[وشم الجمال]

في غزة كان الموت أول فروض الحياة وهل هناكـ أعمق من أن تقع في أزمة اختيار بين الموت
أو المساومة على أرضكـ وكرامتكـ ...هذه غزة ...موت يلوّن البحر بمداد من دماء ....وثيقة وحّدت بين الموت والشهادة لتخرج وعداً بحياة ....فتتسامق وتعلو لتصيب بشموخها حدود السماء .

في غزة ...كان للطفولة عمر مختلف وحساب لا يمت للمنطق بصلة ...فحليب الأم إنما هو حب للوطن .... وصراخ الألم نداء حنين ...وغمضة العين وانتباهتها لا يعدو كونه انتظار لغد مجهول ينسج بدخان قصف وقنابل وتدمير ...آآه يا محمد يا حبيب أمكـ ويا درة عين أبيكـ ..آآآآه يا ملكـ ...آآآه أيتها الطفولة المطعّمة عظمة وإباء...شهيد... اثنان ...عشرة ...عشرون.... خمسون ...ما أعظم ألمي وما أرقى فرحكم ....ما أوحش العالم عندما يمتهن الصمت في ذل وخنوع ...عندما نرى أن هناكـ من يفاوض وييساوم ....من يمد يده لمصافحة يد مجرم ....لمعانقة جسد قاتل شعب ...وتقبيل أياديه ليمنحنا فتات خبز مقابل وليمة وطن....

منذ طفولتي الأولى كنت أرى أن الحقيقة تحتاج الى ان تقتل الاف المرات لتخرج من رمادها ...لتعود صارخة مدوية ...لتشهد البشر كل البشر عليها ....

وهذه أنت يا غزة .... يا صرخة وليد ستحتضنه الحياة من جديد ... يا من علمتني معنى العزة يا غزة....
كنت أخاف الدماء ولكني أدمنت حمرتها....كنت أتوارى خلف ستار وأضع أصابعي في أذناي علّي أفقد قدرتي على سماع أي شئ ...ولكن صراخكـ كان مصدره القلب فأبى القلب أن يصاب بالصمم...غزة يا ورد الشهداء
غزة أيتها المارد الذي علمني أن الحياة قضية ...وأن الحياة مبدأ وأن لا مجال للمساومة ....

اعذري صراخي ولكني ما عدت قادرة على الصمت من جديد.....