الموضوع: حوارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 22/06/2008   #293
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي




حوار مع يوسف شاهين في ريو دي جانيرو

حسين أحمد أمين الحياة 2003/10/10

يوسف شاهين في فيلم اليوم السادس
التقيته مراراً خلال النصف الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1986، وذلك في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، حيث كنت أعمل قنصلاً عاماً، عندما أقيم مهرجان السينما الدولي الذي عُرض فيه أحدث أفلامه يومها "اليوم السادس". وقفنا نتحادث في الردهة الخارجية حتى دق الجرس ايذاناً ببدء عرض الفيلم، وظننت أنه سيدلف الى القاعة معي، غير انه بادرني بقوله:

- أعصابي لا تحتمل مشاهدة أفلامي في المهرجانات، سأنتظرك عند حمام السباحة في الفندق فتحدثني عن رأيك وعن انطباعات الجمهور.

وفي مساء يوم 29 تشرين الثاني كانت حفلة توزيع الجوائز، وقد راقبت يوسف شاهين قبل بدئها يروح ويجيء في الردهة في عصبية ظاهرة، يحادث هذا ثم ينتقل الى ذاك وهو يتحدث كما بدا لي في غضب وحدّة، ومحدثوه يحاولون تهدئته وجبر خاطره، وأخيراً جاء اليّ حيث كنت اجلس في المقصف، وصاح بي وقد احمر وجهه:

- لن أتسلم الجائزة.. تسلمها انت نيابة عني.


- ماذا حدث؟

- لم تر لجنة التحكيم أن تمنح الجائزة للفيلم، ولكنها قررت - ترضية لي - منحي جائزة "التوكانو" عن "المستوى الرفيع لمجموعة اعمالي، وخدماتي الجليلة للسينما الدولية".


- وما يغضبك في هذا؟

- لا يا سيدي، لستُ ممن يقبلون جوائز الترضية، حينما ينادون عليّ قم أنت واستلم الجائزة من رئيس اللجنة نيابة عني، أما أنا فلن أفعل.

دخلنا القاعة، وجلس إلى جواري في احد الصفوف الامامية، وإذ ظننته - لسذاجتي - جاداً في عزمه، فقد شرعت اعد في ذهني الكلمة التي سألقيها عند تسلمي جائزته. غير انه لما نودي على اسمه، وتحركت اهمّ بالنهوض، رأيته يهب من مقعده ويتجه إلى مكان رئيس اللجنة على المسرح مبتسماً وسط تصفيق الجمهور، ويتسلم الجائزة! (وفي ظني الآن أن المنظر نفسه تكرر عام 1997 في مهرجان "كان"، عندما حصل يوسف شاهين على جائزة اليوبيل الذهبي للمهرجان "عن مجموع انتاجه السينمائي" في حين لم يحصل فيلمه "المصير" على أي جائزة".


داليدا/ صديقة

دعوته الى الغداء في اليوم التالي في أحد مطاعم ريو الفاخرة المطلة على البحر، ودار بيننا حتى الخامسة عصراً الحديث التالي، اصوغه في صورة اسئلة مني واجاباته عنها:


اعترض عدد من النقاد المصريين على اسنادك دور صِدّيقة في "اليوم السادس" إلى داليدا، فهي وإن كانت من مواليد مصر، فإن قضاءها معظم سني حياتها في فرنسا انساها اللغة العربية، وصارت في لسانها عجمة تجعل من أدائها لدور فلاحة مصرية صميمة أمراً مستغرباً. وفي رأيهم ان ثمة من الممثلات المصريات من كان في وسعها ان تقوم بهذا الدور على نحو مقنع ومستساغ، وبكفاية اكبر، مثل سعاد حسني، أو فاتن حمامة.

- قبل ان افكر في اسناد الدور الى داليدا، عرضته فعلاً على كل من فاتن حمامة وسعاد حسني، فأما فاتن فقد أبت أن تقوم بدور جدة، وأرادت ان أجري بعض التعديلات على القصة، وهو ما لم أقبله. وأما سعاد فقد ظلت مترددة بين القبول والرفض - ربما للسبب نفسه - حتى استقر رأيها على الرفض، حينئذ فكرت في الاستعانة بداليدا، أولاً لجودة تمثيلها كما لا شك في أن تكون لاحظت، وثانياً لأن الفيلم انتاج مصري - فرنسي مشترك، وداليدا مصرية - فرنسية، واضطلاعها بدور البطولة من شأنه أن يضمن اقبالاً أكبر على مشاهدة الفيلم في كل من مصر وفرنسا، وقد فكرت في ان استخدم صوت ممثلة مصرية اخرى بديلاً من صوت داليدا، غير انه اتضح لي أن عملية الدوبلاج هذه ستكلفني من النفقات ما لا قِبل به لموازنة الفيلم.


