عرض مشاركة واحدة
قديم 12/09/2009   #6
صبيّة و ست الصبايا boozy
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ boozy
boozy is offline
 
نورنا ب:
Mar 2008
المطرح:
العراق الحبيب
مشاركات:
1,410

افتراضي





• فكرة القومية في أوروبا



بعد الحديث عن هذا الفكر نرجع إلى أصل وجود فكرة القومية في أوروبا ، فهي تسبق النازية ، وتسبق التأثير الواضح لليهود؛ وذلك أن القومية لم تكن معروفة في أوروبا على الإطلاق إنما كان الأصل في العالم -فيما يسميه المؤرخون في القرون الوسطى- هو الدين, وكانت القاعدة في التعامل هي الدين, وكان الإنسان يسأل أكثر ما يسأل عن دينه، فهو إما مسلم وإما نصراني وإما يهودي وإما مجوسي... إلخ, أما العصبيات والعنصريات فلها اعتبار ثانٍ يأتي بعد الدين، وكان ذلك في أوروبا وفي الشرق وفي كل مكان حتى ظهرت الفكرة القومية .

فلما ظهرت هذه الفكرة بشكل وطني، وذلك بظهور الثورة الفرنسية؛ التي يزعم الغربيون أنها مفتاح الحرية ومشرق النور وفجر المساواة والعدالة والحضارة الحديثة, فعندما ظهرت الثورة الفرنسية لم يكن لها أي طابع ديني، وإنما كانت وطنية تقول: إن الناس جميعاً متساوون في الوطنية، فلا ينظر إلى أديانهم وعقائدهم ومللهم، هذه الفكرة كانت جديدة على الناس سواء في بلاد الغرب أو الشرق؛ لأن الناس إنما يتفاضلون بحسب الدين, وكل إنسان يرى أنه أفضل من غيره ديناً، ومهما كان المخالف له في الدين فإنه يحتقره.



لكن هؤلاء المفكرين الذين وضعوا أفكار الثورة الفرنسية كانوا معادين للدين لأسباب ولظروف خاصة، فكانوا يأخذون من الفكر اليوناني القديم، ومن الأفكار التي ظهرت في أوروبا ، ونمت وترعرعت شيئاً فشيئاً بعد ظهور حركة الإصلاح الديني , فلما كان هذا الفكر بعيداً عن الدين جمعوا الأمة -كما يزعمون- على أساس وطني.



حتى صارت هناك دول أصبحت الوطنية والقومية فيها شيئاً واحداً.. ودول ومجتمعات أخرى أصبحت القومية فيها أوسع وأعم من الوطنية، وأوضح مثال: الدول العربية؛ حيث صارت "الوطنية" فيها أضيق من مفهوم القومية ، فهناك مثلاً وطنية مصرية ووطنية عراقية ووطنية سورية, فهذه كلها وطنيات، ولكن يجمعها قومية واحدة هي القومية العربية ، لكن بعض الدول قوميتها هي وطنيتها مثل ألمانيا واليابان وفرنسا ، فهم شعب يعيش على أرض واحدة؛ ويتكلم لغة واحدة في مكان واحد؛ وله تاريخ واحد؛ فقوميته هي وطنيته.



ظهرت وترعرعت الوطنية مختلفة ومندمجة مع القومية ، فيمكن أن تعتبر الثورة الفرنسية ثورة وطنية أو ثورة قومية ، ثم نشأت بعد ذلك القوميات الأخرى في أوروبا وارتبطت بالحروب الدينية, وأول ما تفتتت أوروبا تفتتت على يد حركة الإصلاح الديني بزعامة مارتن لوثر وكالفن ومن كان معهم ممن ابتدعوا الدين الذي يعتبرونه تصحيحاً للنصرانية وهو البروتستانتية ، ومعنى البروتستانت : المحتجون أو المعارضون للبابا زعيم الكاثوليك في روما ، فاحتجوا عليه وعلى ما أحدث في الدين من بدع، وأرادوا تصحيح الدين، ولكنهم لم يأتوا إلى القضايا الأساسية, فلم يصححوا التثليث ليصبح توحيداً، ولم يصححوا اعتقاد أن المسيح ابن الله فيقولوا: إنه عبد الله ورسوله، وغير ذلك من الأمور، وإنما اعترضوا عليه في أمور كثيرة؛ من أهمها: توسط رجل الدين بين العبيد وبين الله تبارك وتعالى؛ فـالكاثوليك يقوم دينهم على هذا التوسط، فرجل الدين هو الواسطة، فلا يمكن الاستغفار إلا عن طريقه، ولا يمكن الصدقة إلا عن طريقه! حتى إنه يباشر كثيراً من الطقوس وأمور الناس عند الموت، وعند الميلاد، وعند الزواج، وأمور كثيرة لابد أن يقوم بها القسيس، وإن لم تفعل لأي انسان فإنه يعد محروماً من الجنة، ومن ذلك احتكارهم لقراءة وتفسير الإنجيل، فلا يمكن لأحد أن يقرأ الإنجيل أو يفسره إلا رجال الدين، ويقرءونه باللغة القديمة، وليس باللغات المعاصرة واللهجات المحلية التي كانت في أوروبا .



