عرض مشاركة واحدة
قديم 04/05/2008   #190
شب و شيخ الشباب mnhoos
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ mnhoos
mnhoos is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
مشاركات:
50

إرسال خطاب MSN إلى mnhoos
افتراضي


إن الأخوين رحباني لم يقدما شعر أغنية جديد وحسب، لقد قدما رؤية اجتماعية طوبوية، وتحديداً تصوراً للقرية اللبنانية وعلاقاتها الاجتماعية ولعلاقات أهلها بالطبيعة، تصوراً مثالياً للبنان "أخضر حلو" انفجر في الواقع عام1975 ولم يبق له أثر. هذا على الأقل كان رأي الابن الرحباني "المنشق"، وكنت قد قلت إنه "تحلف" لهذه الرؤية منذ البداية وسنرى "نواياه الشريرة" هذه في المقطع الأخير من مسرحية "نزل السرور" في الحوار بين المطرب "بركات" والملحن "قيصر" يسخران فيه من "التراث" الغنائي، والسخرية هي في الحقيقة من المدرسة الرحبانية، ولهذا الموضوع، هجاء المدرسة الرحبانية و الهزء من مفرداتها ورؤيتها للواقع اللبناني سيكرس مسرحية كاملة هي "شي فاشل" (مسرحيته الخامسة) والعنوان دال، وموضوعها هو أن مخرجاً (وهو بنفس الوقت مؤلف النص المسرحي ومؤلف كلمات أغانيه وملحنها) يريد عمل مسرحية عن لبنان الذي يمثله بضيعة هي الضيعة الرحبانية المعتادة بشخصياتها النمطية المعتادة: "المختار" "الشاويش" "الصبية". ضيعة تسودها المحبة، ضيعة "أرز" و "شلال" و"عين" و"جرة" و"أبو الزلف" و"دلعونا"، والمسرحية تفشل، لأن ممثلي المسرحية، المسرحية التي تقدم الضيعة كجنة للمحبة، هم في الواقع لا يحبون بعضهم (لأسباب طائفية أساساً) والذي يطلق رصاصة الرحمة على المسرحية هو "أبو الزلف" شخصياً الذي يتحدى المخرج أن يذهب معه إلى ضيعة لبنانية واقعية.. في الجبل! ويتوسل إليه "نور" المخرج ألا يجبره على الذهاب لأنه مسيحي والضيعة درزية وهو يخاف على نفسه! (كانت حرب الجبل حديثة العهد عند ظهور "شي فاشل").
ويهزأ "أبو الزلف" من زيف صورة الضيعة ومثاليتها وابتعادها عن واقع القرية اللبنانية الفعلي(جرن الكبة استبدل بمولينكس ولا أحد لديه الوقت للجرن لأن الناس"قاعدين عالفيديو"،وأبو الزلف لا يلبس الشروال بل أسس شركة لبيع "الجينز"من زبائنها"المير بشير"!)ثم يصف أبو الزلف المخرج –نور-بالكذب والانتهازية لأنه يتحدث عن "الغريب" في المسرحية تاركاً المجال للجمهور في بيروت الغربية لتأويله بأنه "إسرائيل"وللجمهور في بيروت الشرقية لتأويله بأنه الفلسطيني،علماً أن المخرج بالذات لا يتردد في أخذ "بونات بنزين" من الفلسطينيين ولا في كتابة نشيد حزبي مدفوع الأجر(هذه الملاحظة قد تكون غمزاً من قناة عمه الياس الرحباني).