البعض يرى أن أفلامك عموماً فوق مستوى فهم المصري العادي، وأنها أصعب وأدق من ان تكون مستساغة ومقبولة لدى الجمهور العربي، وانك حتى مع اختيارك مواضيع مصرية صميمة، تبدو مخرجاً مصرياً يرتدي قبعة وذا نمط من التفكير اوروبي.

- أينطبق هذا الاتهام على "باب الحديد" أم "الارض" أم "الناصر صلاح الدين" أم "اليوم السادس"؟ الجمهور هو الحكم في مثل هذا الاتهام. واقبال الجمهور المصري على مشاهدة أفلامي كافٍ لتفنيده وتكذيبه. كل ما هناك هو ان اي عمل فني جيد، سواء كان كتاباً أم فيلماً أم مسرحية أم سيمفونية، يقتضي العودة اليه اكثر من مرة للإلمام بكل ابعاده، وأفلامي من هذا الصنف من الاعمال الفنية، من اللازم مشاهدتها اكثر من مرة لفهمها على نحو اوضح. لقد تأثرت بالتأكيد بمدارس سينمائية أجنبية، وبالمخرجين البارزين في الشرق والغرب، شأن معظم المخرجين عندنا في مصر، غير ان هذا لا يعني انني أصبحت "خواجة"، أو مخرجاً مصرياً يرتدي قبعة. على العكس أنا أدرك تماماً ان ما من عمل فني مصري يمكن أن يكون عالمياً، وان يلقى حظوة لدى الجماهير في الخارج، ما لم يكن مصري المضمون والطابع والروح، شرط ان يكون انسانياً في الوقت ذاته، وان يصور من العواطف والاحاسيس والمواقف والعلاقات ما يشترك فيه البشر جميعاً على اختلاف اجناسهم وأوطانهم.


عقبات


هل يجد جمهور أفلامك في اوروبا، أو الاميركتين، أو الشرق الاقصى عقبات في سبيل فهمها نتيجة اختلاف القيم والمفاهيم والمستوى الحضاري والعلاقات الفردية والاجتماعية في مجتمعاته عن تلك السائدة في المجتمع المصري؟

- بالتأكيد هناك مثل هذه العقبات، فهم قد يعجبون أو يضحكون أو يذهلون ازاء تمسكنا الشديد بقيم لا يقيمون هم لها وزناً، أو اغفالنا قيمة لها وزنها الخطير عندهم. وهذا أمر طبيعي تلمسه ليس فقط في المجتمعات المتباينة، بل وفي المجتمع الواحد في ازمنة متباينة، فالاخلاقيات الجنسية السائدة اليوم في اوروبا، مثلاً. تحول دون التعاطف الحقيقي الكامل مع مأساة مرغريت في مسرحية "فاوست" لغوته، أو مشكلة "تِسْ" في رواية توماس هاردي، ولا بد للمخيلة والثقافة العامة من ان تلعبا دورهما هنا من اجل اعادة بناء قيم الماضي، أو قيم مجتمع غريب بعيد. كما ان لا شك في ان اشتراك مجتمعين معينين، كالهند ومصر مثلاً، في مشكلات حيوية، أو في مفاهيم وتقاليد معينة، يجعل كلاً من الشعبين الهندي والمصري اقدر على فهم فنون الشعب الآخر منه على فهم فنون بلد كالسويد أو بولندا أو تشيلي.


لا شك في أن منافسة التلفزيون للسينما من الاسباب التي ادت بالسينما الى الإكثار من المشاهد الجنسية التي قد يعزف التلفزيون عن عرضها بحكم وجوده في كل بيت، وفي محيط العائلات، وذلك من أجل ضمان استمرار رواج الصناعة السينمائية، ولكن ألا ترى أن غالبية المشاهد الجنسية في الأفلام باتت مقصودة لذاتها، ولا يخدم موضوع الفيلم، أو تصوير نفسية ابطاله، أو تطور شخصياتهم؟

- منافسة التلفزيون هي بطبيعة الحال في الاسباب المهمة التي دفعت السينما في هذا الاتجاه. ولكنها ليست السبب الوحيد، وليست السبب الرئيس، السبب الرئيس في رأيي هو تزايد حرية السينما في بعض المجتمعات في مجال تناول هذا الموضوع الحيوي تناولاً صريحاً، ونمو الاعتقاد بأنه ما دام موضوعاً مهماً فلا بد من تناوله، ولا بد من ان يحتل في الفنون المكانة نفسها التي يحتلها في حياة الفرد، من دون خشية أو حرج، أو رياء أو حياء... غير أنني أوافقك على أن المشاهد الجنسية غالباً ما تدرج في الفيلم من دون ان تخدم موضوعه، فيكون رواج الفيلم هو الاعتبار الاول لا الجودة ومقتضيات الفن. وهذا هو بالضبط ما استقر عليه في الغرب تعريف "البورنوغرافيا" ومعيار التفرقة بينها وبين التعرض لموضوع الجنس لهدف فني خالص.



