15 حزيران
أتيت الى المذبح لأقتبل سرَّ الكهنوت , و أتت عاداتي معي ,و انقسامي على نفسي و كذلك غموض هويَّتي و في يوم رسامتي وهبت الله فقط قسماً من ذاتي . لست أدري كم كان كبيراً أو صغيراً . و لم أحسّ بخجل من ذاتي لأنه ما سبق لي أن و قفت أمام نفسي و صارحتها . إنّ للطبيعة البشرية حِيَلها البارعة في التغلب على الصعوبات و المشاكل . فالذاكرة تنتقي ما تريد أن تتذكّر , و كذلك العين ما تريد أن تشاهد . و إنَّنا غالباً مانسمع فقط مانريد أن نسمع . و بعد أن قدمت ذاتي محرقة علنية لله , و لم يعد بوسعي القبول , في سري , أن أبحث عن بعض أجزاء تلك التقدمة التي لم تُحرَق . فما كانت المرواغة يوماً طريقتي في الحياة , و لكنَّ كلامي عن الحياة غالباً ما كان أفضل ممّا تمكّنت من أن أحقق في عيشي .
فيوم رسامتي كانت الشمس دافئة مشعَّة , و كان الأهل و الأصدقاء يحتشدون في كنيستنا الرطبة . كنا في بداية الاحتفال ننبسط على وجوهنا أمام المذبح . فانبساط طالب الكهنوت على وجهه أمام المذبح يرمز إلى موته , إلى تخليته عن ذاته و عن كل ما يعود عليه بالفائدة و المنفعة الذاتية . ينهض عندما يدعوه الأسقف , و نهوضه يعني أنه الآن يحيا للمسيح فقط و لخدمة ملكوته , و أن كهنوته ليس سوى اتحاد أعمق بالمسيح . وإنه يُدعى , في الواقع , مسيحاً آخر , و منذ ذالك الحين أعاني من البعد بين ما أقوله و ما أنا ملتزم به فعلاً . و تلك المعاناة لم تكن في يوم رسامتي . كانت الشمس في ذلك اليوم تشعّ بكل أنوارها و الاحتفال كان رائعاً و أصبحت كاهناً . بكت أمّي في ذلك اليوم و ضمّتني إلى صدرها طويلاً و في عينيها بريق فخر و اعتزاز .