وعندما ظهرت حركة مارتن لوثر أحدثت انفجاراً قوياً وعنيفاً جداً في هذه التركيبة التي كانت أوروبا بأجمعها مجتمعة عليها، وقد تأثرت تأثراً واضحاً بالإسلام والمسلمين نتيجة الحروب الصليبية؛ إذ وجدوا أن المسلمين يقرأ الواحد منهم كتاب الله كما يشاء، ويعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وليس بين العبد وبين الله واسطة، فوجدوا أنهم يمكن أن يعبدوا الله تبارك وتعالى بغير توسط من أحد.



فاجتهد أناس قبل لوثر في زحزحة هذه التقاليد القديمة التي نشأ عليها الغربيون، فنشأت حركة يسموها "حركة تحطيم الصور والتماثيل "، وأخذوا يحطمون الصور والتماثيل في كثير من أنحاء أوروبا ويقولون: إن هذه وثنية؛ لأنه في التوراة مكتوب: '' لا تعمل صنماً، ولا ترسم صورةً، ولا تعبد وثناً '', فقالوا: هذا ليس من الدين في شيء.



وهكذا ظهرت حركات من هذا النوع إلى أن بلغت القمة في حركة "مارتن لوثر " الذي كان ألمانياً، فترجم الإنجيل إلى اللغة الألمانية، وجعل كل إنسان يقرأ الإنجيل ويتعبد كما يشاء، ولا يراجع أي قسيس, وأصبحوا يعتقدون كفر الكاثوليك الذين في أوروبا ، وفي المقابل يعتقد البابا أن البروتستانت كفار، وحرم كل منهما الزواج من الآخر، فلا يجوز للبروتستانتي أن يتزوج من كاثوليكية، ولا يجوز للكاثوليكي أن يتزوج من بروتستانتية، فصارت بينهما العداوة الشديدة للدين؛ ولأن لوثر لم يضع منهجاً دقيقاً ومنضبطاً بقدر ما وضع خروجاً عن البابوية ؛ فقد خرجت فرق وطوائف كثيرة تحت الشعار نفسه وخالفته وخالفت البابا.



أما القومية الألمانية فقد تمحورت حول البروتستانتية عقيدةً والشعب الألماني قوميةً، أما الفرنسيون وهم الأعداء لهم في تلك المرحلة فإنهم بقوا على دين الكاثوليك وهم إلى اليوم كذلك؛ فدينهم الكاثوليكية تبعاً للبابا, ولكن عندما ظهرت الثورة الفرنسية أصبحت دعوتهم لا دينية فثاروا على البابا، ولكن ثورتهم كانت ثورة غير دينية، فبقي عندهم الدين في حدوده المعينة التي رسموها له، والتي لا يتدخل فيها في شئون الحياة, فمجال الدين -الكنائس وما يتعلق بها- أعطوها حرية؛ وبقيت علىمذهب الكاثوليك ؛ ومن هنا نشأ الصراع والتنافس الشديد في أوروبا بين هاتين الدولتين وبين غيرها من الدول فيما بعد، وارتبطت القومية بالدين -أيضاً- وأصبح كل منهم يمثل شيئاً واحداً.



وأما الإنجليز فقد أخذوا العقيدة البروتستانتية وادعوا القومية الإنجليزية ، وانتشروا وتمددوا في أنحاء كثيرة من العالم خارج بلادهم، فأصبحت العداوة بين الألمان والإنجليز عداوة قومية محضة مع أنهم في الدين سواء، أما الفرنسيون فإنهم كانت العداوة بينهم مختلفة؛ ولهذا نجد أن هذه الدول الثلاث قل أن تتفق في تاريخها, وهذا غير الحروب والخلافات والشحناء بينها، فإذا اتفقت منها اثنتان، فهما ضد الثالثة غالباً.



نشأت وترعرعت الأفكار القومية في كل دولة من هذه الدول، فأصبح لكل دولة شُعراؤها وشعاراتها ورموزها وتاريخها ومفاخرها، وابتعدت كل واحدة عن الأخرى ابتعاداً شديداً بعد أن كانت أوروبا قبل الثورة الفرنسية وقبل حركة مارتن لوثر كلها أمة واحدة، يجمعها دين واحد، فتشعبت تشعباً شديداً.


لستُ بجسدٍ تسكنه روح.
بل
ثلاثة أرواحٍ
و عقولٍ
و قلوب
جزئها المرئيُّ الصغيرُ
جسدْ.
http://evandarraji.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04947 seconds with 11 queries