23 تشرين الأول
الإنسان الذي يعيش ملء الحياة ينعم في ما قد يحس به الآخرون أنه واجب أو عمل شاق . ليس هو مرغم أن يعمل ، بل إنه يريد ذلك حقاً . إنه على علم بالأشواك و لكنه يركز على الورود . و لكل يوم جديده ، فما من يوم يكون نسخة عن يوم آخر . و ما من إنسان هو اليوم ما كان عليه البارحة . و بما أن الرؤية لدى الناس منفتحة على كل جديد ، فالذين يعيشون ملء الحياة هم أبداً في ترقب لوعي أبعاد جديدة . و تلك الأبعاد تُنعشهم و تجدد نظرتهم إلى الحياة .
إنتبه ! أرني و أنا أتحدث عن الأشخاص الذين يعيشون ملء الحياة ، و عن رؤيتهم و أسئلتهم الأساسية ، أراني أشعر ببعض الارتباك . لا أود أو أظهر بمظهر مَن يتكلم عن مثل أعلى لا يمت إلى الواقع بصلة . فمن الممكن أن يسكر بعضهم من الإفراط في التفاؤل ، فكأن كل شيء هو دائماً على ما يرام ، و أن الحياة كلها جمال ! فلا شك أن مثل هؤلاء فقدوا علاقتهم بالواقع ، أنا أعرف تاجراً غنياً جداً يتوقع أن يكون الجواب في كل أمر يُسأل عنه " عظيماً ! و هنالك العديد ممن يدعون المعرفة في علم النفس يقولون لنا بلهجة الخبراء الكبار أن كل ما علينا أن نعمل هو أن نتفاءل و نفكر بشكل إيجابي . علينا أن نتناسى فشلنا و أن نسير في طريق الورود . و هذا كفيل بأن يغير كل شيء ! فهذا و لا شك هراء خطر .
إنه هراء واضح لأن تبديل التفكير في الواقع قد يغير في الموقف تجاه الواقع ، و لكن ليس بإمكانه أن يغير الوقائع ذاتها . فالحزن عند فقد حبيب يبقى مؤلماً . و مرارة الفشل لا تبدد ، و رفض الآخرين لنا لا ينفك يؤلمنا . و ما من شك أن الأشخاص الذين يعيشون ملء الحياة يحسّون " بوخز سهام القدر الشائن " . إن الألم يزيدهم عمقاً ، و رقة شعور و رحمة ، و لكنهم يتألمون .