عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #55
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


بوش والعالم



ست محطات في ستة أيام. سيحتك جورج بوش بالعالم الخارجي في أقل من أسبوع أكثر ما فعل طيلة حياته كلها. سينتقل من بولندا إلى روسيا إلى فرنسا إلى مصر إلى الأردن إلى قطر. والواضح أنه لن يبحث في أي من هذه البلدان العلاقات الثنائية حصراً مع بلاده. إنها أمكنة يستعرض فيها قوة الولايات المتحدة، ويستخدمها من أجل مخاطبة العالم (والعرب بوجه خاص) متأملاً أن يرتد ذلك على الحملة الرئاسية التي سيباشر الإعداد لها.
إن جدول الزيارات، كما أعلن عنه، غني بالدلالات خاصة بالنسبة إلى رجل لم يُعرف عنه ولعه بالسياسة الخارجية.
اختار بولندا ليبدأ منها. سيقوم بغرض الزيارة إلى معسكر اعتقال نازي في محاولة واضحة للإيحاء أن الشر الذي ساعدت الولايات المتحدة على التخلص منه انبعث مجدداً، في العراق، فكانت جاهزة للقضاء عليه. غير أن الخطوة اللافتة هي اختياره هذا البلد بالذات لإلقاء خطاب منتظر عن العلاقات عبر الأطلسي. سيستفيد من دلالة المكان والتاريخ. المكان هو بولندا الممثلة الأكثر بروزاً لما يسمّى »أوروبا الجديدة«، أي أوروبا التي تغلّب »الأطلسية« على كل ما عداها. صحيح أن الثقافة أوروبية وأن الاقتصاد مرتبط بألمانيا وفرنسا ولكن الصحيح، أيضاً، أن طلب الحماية يتوجه إلى الحليف البعيد الذي لا يمثل الخطر التاريخي الألماني، ولا الخطر الحديث الروسي السوفياتي. يُقال عن بولندا إنه بلد يملك »فائضاً من التاريخ«. إن هذا الفائض الخاص هو الذي يتحكّم بالاختيارات وهو الذي استدعى أن يقول بوش، من هذا المكان بالضبط، رؤيته لكيفية تجديد الروابط مع الحلفاء. وبمجرد أن يكون الكلام من بولندا يكون له وقع مميّز لجهة توضيح الميول الأميركية الجديدة.
عند الانتقال إلى روسيا سيمارس بوش التطبيق للشق الأول من نظرية كوندوليسا رايس: المسامحة. يريد ألا يخسر بوتين بعدما نظر في عينيه ملياً واكتشف التقارب معه وتأكد من أنه لم يكذب عليه في قصة الصليب الشهيرة ولا في كيفية تربية البنات! ستنجح الزيارة (برغم تباين حول إيران) لأنها حاجة للرئيسين ولبوتين أولاً. فالروسي لا يسعه أن يرفض الغفران الذي يحمله الأميركي. وإذا كانت سان بطرسبورغ ستكون عاصمة العالم لأيام فإن استعراض بوش فيها هدفه إفهام هذا العالم أنه تغيّر إلى حد لم يعد يستدعي التحالفات الثابتة لعهد مضى. سيحاول، بتحركه، أن يفهم الضيوف الغربيين أن الحاجة إليهم أقل طالما أن سان بطرسبورغ كانت... ليننغراد! وكيف لا تقل الحاجة إليهم والعقيدة الرسمية الأميركية »تحظر« بروز قوة أو تحالف قوي يهدد الأرجحية الكاسحة.
في فرنسا (إيفيان) قد نشهد تطبيقاً للشقين الثاني والثالث من نظرية رايس: تجاهل ألمانيا ومعاقبة فرنسا. واشنطن تعتبر أن برلين كانت ضد الحرب على العراق، من حيث المبدأ، أما باريس فكانت ضد الولايات المتحدة. سيقابل بوش شرودر متسلحاً بزيارتيه السابقتين إلى بولندا، ضحية ألمانيا، وإلى روسيا الخطيرة على ألمانيا. فأميركا حرّرت الأولى وتحميها، وهي أضعفت الاتحاد السوفياتي ما سمح بتوحيد ألمانيا. ولعل المستشار الألماني سيكتفي من القمة بألا يبالغ بوش في تجاهله. أما شيراك فقضية أخرى. إنه المضيف ولكن السيد الفعلي غيره. سيسعى إلى معرفة الأثر الذي تركه الجهد الفرنسي للتأقلم وسيفهم، على الأرجح، أن المسافة المطلوب قطعها لا تزال طويلة. سيجرّب أن يلجأ إلى مواضيع يريد لها أن تشكّل جدول أعمال الدول الصناعية الأكثر تقدماً: كيفية إطلاق الاقتصاد العالمي،