تأثير الأزمة


ما مدى تأثير الازمة الاقتصادية التي تمر بها مصر حالياً في صناعتها للسينما؟

- لا مفر من أن يكون لهذه الازمة تأثيرها الضار، بل والخطير، في الصناعة السينمائية المصرية، وقد انخفض عدد الأفلام المنتجة فعلاً من نحو مئة وعشرين عام 1985 الى ثمانين عام 1986، وأتوقع ان يكون العدد اقـل فأقـل في السنوات المقبلة، والازمة الاقتصادية ستتبع صعوبة في ضمان التمويل الكافي لانتاج الفيلم على نحو مشرف يرضي ضمير المخرج ومطامحه الفنية. وازاء هذه الازمة قد لا نرى بدّاً من الاستعانة بمصدر خارجي يشترك في التمويل اولاً، ويضيف سوقاً جديدة لتوزيع الفيلم. وهذه هي علة لجوئي في السنوات الاخيرة الى الانتاج المشترك مع دول اجنبية، ثم اننا نعلم جميعاً مدى سوء مستوى الصوت في الأفلام المصرية لعجزنا عن شراء الاجهزة الحديثة، وهو ضعف ادى في بعض مهرجانات الأفلام الدولية إلى رفض اشتراك أفلام مصرية ممتازة لهذا السبب. وهنا لا بد من الاستعانة باستوديوات دول متقدمة لتدارك هذا العيب.

إن معظم، أو كل، ما تعاني منه السينما المصرية اليوم من مشكلات مستعصية راجع الى المشكلة الاقتصادية لا الى الافتقار الى المواهب، أو ضعف الامكانات الفنية. افكار لا تجد تمويلاً، وأفلام لا تجد آلات واجهزة حديثة، ومواهب لا تجد المكافأة المجزية. ونتيجة هذا كله حال من الاحباط والقنوط، وإهدار المواهب والكساد والتمزق والثورة.

خذ مثلاً حال محسن محيي الدين بطل معظم أفلامي الاخيرة، ممثل رائع، وكفاية اعتز حقيقة باكتشافها والاسهام في انضاجها، وصلة روحية تربط بيننا كتلك التي تربط الأب بابنه، انه يبذل في أفلامي جهداً يعجز عن النهوض به اقوى الرجال، واحمله ما قد لا يطيق حتى يأتي اداؤه كاملاً من الوجوه كافة، لقد اقتضى دوره في فيلم "اليوم السادس" - وهو دور القرداتي - ان يقضي الاسابيع في التدريب مع القرد، والاشهر في تعلم الرقص الاستعراضي، وكنت اضطره احياناً إلى اعادة تمثيل اللقطة الواحدة اكثر من عشر مرات، فما هي مكافأته على كل هذا الجهد؟ ملاليم! قروش زهيدة لا تكاد تكفي لإعالته هو وأسرته، ثم اذا بالتلفزيون يعرض عليه اداء دور البطولة في مسلسلات تمثيلية تافهة لقاء أجر هو مئة ضعف ما يحصل عليه من اشتراكه في فيلم منهك وصعب كفيلم "اليوم السادس"، وكذلك يتلقى عرضاً من دبي للتمثيل مقابل مئة الف جنيه فما عسى هذا الشاب المسكين ان يصنع؟ انه ضنين بموهبته، حريص على ألا يضيعها بقبول دور إثر دور لا يرضَى ذوقُه الفني عنه، غير انه في الوقت نفسه بشر، يسعده كما يسعد اي فرد منا ان تأتي له موهبته بالمال، وله عائلة ترى من الحماقة ان يرفض مثل هذه العروض السخية، فالاغراء اقوى من أن يصده غير القديسين، وقد تعرضت أنا نفسي منذ زمن غير بعيد لمثل هذا الاغراء حينما ارسل اليّ رئيس احدى الدول العربية يعرض علي انتاج فيلم عن حياته مقابل مليوني جنيه! وعلى رغم انني رفضت العرض في النهاية، فقد ظللت مدة احاور نفسي واحاول اقناعها بأن المليونين كفيلان بأن يحلا ضائقتي المالية، ويمكناني في ما بعد من تمويل أفلام رفيعة المستوى.



شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04927 seconds with 11 queries