدة، تكتمل القصيدة، وتقطر من عيوننا في ثقوب الحديد .

يقف الزّمن. يغنّي صرصار بعيد، يوقظ الجميع، تنتفض من تحته، وتهرب مطلقة صرخة ألم مفاجئة. يحاول أن يلحقها، يؤخّره التّعب، يميل على وسطه، ويلحسه، يجمد، يحرّك رأسه، يلاحق اختفاء عشيقته في الظّلام، ثم يدور، ويذهب.

عدّت لفراشي، وأغمضتُ عينيّ، لأعيد مشهداً ، كان انطفأ في ذاكرتي، وأشعله الأحمر الغريب مع عشيقته الهاربة.

-" يلعن الحظ.. الله يلعن الحظ ويلعن اللعب معك... يا شريك؟!

- " إنت السبب.. إنت السبب.. وبتعيّط كمان ؟!

انتفضتُ، أفقت من حلمي اللذيذ، فظنّ صديقي القريب أنّ "الطرنيبيين" هم السّبب فقال:

-هو لا يصرخ لأنّه خسر في لعب الورق.. لا ..لا .. أبداً ولكن في ظرف مثل هذا ، يحتاج كل فرد فينا، أن يصرخ من فترة إلى أخرى. وهم عندما يلعبون بالورق، يوفّرون سبباً للصّراخ.

وتفرط السّهرة، وينطفئ الضوء، ويستلقي كل واحد منّا في فراشه، يفكّر قليلاً ، وربما كثيراً قبل أن ينام.

صديقي " الطرنيبي" سيحلم بأوراق " الطرنيب" تملأ يديه، فيربح، لكنه سيصرخ رغم ذلك. شريكه سيجد نفسه بمنزله في القرية وبجواره زوجته وأولاده ينتظرون التفقّد...

والآخر سيعيد مشهد الحب متحولاً في حلمه إلى قط

وأنا يبدأ حلمي بصفير قلمي فوق الورق الأبيض، يدوّن قصّة حب عابرة وسط الشّخير ، فتمضي ليلتي.

قبل أن أنام، أتساءل:

كيف أمضى صديقي في المهجع الآخر هذه الليلة؟!!


طائر واحد يكفي لكي لا تسقط السماء
فرج بيرقدار
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04626 seconds with 11 queries