مكافحة السيدا، مساعدة أفريقيا. وسيستفيد من وجود مدعوين أجانب من خارج النادي من أجل الإيحاء بأن القضايا الملحة هي التي تتطلب تعاوناً واسعاً ومتساوياً بين دول العالم وتكتلاته الكبرى. إلا أن بوش سيركز على ما يراه حاسماً في توكيد الغلبة: العراق، الإرهاب، أسلحة الدمار... ولعل رسالته إلى القمة وصلت قبله. اختصر مشاركته إلى يوم واحد فقط. سيصل متسلحاً على الآخرين بالمحطتين السابقتين ويغادر قوياً ليتوجّه، باسم الآخرين، إلى المحطتين التاليتين.
في مصر (شرم الشيخ) سيصل السلوك الإمبراطوري إلى ذروته. القول إنها قمة عربية أميركية فيه تعزية للعرب. إن الاجتماع درس في الإملاء. ثمة لائحة مطالب غير قابلة لنقاش جدي. فبوش يراهن على السمعة التي كسبها بأنه سريع اللجوء إلى القوة، وكذلك على سمعة محاوريه بأنهم سريعو اللجوء إلى التجاوب. ستتحكّم بالاجتماع ثلاثة أشباح. الأول هو شبح صدام حسين، الثاني شبح ياسر عرفات المبعد، الثالث شبح كلينتون. لقد سبق للأخير أن عقد قمة في شرم الشيخ ل»مكافحة الإرهاب« ولدعم شمعون بيريز. لم تنجح في تحقيق غاياتها فسقط بيريز وفكّت المقاومة اللبنانية حصاراً كان يُراد فرضه. الظروف اليوم مختلفة وبوش، إذ يرفض أمراً، فإنه يرفض أن يكون مثل كلينتون. يكره نموذج سلفه إن لجهة الفشل أو لجهة التورط الشخصي في تفاصيل أي تسوية. يعتبر القمة اختباراً لنفوذه ويريد أن يرى ما إذا كان يُطاع إن تحدّث.
عند الوصول إلى الأردن (العقبة) سيكون بوش محكوماً بهمّ وحيد: الإيحاء بأن القمة ليست الأولى وإنما الأولى و... الأخيرة. ويستطيع أن يعتبر أن مجرد التهويل بذلك أعطى نتائج بحيث سارع أرييل شارون ومحمود عباس إلى استقباله كل بباقة زهور. وليس من المستبعد، والحالة هذه، أن تكرر المفاوضات الراهنة نموذج »اتفاق أوسلو«: سهولة نسبية في التوافق على قضايا المرحلة الانتقالية واصطدام بتعقيدات قضايا الحل النهائي. علماً أنه من الجائز توقّع صعوبات جدية في المهمات المستعجلة. فأبو مازن لا يستطيع احتمال ما يتوافق بوش وشارون على مطالبته به، كما أنه لا يرتاح كثيراً إلى الدخول في مواجهة مع الإثنين معاً. بعد اجتماع العقبة سيبدأ عهد أبو مازن جدياً وسيتضح ما إذا كان ما بدأ هو، في الواقع، العد التنازلي.
ينهي بوش جولته في قطر (هل سيمتنع عن زيارة العراق أم أنها مفاجأة الرحلة؟). إن واجبه شكر جنوده على الحرب التي خاضوها وشحذ عزيمتهم لمواجهة ظروف صعبة. ولا يتناول الشكر »تحرير« العراق فحسب طالما أن الحرب سمحت للجولة التي بدأت في بولندا أن تكون »ظافرة« إلى هذا الحد. ومن غير المستبعد، إذا تطرّق الأمر إلى إعادة انتشار القوات الأميركية، أن نستمع إلى الرئيس الأميركي يستعيد تصنيفات دونالد رامسفيلد ليميّز بين »عرب جدد«، قطر نموذجاً، وبين عرب عاربين قد يواجهون مصير صدام حسين أو ياسر عرفات، على الفرق الشاسع بين الرجلين والمصيرين.
إن نظرة سريعة إلى هذه الحلقات المتتابعة التي تضع بوش في مواجهة العالم والعرب تكشف أمراً نادر الحدوث في العلاقات الدولية. أن قادة سيكونون معه في روسيا وسينتقل بعضهم إلى فرنسا ثم إلى مصر، وبعض من في مصر سيتوجه إلى الأردن. نحن، إذاً، أمام مسرحية من ستة فصول يتغيّر فيها عدد من اللاعبين بين فصل وآخر ولكنها تدور كلها حول شخصية محورية تلاحقها الأضواء. وفي هذا الأمر وحده عبرة لمن يريد أن يعرف عن تقدير الرجل لنفسه ولموقع بلاده وللصلات المستقبلية بكل »الأقاليم« التي زارها.

31/5/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04558 seconds with 11 queries