عرض مشاركة واحدة
قديم 22/10/2008   #37
شب و شيخ الشباب قرصان الأدرياتيك
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ قرصان الأدرياتيك
قرصان الأدرياتيك is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
1,446

افتراضي


اقتباس:
كاتب النص الأصلي : وشم الجمال عرض المشاركة
آلمتني يا صديقي,,,,,


أسلوبكـ رائع جدا ويثير في النفس إنسانيتها ,,,,

ودي لكـ
لا تخلو أيُّ حياةٍ من الألمِ، وهو في الحقيقة مشاركةٌ، مُرسَلٌ من ذاتٍ إلى أخرى!
شكرٌ وعرفان لأنّك مررتِ بأيّامي ولياليّ وشعرتِ بعاطفةٍ طيّبة تجاه من كان فيها!

الجُمعة 10 حزيران 2005
أمستردام
اضطرابي قبل السّفر له مذاقٌ متميّز! يلهبُ قلبي بنيرانِ المعرفة والتجربة المجهولة، فأبقى أحدّقُ بعينين لا تريان شيئاً ممـّا هو آت. كنتُ على موعدٍ هذا المساء مع رحلةٍ تمتدُّ بين روما والعاصمة الهولنديّة على متنِ طائرةٍ من أسطول KLM. بعدَ الغداء زارني أحدُ الأصدقاء ومضى يشكي لي ويبعثُ بهمومِه المطويّة ولواعج قلبِه الكسير في غربةٍ لا شيء يفكّ قيودها سوى الصّبر والاحتمال! حدّثني عن رغبته في زيارة أهلِه وبلدِه إلا أنَّ فقرَ الحال يمنعه عن هذا الحنين.
في الرّابعة والنّصف عصراً غادرتُ المنزلَ وعبر الحافلة فمترو الأنفاق فالمحطّة الرئيسيّة تيرميني في روما فالقطار بلغتُ مطار ليوناردو دا فينتشي الدّوليّ. ومن هناك حملتنا ذاتُ الجناحين في الثّامنة لتحلّقَ في جوٍّ مليءٍ بالسّحبِ والآمال! بعدَ ساعةٍ برزتْ من الأرضِ جبالُ الألبِ بشموخِها وأنفتها، ترتدي ثلوجَ الوداع، وترتفعُ رؤوسُها إلى ما فوق الغيوم متوَّجةً بالأبيض وكأنّها ترفضُ استقبالَ الصّيفِ وتعلنُ عن أمدِ الشّتاء الطّويل. كم كانَ مشهداً يأسرُ الألبابَ والأبصار، وما كنتُ أحسبني أحيا لتلقى عينايَ جمالاً يسبحُ بين السُّحبِ ويُحدّثُ بمجدِ الخالقِ وآثارِ ريشته فوق الثّرى. وبعدَ قليلٍ واجهتنا الشّمسُ محمرّةً من شدّة النّعاس، تريد أن تشيح بوجهها لتضعَه على وسادة الغروب. كانت المرّة الأولى في حياتي أن أرى شمساً عندَ المساء! كم تحملُ لنا الحياةُ من أشياء وأشياء!
بجانبي جلستْ امرأةٌ جميلةٌ يختلطُ حسنَها بين الشّرقِ والغرب، وطوال الرّحلة مكثنا صامتَين، يغيبُ كلٌّ منّا في أفكارِه وأحلام يقظته، ولا يرضى أن يكسرَ الصّمتَ أو يطأ عتبةَ الآخر بكلمةٍ أو حرفٍ صغير! كنتُ حينها أعبثُ بدفتري هذا وأخطّ فيه سطوراً، آنَ لها اليومَ أن ترى النّورَ، وأقلّب أوراقي وقصاصاتي، ومن بينها جواز سفري الذي يتربّع في وسطِه نسرٌ ذهبيٌّ يقول: "هنا سورية". ما أن لمحته تلك السيّدة حتّى ابتسمت والتفتت إليّ وقالت: أنتَ إذاً تتكلّمُ العربيّة! فقلتُ: نعم... أنا من سورية. وأنتِ؟ قالتْ: والدي حلبيٌّ سوريّ ووالدتي هولنديّة، وأنا متزوّجة من سعوديٍّ ولي منه طفلان. أخذنا الحديثُ فأكلَ بقيّة وقت الرّحلة وعلمتُ منها أنّها تقيمُ مع زوجها وطفليها في الإمارات لأنَّها اشترطتْ قبلَ الزواج أن تعمّدَ أولادها ووافقَ السعوديُّ محبّةً فيها، ولهذا، كما أخبرتني، صعبٌ عليهما أن يبقيا في المملكة. يا لهذه المفارقات... !!! قالتْ لي: إنَّ أخاها سوفَ يأتي لاصطحابِها إلى بلدةٍ قريبة من العاصمة حيث مسكنه، والوقتُ متأخّر، وإنْ أحببتُ مكثتُ عندَهم هذه الليلة، وفي الصّباح ذهبتُ إلى عملي وشؤوني! اعتذرتُ بأدبٍ وشكرتُها كثيراً وأخبرتُها بأنّي راحلٌ إلى بلدةٍ تبعدُ ثلاث ساعات عن أمستردام ومن المفضَّل أن أسافرَ على الفور. وبعدَ هبوطِ الطّائرة وقفتُ أنتظرُ حقيبتي بينما رحلتْ! ومن بعيد ومن خلف الزّجاج الفاصل بين قاعة الحقائب والتفتيش وبين قاعة المسافرين لمحتُها تلوّح بذراعَيها وفي كفّها بطاقةٌ صفراء. اقتربتُ منها فأعطتني تذكرةً للقطار الذي سيحملني إلى تلك البلدة وأخبرتني عن الموعد وكيفَ الوصول إلى المكان! تلك اللحظات أغلقتْ عليَّ الكلماتُ الأبوابَ وأوصدتْ فمي فتركتُ عينيَّ يشكرانها وهذه الطّيبة والسّخاء اللذين أغدقتهما عليّ دون منّةٍ أو حساب! من تحت الزّجاج وعبر الشقّ الصّغير أعطيتها الثّمنَ وعدتُ لأحملَ حقيبتي وأسافرُ من جديد إلى بلدةٍ لا أعرفُ شيئاً عنها ومنها إلا اسمَها ومحلّها!

أتركُكم وفيروزي تشدو أنغامَ عاشقٍ أضناهُ الهوى فباحَ بما ليس يبوح:

لو كانَ قلبي معي ما اخترتُ غيركمُ
ولا رضيتُ سواكم في الهوى بدلا!
لـكنّهُ راغـبٌ في مـن يُـعذّبهُ
وليسَ يـقبلُ لا لـوماً ولا عذلا.

يا مَنْ حوى وردَ الرّياضِ بِخدّهِ
وحاكى قضيبَ الخيزرانِ بقَـدِّه
دعْ عنكَ ذا السَّيف الذي جرَّدْتَهُ
عيناكَ أَمضى من مَضاربِ حَدِّه
كلُّ السّيوفِ قـواطعٌ إنْ جُرِّدَتْ
وحُسامُ لـحظِكَ قاطعٌ في غِمدِه
إِنْ شئتَ تقـتلُني فأنتَ مُـحكَّمٌ
من ذا يُطالبُ سـيداً في عَبـدِه.

Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06901 seconds with 11 queries