إنني أميل، بصورة عفوية، لوصف الصورة الرحبانية عن الحب والضيعة بأنها "رومنسية" وإنني لأستميح القارئ عذراً. هذا وصف غير محدد وغير دقيق، وهذه مشكلة كبرى في الكتابات العربية المعاصرة التي تتصدى لتحليل ظواهر عربية اجتماعية أو فنية أو.. إلخ ..ثمة الكثير من المصطلحات المستوردة التي تستعمل بدون تدقيق مؤدية إلى تضليل القارئ أو جعله لا يفهم بأحسن الأحوال. ومن هذه المصطلحات في النقد مثلاً "الكلاسيكية" و "الرومنسية" وفي علم الاجتماع "الطبقة". وحين نستعمل مصطلح "الرومنسية" لوصف المدرسة الرحبانية فإن للقارئ بلا ريب معرفة حدسية للمعاني المندرجة تحت هذا المصطلح غير أن علينا أن نحدد بصورة واضحة هذه المعاني ونجد لها المصطلح الملائم الذي لا أراه مصطلح "الرومنسية". ليس هذا الحيّز المحدود هو المكان الملائم لمناقشة هذه المسألة الهامة غير أنني أكتفي الآن باستعمال هذه المصطلحات غير الدقيقة وأقول: إذا كانت المدرسة الرحبانية "رومنسية" فإن المدرسة الزيادية هي "الواقعية الاستفزازية". كأن زياداً في أغانيه يريد أن ينخز مستمعه ليفيق من أحلامه على الواقع المرير كل المرارة:
" شيء عجيب كيف ماشي
مخشخش من دون خشخاشة
لشو أهبل.. لشو غاشي"
3- "أغنية سياسّية" ؟
إنه ليقال إن زياداً يكتب "أغنية سياسّية" وقد يصح هذا بعمومه، غير أن "الشيخ الأكبر" محيي الدين بن عربي يعلّمنا درساً جليل القيمة في أربع كلمات: "إما الفرق وإمّا التيه!"
مارسيل خليفة يغني أيضاً أغنية سياسية وفرقة "الطريق العراقية" و"سميح شقير" في سوريا والشيخ "إمام" في مصر يغنون أغنية سياسية فهل نضع هؤلاء جميعاً في سلة واحدة؟ إنني أرى في الأمر غبناً وسأذكر الفروق التالية- الواضحة:
-إن "فرقة الطريق" و"مارسيل خليفة" (و"سميح شقير" عملياً أيضاً) ينطقون بألسنة تنظيمية على حين أن "زياداً" و"الشيخ إمام" ينطقان بألسنة فصيحة طليقة من قيود الحزب والقيادات الحزبية.
-باستثناء "زياد" و"الشيخ" فإن الآخرين لم يكادوا يخرجون عن نطاق السياسة بمعناها الضيق، بل إنك لتلمح التكتيك الحزبي العتيد في بعض أغاني هؤلاء (أي عدم الصدق!) على حين أنك لا تجد أثراً من هذا التكتيك (الذي يتنافى مع الفن ببساطة) في أغاني زياد والشيخ.
- إنك باستثناء "زياد" و"الشيخ" أيضاً لا تكاد تجد لا عفوية ولا شخصية مميّزة، فكأن المغني يضع قناعاً على وجهه ويقول ما يجب أن يقول لا ما يحس به. ولذلك لا تحاول أن تبحث عن النكتة فلن تجدها في أغاني فرقة الطريق أو أغاني شقير أو أغاني خليفة.
ولهذه الأسباب أفضل أن أسمي زياداً والشيخ إمام "مغنين ملتزمين" وأسمي الآخرين "مغنين سياسيين" للتدليل على محدودية الرؤية التي تكتنف أغنيتهم.
4- سمات نفسية في النصوص الغنائية لزياد الرحباني:
-التداعي المنفلت:
في النصوص الغنائية لزياد تلفت الانتباه ظاهرة غريبة أسميها التداعي المنفلت وهي كثيرة سأذكر بعضها:
-في أغنية "زمان الطائفية" (مسرحية "فيلم أميركي طويل"): يا زمان العلمانية
ميتا أشوفك ميتافيزيك
-في أغنية "شوهالإيام" (شريط "أنا مش كافر"):
شو هالإيام اللي وصلنا لها
قال إنه غني عم يعطي فقير
كإنه المصاري هطلت لحالها
عا هيدا نتفه وهيدا كتير
حلوه دي ..بتعجن بالفجريّه
-في أغنية "النظام" (نفس الشريط):
شو كان عابالي يامدام
لو كله ماشي عالنظام
( بونجور مدام)
نجد أنه ما من علاقة بين "ميتا أشوفك" و"ميتا فيزيك" سوى "تداع منفلت" سبّبته "ميتا"!
ولا من علاقة بين "حلوه دي"و"بتعجن بالفجرية" سوى أن الكلمتين الأخيرتين تليان في أغنية سيد درويش التي غنتها فيروز أيضاً كلمتي "الحلوة دي"
تداعيات لفظية منفلتة لا معنى لها إلا تقرير عدم الجدية الذي له علاقة بعدم الجدوى وبالمثل المجيء "بالمدام" و"بونجور مدام".
وسنرى أن هذا الاتجاه التفككي سيتصاعد إلى حدود كارثية في الأعمال اللاحقة لزياد.
-الاتجاه إلى إعدام النص:
مع "أمرك سيدنا"و"أبطال وحرامية" لا نكاد نجد نصاً جاداً. وإنه لمن المحزن لمن سمع أغنية رائعة مثل"خلصوا الأغاني هني وبيصفوا عالجنوب"أن يسمع هنا:
"في وجع قوي يا حكيم
دزني وشوف
الوجع بيعمل إيه!"
ثمة اتجاه لإعدام النص واستبداله بموسيقا تعبيرية تتخللها كلمات لعل زياداً يريد منها أن تكون "المرحلة الانتقالية" التي ستوصل مستمعه إلى المرحلة المرجوة التي تختفي فيها الكلمة كلياً لصالح الموسيقا(وقد عبر زياد في إحدى مقابلاته عن رأي كهذا، وهو يكاد يكون ترديداً لرأي استشراقي شائع يأخذ على الموسيقى العربية ارتباطها الذي لا ينفصم مع الكلمات).
ومع ذلك، ألا نجد في هذا الاتجاه إلى التوقف عن استخدام الكلمة يأساً من جدوى الكلام(وهو ما ينسجم مع الرأي الذي عرضته في الفقرة السابقة)؟
وفي ختام هذا الاستعراض لبعض جوانب النص الغنائي عند زياد أود أن أشير إلى شريط جميل مثير للانتباه مخصص لموضوع واحد هو موضوع حب مخفق أو حبيب مهجور ومن أغانيه:
"كل الإشيا الحلوة فيكي بتعطيها إلو
وما بتعطيني شي
ومش طالعلي شي
إلا إنك تبكي عندي
لما بتزعلو!"
ومنها:"إذا بدك فل بفل
وإذا بدك ضل بضل"
وفيها اليأس الذي نجده في أغنيته التي تغنيها فيروز:
"بتمرق علي بتمرق
ما بتمرق لا تمرق
مش فارقة معاي!"
وأغنيات زياد التي غنتها فيروز(مجموعة"معرفتي فيك") تستحق بلا ريب التحليل النقدي، وتنطبق عليها فيما أرى الملاحظات العامة السابقة على النص الغنائي الزيادي وهذا التحليل نؤجله إلى دراسة أوسع عن الرحابنة وزياد الرحباني نعتزم القيام بها قريباً إن شاء الله.
5-عن التجربة المسرحية لزياد الرحباني:
ابتدأ زياد نشاطه الفني بالمشاركة ببعض ألحان المسرحيات الأخيرة للأخوين رحباني (المحطة- لولو) وكانت أول مسرحية له "سهريّة" ونجد فيها بعض الروح الرحبانية التقليدية ولكن فيها أيضاً بعض الإشارات الدالة على التوجه المقبل للرحباني الابن، وقد مثل زياد في هذه المسرحية دوراً هزلياً (دور السكير المفلس الذي يشرب بالدين) أظهر فيه موهبته الأصيلة ممثلاً وشخصيته المتميزة في هذا المضم
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06310 seconds with 11 queries